• عدد المراجعات :
  • 1933
  • 5/10/2006
  • تاريخ :

هل الكسوف دليل علي غضب الله؟

كان الاعتقاد - قديمًا - أن كسوف الشمس وخسوف القمر إنما يحدثان من غضب الله علي الناس، عقاباً لهم علي كفرهم ومعاصيهم، وقد ثبت اليوم مع تقدم العلوم الكونية أن الكسوف والخسوف أمر عادي يحدث لأسباب طبيعية معروفة يدرسها التلاميذ في مدارسهم . فهو ظاهرة طبيعية كالمد والجزر وما شابه ذلك.

ولهذا نسأل عن الحكمة في الصلاة التي شرعها الإسلام عند الكسوف والخسوف، فإن الملاحدة أعداء الدين يستغلون ذلك للطعن في الإسلام، وأنه بني هذه الصلاة علي الخرافات القديمة التي كانت شائعة بين الناس بدعوي أن الصلاة لرفع غضب السماء عن أهل الأرض.

هذا مع أن الكسوف معروف عند علماء الفلك قبل أن يحدث، متي يحدث ؟ وأين يحدث ؟ وكم يمكث ؟ ...الخ، فلا يتصور حينئذ أن ترفعه صلاة أو دعاء.

فلا تعارض بين أمر النبي بالصلاة والدعاء عند الكسوف والخسوف وبين العلم الذي يثبت أن هذه ظواهر طبيعية يمكن للعلماء التنبؤ بها مسبقا، فلقد أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بالدعاء عند الصباح والمساء، وفي أوقات معينة شرعت صلوات معينة، وهذا لا يتعارض مع أنها ظواهر طبيعية.

لم يأت في القرآن الكريم ذكر لصلاة الكسوف والخسوف . وإنما وردت بها السنة المطهرة من قول الرسول صلي الله عليه وسلم وفعله، وذلك في السنة العاشرة للهجرة حين كسفت الشمس فصلي بأصحابه وأطال الصلاة حتي انجلت الشمس.

ولم يرد فيما اتفقت عليه الروايات الصحيحة أن هذا الكسوف كان نتيجة لغضب من الله علي الناس . كيف وقد حدث ذلك بعد أن جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وانتشر نور الإسلام في كل ناحية من جزيرة العرب، فلو كان الكسوف يحدث من غضب الله لحدث ذلك في العهد المكي، حين كان الرسول وأصحابه يقاسون أشد ألوان العنت والاضطهاد والإيذاء، وحين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.

ولقد كان الناس في عصر النبوة يعتقدون أن كسوف الشمس والقمر إنما هو مشاركة من الطبيعة لموت عظيم من عظماء أهل الأرض . وكان من غرائب المصادفات أن كسوف الشمس الذي حدث في عهد النبي صلي الله عليه وسلم كان يوم وفاة إبراهيم ابنه من مارية القبطية، وقال الناس يؤمئذ:

إن الشمس قد انكسفت لموته أي حزنًا عليه، وإكرامًا للرسول صلي الله عليه وسلم، ولكن النبي صلي الله عليه وسلم لم يسكت علي هذا القول الزائف والاعتقاد الباطل، وإن كان فيه إضافة آية أو معجزة جديدة إلي آياته ومعجزاته الكثيرة، لأن الله أغناه بالحق عن الانتصار بالباطل.

وهنا يلتقط المشككون هذه الكلمة وأمثالها " يخوف الله بهما عباده " أو " ادعوا الله وصلوا حتي ينجلي " ليقولوا: مم التخويف ؟ ولماذا الدعاء ؟ لماذا الصلاة ؟ والكسوف أمر طبيعي؟.

نعم هو أمر طبيعي لا يتقدم ولا يتأخر عن موعده ومكانه وزمانه، وفقًا لسنة الله تعالي ولكن الأمور الطبيعية ليست خارجة عن دائرة الإرادة الإلهية . والقدرة الإلهية، فكل ما في الكون يحدث، بمشيئته تعالي وقدرته، ومثل هذا الذي يحدث لهذه الأجرام العظيمة جدير أن ينبه القلوب علي عظمة سلطان الله تعالي وشمول إرادته ونفوذ قدرته، وبالغ حكمته، وجميل تدبيره، فتتجه إليه القلوب بالتعظيم، والألسنة بالدعاء، والأكف بالضراعة، والجباه بالسجود.

إن المؤمن لا يمر عليه مثل هذا الأمر، بل هذه الآية من آيات الله وهو لاهٍ غافل، كسائر اللاهين الغافلين من البشر . وإذا كان الدعاء والذكر يكفي فيما يتكرر من الأحداث الطبيعية كل يوم أو كل شهر، فهذا في حاجة إلي شيء أكثر من الدعاء والذكر وهو الصلاة، ثم إن أصحاب القلوب الحية تغلب عليهم الخشية من الله، كلما رأوا مظاهر قدرته في خلقه فهم لا يأمنون أن يكون وراء هذا الحادث العادي شيء آخر يعلمه الله ويجهلونه ولا حجر علي إرادته وقدرته . فهو سبحانه إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.

علي أن في ظاهر الكسوف أمرًا يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه، إذا كان غيره لا يلتفت إليه، وهو التذكير بقيام الساعة، وانتهاء هذا العالم، فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني: أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفرط فيه عقده، وينتثر نظامه، فإذا سماؤه قد انفطرت، وكواكبه قد انتثرت، وشمسه قد كورت، وجباله قد سيرت، وأرضه قد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وبروز الخلق لله الواحد القهار.

إن الشمس والقمر ليسا أبدين ككل شيء في هذا العالم، إنهما يجريان كما قال الله خالقهما، إلي أجل مسمي، نعم مسمي معلوم عند الله، خفي مجهول عند الناس، ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه، فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف، انتقل قلبه من اليوم إلي الغد، ومن الحاضر إلي المستقبل، وخصوصًا إذا تذكر قول الله تعالي: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) (النحل: 77) ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف، أن النبي صلي الله عليه وسلم قام فزعًا يخشي أن تكون الساعة - مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراطًا كثيرة أخبر عنها النبي صلي الله عليه وسلم نفسه ولم تقع بعد، ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية، ولكن يمكن حملها علي أنه صلي الله عليه وسلم فعل ذلك تعليمًا لأمته وإرشادًا لها، لتكون علي ذكر من أمر الساعة علي كل حال، ولا سيما إذا تأخر الزمان، وظهرت معظم الأشراط والأمارات.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)