• عدد المراجعات :
  • 2539
  • 4/24/2006
  • تاريخ :

التدبر في علوم القرأن

القرأن

القرآن الكريم هو الكلام المعجز المنزل وحياً علي

النبي (ص) المكتوب في المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته. وقد اختار اللّه تعالي لهذا الكلام المعجز الذي اوحاه الي نبيه أسماء مخالفة لما سمي العرب به كلامهم جملة وتفصيلاً.

فسماه الكتاب قال تعالي (

ذلك الكتاب لا ريب فيه هديً للمتقين).

وسماه القرآن (وما كان هذا القرآن أن يُفتري من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين). والاهتمام بوضع أسماء محددة ومصطلحات جديدة للقرآن الكريم، يتمشي مع خط عريض سار عليه الاسلام، وهو تحديد طريقة جديدة للتعبير عما جاء به من مفاهيم وأشياء.

وتفضيل ايجاد مصطلحات تتفق مع روحه العامة علي استعمال الكلمات الشائعة في الأعراف الجاهلية وذلك لسببين :

أحدهما : أن الكلمات الشائعة في الاعراف الجاهلية من الصعب أن تؤدي المعني الاسلامي بأمانة، لانها كانت وليدة التفكير الجاهلي وحاجاته،فلا تصلح للتعبير عما جاء به الاسلام، من مفاهيم وأشياء لا تمت الي ذلك التفكير بصلة.

والآخر : أن تكوين مصطلحات واسماء محددة يتميز بها الاسلام، ويساعد علي ايجاد طابع خاص به، وعلامات فارقة بين الثقافة الاسلامية وغيرها من الثقافات.

وفي تسمية الكلام الالهي ب(الكتاب) اشارة الي الترابط بين مضامينه ووحدتها في الهدف والاتجاه، بالنحو الذي يجعل منها كتاباً واحداً.

ومن ناحية أخري يشير هذا الاسم الي جمع الكلام الكريم في السطور، لان الكتابة جمع للحروف ورسم للالفاظ.

وأما تسميته ب(القرآن) فهي تشير الي حفظه في الصدور نتيجة لكثرة قراءته، وترداده علي الالسن. لان القرآن مصدر القراءة، وفي القراءة استكثار واستظهار للنص.

فالكلام الالهي الكريم له ميزة الكتابة والحفظ معاً، ولم يكتف في صيانته وضمانه بالكتابة فقط، ولا الحفظ والقراءة فقط لهذا كان كتاباً وقرآناً.

ومن أسماء القرآن أيضاً (الفرقان) قال تعالي : (

تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً). ومادة هذا اللفظ تفيد معني التفرقة، فكأن التسمية تشير الي أن القرآن هو الذي يفرق بين الحق والباطل، باعتباره المقياس الالهي للحقيقة في كل ما يتعرض له من موضوعات.

ومن أسمائه أيضاً (الذكر). (

وهذا ذكر مبارك انزلناه)، ومعناه الشرف، ومنه قوله تعالي : (بعد انزلنا اليكم كتاباً فيه ذكركم).

وهناك الفاظ عديدة اطلقت علي القرآن الكريم علي سبيل الوصف لا التسمية كالمجيد، والعزيز، والعلي، في قوله تعالي (

بل هو قرآن مجيد)، (وانه لكتاب عزيز)، (وانه في اُم الكتاب لدينا لعلي حكيم).

علوم القرآن

وعلوم القرآن هي : جميع المعلومات، والبحوث التي تتعلق بالقرآن الكريم، وتختلف هذه

العلوم في الناحية التي تتناولها من الكتاب الكريم.

فالقرآن له اعتبارات متعددة. وهو بكل واحدة من تلك الاعتبارات موضوع لبحث خاص.

وأهم تلك الاعتبارات، القرآن بوصفه كلاماً دالاً علي معني، والقرآن بهذا الوصف، موضوع لعلم التفسير.

فعلم التفسير يشتمل علي دراسة القرآن باعتباره كلاماً ذا معني، فيشرح معانيه، ويفصل القول في مدلولاته، ومقاصده.

ولاجل ذلك كان علم التفسير من أهم علوم القرآن وأساسها جميعاً.

وقد يعتبر القرآن بوصفه مصدراً من مصادر التشريع، وبهذا الاعتبار يكون موضوعاً لعلم آيات الاحكام. وهو علم يختص بآيات الاحكام من القرآن، ويدرس نوع الاحكام التي يمكن استخراجها بعد المقارنة لجميع الادلة الشرعية الاخري من سنة، واجماع، وعقل.

وقد يؤخذ القرآن بوصفه دليلاً لنبوة النبي محمد (ص) فيكون موضوعاً لعلم اعجاز القرآن. وهو علم يشرح : أن الكتاب الكريم وحي الهي ويستدل علي ذلك بالصفات والخصائص التي تميزه عن الكلام البشري.

وقد يؤخذ القرآن باعتباره نصاً عربياً جارياً وفق اللغة العربية فيكون موضوعاً لعلم اعراب القرآن، وعلم البلاغة القرآنية. وهما علمان يشرحان مجيء النص القرآني وفق قواعد اللغة العربية في النحو والبلاغة.

وقد يؤخذ القرآن بوصفه مرتبطاً بوقائع معينة في عهد النبي (ص) فيكون موضوعاً لعلم أسباب النزول.

وقد يؤخذ القرآن باعتبار لفظه المكتوب، فيكون موضوعاً لعلم رسم القرآن، وهو علم يبحث في رسم القرآن، وطريقة كتابته.

وقد يعتبر بما هو كلام مقروء، فيكون موضوعاً لعلم القراءة، وهو علم يبحث في ضبط حروف الكلمات القرآنية وحركاتها، وطريقة قراءتها الي غير ذلك من البحوث التي تتعلق بالقرآن. فانها جميعاً تلتقي وتشترك في اتخاذها القرآن موضوعاً لدراستها، وتختلف في الناحية الملحوظة فيها من القرآن الكريم.

الحث علي التدبر في القرآن

وقد ورد الحث الشديد في الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة علي تدارس القرآن والتدبر في معانيه، والتفكر في مقاصده وأهدافه. قال تعالي :

(

أَفلا يتدبَّرُون القُرآن أم علي قُلوبٍ أقفالها). وفي هذه الآية الكريمة توبيخ عظيم علي عدم اعطاء القرآن حقه من العناية والتدبر.

وفي الحديث عن ابن عباس عن النبي (ص) انه قال : (

اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه) وعن ابي عبد الرحمن السلمي قال : حدثنا من كان يقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول اللّه (ص) عشر آيات فلا يأخذون العشر الاخري حتي يعلموا ما في هذه من العلم والعمل.

وعن عثمان وابن مسعود واُبيّ : أن رسول اللّه (ص) كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها الي عشر أخري حتي يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمهم القرآن والعمل جميعاً. وعن

علي بن ابي طالب (ع) انه ذكر جابر بن عبد اللّه ووصفه بالعلم، فقال له رجل : جعلت فداك، تصف جابراً بالعلم وأنت أنت. فقال : انه كان يعرف تفسير قوله تعالي (ان الذي فرض عليك القرآن لرادُّك الي معاد).

والاحاديث في فضل التدبر في القرآن، ودفع المسلمين نحو ذلك كثيرة، وقد ذكر شيخنا المجلسي في البحار (الجزء التاسع) منه، طائفة كبيرة من هذه الاحاديث.

ومن الطبيعي أن يتخذ الاسلام هذا الموقف، ويدفع المسلمين بكل ما يملك من وسائل الترغيب الي دراسة القرآن والتدبر فيه. لان القرآن هو الدليل الخالد علي النبوة، والدستور الثابت من السماء للأُمّة الاسلامية في مختلف شؤون حياتها، وكتاب الهداية البشرية الذي أخرج العالم من الظلمات الي النور، وأنشأ أمّةً، وأعطاها العقيدة، وامدها بالقوة، وأنشأها علي مكارم الاخلاق، وبني لها أعظم حضارة عرفها الانسان الي يومنا هذا.

تاريخ علوم القرآن

كان الناس علي عهد النبي (ص) يسمعون الي القرآن، ويفهمونه بذوقهم العربي الخالص، ويرجعون الي الرسول (ص) في توضيح ما يشكل عليهم فهمه، أو ما يحتاجون فيه الي شيء من التفصيل والتوسع.

فكانت علوم القرآن تؤخذ وتروي عادة بالتلقين والمشافهة، حتي مضت سنون علي وفاة النبي (ص)، وتوسعت الفتوحات الاسلامية، وبدرت بوادر تدعو الي الخوف علي علوم القرآن، والشعور بعدم كفاية التلقي عن طريق التلقين والمشافهة، نظراً الي بعد العهد بالنبي نسبياً واختلاط العرب بشعوب أخري، لها لغاتها وطريقتها في التكلم والتفكير، فبدأت لاجل ذلك حركة، في صفوف المسلمين الواعين لضبط علوم القرآن ووضع الضمانات اللازمة لوقايته وصيانته من التحريف.

وقد سبق الامام علي (ع) غيره في الإحساس بضرورة اتخاذ هذه الضمانات، فانصرف عقيب

وفاة النبي (ص) مباشرة الي جمع القرآن.

ففي الفهرست لابن النديم، أن علياً (ع) حين رأي من الناس عند وفاة النبي ما رأي أقسم أنه لا يضع عن عاتقه رداءه حتي يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام، حتي جمع القرآن. وسيأتي البحث عن ذلك في البحث عن جمع القرآن. وما نقصده الآن من ذلك، أن الخوف علي سلامة القرآن والتفكير في وضع الضمانات اللازمة، بدأ في ذهن الواعين من المسلمين، عقيب وفاة النبي (ص)، وأدي الي القيام بمختلف النشاطات. وكان من نتيجة ذلك (علوم القرآن)، وما استلزمته من بحوث وأعمال.

وهكذا كانت بدايات علوم القرآن، وأسسها الاولي علي يد الصحابة والطليعة من المسلمين في الصدر الاول الذين أدركوا النتائج المترتبة للبعد الزمني عن عهد النبي (ص) والاختلاط مع مختلف الشعوب.

فأساس علم إعراب القرآن وضع تحت اشراف الامام علي (ع)، اذ أمر أبا الاسود الدؤلي وتلميذه يحيي بن يعمر العدواني رائدي هذا العلم والواضعين لاساسه، فان أبا الاسود هو : أول من وضع نقط المصحف، وتروي قصة في هذا الموضوع، تشير الي شدة غيرته علي لغة القرآن، فقد سمع قارئاً يقرأ قوله تعالي (

ان اللّه بريء من المشركين ورسوله) فقرأها بجر اللام من كلمة (رسوله) فأفزع هذا اللحن أبا الاسود الدؤلي وقال : عز وجه اللّه أن يبرأ من رسوله، فعزم علي وضع علامات معينة تصون الناس في قراءتهم من الخطأ، وانتهي به اجتهاده الي أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وجعل علامة الكسرة نقطة أسفله، وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين.


بحوث تمهيدية حول القرآن الكريم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)