• عدد المراجعات :
  • 1247
  • 11/8/2014
  • تاريخ :

العلاّمة الطباطبائي والتفسير

العلاّمة الطباطبائي

نزل القرآن الكريم : للتدبر والتفكر، قال سبحانه : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24)} محمد .

غير أنّ : طائفة كبيرة من المسلمين اكتفوا من القرآن بالقراءة والتجويد ، غافلين إنّ كلّ ذلك مقدمة لفهم القرآن ، وتطبيق مفاهيمه على الحياة الاجتماعية.

فالقرآن يصف نفسه بقوله : { وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (89) } النحل .

وإذا كان القرآن تبياناً لكلّ شيء : فحاشا أن لا يكون تبياناً لنفسه، فعلى المفسّـر أن يستنطق القرآن و يرفع إجماله ببيّناته، ويفسّر متشابهه بمحكماته. وإلى ذلك يشير الإمام أمير المومنين عليه السلام :

«كتاب اللّه : تبصرون به ، وتنطقون به ، وتسمعون به .و ينطق : بعضه ببعض .ويشهد : بعضه على بعض» نهج البلاغة، الخطبة 192.

وعلى ضوء ذلك : كان أئمّة أهل البيت _ عليهم السلام _ يفسرون القرآن بعضه ببعض، و لنأت بمثال:

إنّ قوله سبحانه في صلاة المسافر: { وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناجٌ أَنْ تَقْصِروا فِي الصَّلاة...(101) } النساء .

ظاهر : في جواز القصر لا وجوبه ، مع أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أفتوا بوجوب القصر على المسافر .

وقد سأل زرارة و محمد بن مسلم : أبا جعفر عليه السلام عن وجه الوجوب للمسافر مع أنّ الآية ظاهرة في الجواز ؟

فأجاب بقوله عليه السلام : أو ليس قد قال اللّه عزّوجلّ في الصفا والمروة : { فَمَن حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَوَّفَ بِهِما }.

ألا ترون : انّ الطواف بهما واجب مفروض، لأنّ اللّه عزّ وجلّ ذكره في كتابه وصنعه نبيه ، وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكره اللّه في كتابه . (1)

وأمّا التعبير : عن الوجوب بهذا اللفظ ، فله نكتة خاصّة بينت في موضعها.

تجد إنّ الإمام : رفع إجمال إحدى الآيتين بالآية الأخرى ، وهذا النمط من التفسير شائع في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام .

وقد اقتفى العلاّمة الطباطبائي : بهم ، فوضع تفسير الميزان على أساس تفسير القرآن بالقرآن ، والآية بالآية ، وهو تفسير بديع ليس له مثيل.

نعم كان بعض المفسرين : ربما يفسّرون الآية بالآية على نطاق ضيِّق ولكن الأُستاذ ألّف كتاباً كبيراً في عشرين جزءاً ، جعل أساس تفسيره رفع إبهام القرآن بالقرآن.

ثمّ إنّ الأُستاذ في كتابه : «الميزان» ، بعد ما ينتهي من تفسير الآيات .

يستعقبها ببحوث : فلسفية ، واجتماعية ، وأخلاقية ن وتاريخية ، على وجه لا يخلطها بما سبق من تفسير الآيات ، حذراً من مغبّة التفسير بالرأي.

إنّ تفسير «الميزان» : خدم الحديث على وجه الإطلاق، فعرض قسماً من الأحاديث الواردة حول الآيات على القرآن الكريم، وفَصَلَ الموافق عن المخالف ، وهذا النوع من البحث جدير بالعناية لمن أعقبه من المفسرين .

وقد كان لتفسيره : يوم انتشر بعض أجزائه صدى واسع في المحافل العلمية.

وهذه هي مجلة : «رسالة الإسلام» ، الصادرة عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة تصف الكتاب.

وتقول : «الميزان في تفسير القرآن » تفسير جديد للقرآن الكريم لسماحة العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي ، من علماء الأمامية الأجلاء صدر منه جزءان يقع كلّ منهما في قرابة 500 من الصفحات الكبيرة، وقد طبع في طهران على ورق جيّد وحروف طباعية حديثة.

قرأنا مقدمة هذا التفسير وبعض موضوعاته : ونحن على نية أن نستوعب الجزأين قراءة وتدبراً إن شاء اللّه تعالى، وقد وجدنا فيما قرئناه قوة علمية متعمقة في البحث ، من السهولة واليسر والبعد عن التشدد ، والتخفف من المذهبية الخاصة إلى حدّ بعيد .

والرجوع : إلى القرآن نفسه ، بتفسير بعضه ببعض ، والنأي به عن الأقوال التي لا تصح من الروايات الكثيرة المختلفة، وعن الآراء التي ترجع إلى تأويل آياته حتى توافق نظراً علمياً ن أو تقليداً مذهبياً ، أو أصلاً كلامياً ، أو فلسفة خاصة ن أو تجديداً حديثاً إلى غير ذلك ممّا نلمحه في بعض التفاسير.

ثمّ يقول : من أبرز مزايا هذا التفسير انّه ـ يعني بعد شرح الآيات و بيان معناها ـ يبحث في الموضوعات الهامة والقضايا التي كثيراً ما شغلت الأذهان في القديم والحديث ، بحثاً مستمداً من آيات القرآن نفسها ، وقد قرأنا من هذا ما كتبه عند تفسيره .

لقوله :{ فَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...(23)} البقره،.

إذ بحث بحثاً جديداً : في إعجاز القرآن من جهاته المختلفة في بلاغته ، وقوة أُسلوبه ن وتحديه بالعلم ، وبالإخبار عن الغيب ، وبمن أنزل عليه القرآن ، وبعدم الاختلاف فيه .

ثمّ تحدث عمّا يثبته القرآن : من قوانين وسنن كونية ، كتصديقه لقانون العلية العامة ، وإثباته ما يخرق العادة ، ومن كون الموثر الحقيقي في الأشياء بتمام معنى الكلمة ليس إلاّ اللّه عزّ سلطانه .

إلى أن قال : وإنّا لنحيّي المولف ، وندعو له بدوام التوفيق. (2)

وقد نال التفسير : إعجابَ السيد الراحل المحقق البروجردي (1292 ـ 1380هـ) .

وقد حضرت شخصياً : مجلس السيد ، وحوله علماء كبار ، وهو يتحدث عن تفسير السيد الطباطبائي ، ويذكره بإعجاب ، ويصف المولف بأنّه أحد علماء الإسلام، وسيوافيك تفصيله.

المصادر:

1- الوسائل: 5|538، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.

2- مجلة رسالة الاِسلام، السنة الثانية، العدد الثاني، ص 217ـ 219.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)