• عدد المراجعات :
  • 1323
  • 2/21/2006
  • تاريخ :

کيف يؤثر الامل علي المجتمع المسلم

أية أمة من الامم المستضعفة، يحدوها أمل مشرق في حياة کريمة تحياها في ظل التنافس المحموم لاحتلال مکانة مرموقة بين الامم المتمدنة والمتحضرة التي حازت علي قصب السبق بفعل جهودها الجبارة ونشاطها المتواصل دون کلل أو ملل، أما اذا حل اليأس القاتل محل الامل فان الامة سيکون مصيرها الرکود والخمول والانحسار عن ميدان التنافس الايجابي وصولا الي حياة سعيدة هانئة وحيوية.

اذن... يتنازع الناس شعوران: شعور محلق يرنو الي الامام وهو شعور الالم، وشعور محبط يدفع الي الخمول والعجز، وهو شعور اليأس والقنوط، ولا تخلو الحياة من غلبة لاحد هذين الشعورين، ولکن أصحاب المبادئ ما فتئوا يغلبون في نفوسهم شعور الامل ليشرق في واقع الناس فيحيل ضعفهم قوة وتفرقهم وحدة، واحجامهم اندفاعا.

واذا نظرنا في القرآن الکريم لو جدنا ان اليأس من صفات الکفار: ((انه لا ييأس من روح الله الا القوم الکافرون)) سورة يوسف 87.

ذلک ان اليأس عند هؤلاء قد عطل فيهم نوازع الخير وغلب فيهم بذرة الکفر والشر. ولذا نجد ان منطوق الآية المبارکة يوحي بان الامل من صفات المؤمنين کما ان اليأس من صفات الکافرين.


الامل... مطلب ضروري ملح

ونحن لا نحيد عن الصواب تؤکد بأن الاسلام هو دين الامل، ولا يقف الاسلام عند هذا المعني، بل يحرک الامل ليصبح عملا مفيدا في واقع الحياة والمجتمع، ولربما يعتقد البعض ان هذا الکلام مبالغ فيه، لکنه هو الحقيقة بعينها، فالمرء حين يرفع يديه بالدعاء، فهو يأمل في حصول اجابة لدعوته، واذا صلي أوصام أو حج أو فعل أي فعل فان دافعه في ذلک هو الامل في قبول الاعمال عند الله تعالي.

اذن... أليس الانسان المسلم يعبد الله بالامل؟ واذا نظرنا الي حال العاصي الذي يلغ في الأثام ووالموبقات، رأينا انه قد وضع في خفايا نفسه ان الله لن يغفر له ذنبا، ولن يقبل له توبة، ومن هنا جمحت به نفسه، فأطفأ منها شعلة الامل، وأوقد شعلة اليأس القاتلة.

ويبقي الامل المشرق البناء، مطلب ضروري وملح، أما اليأس الخامل فوصف من أوصاف أعداء الله والانسانية، وهذا يدعو                -بالطبع- کل متصدر في الامة الي ان يضخ فيها الامل والطموح، وهذه وظيفة الدعاة والعلماء والمصلحين والمربين ان کانوا يريدون للامة صلاحا وخيرا، ويرجون لها غدا مشرقا باسما.

والناظر في تأريخ الامة المجيدة، يري انه قد مر عليها عصور ضعف تفرق وتمزق وفقر وعوز ومجاعات أشد مما هي عليه الأن، لکن الامة بعد ذلک انتفضت فاذا بها تسمح عن وجهها رکام اليأس وتطارد فلول الصليبيين المستعمرين، ويعتدل مسارها بعد اعوجاج ونهضت بعد کبوة، واذ بها تخرج المحتلين بفضل الله ثم بجهودها ثلة مخلصة من علماء الاسلام الذين عملوا علي اعادة الامة الي رشدها وتذکيرها بأمجادها الماضية.

نحن بحاجة الي من ينهض لينفخ في روح الامة نفخة الامل تستعيد الامة نفسها وحضارتها التليدة، فتنتفض لتطرد اليأس والقنوط.

ولئن کان لهذه الامة الأن أن تصبح أشلاء ممزقة ويکثر فيها العثار، وتصبح نهبا لکل ناهب، فتتداعي عليها الامم لتأکل خيراتها وأصبحت کالايتام علي موائد اللئام، وعلي الرغم من ذلک فان الامة ما تلبث ان آجلا أم عاجلا أن تصحو بعد سبات وتعتدل بعد انحراف، وعندئذ فلن يقف أمام هذه الامة واقف، ولن يقوي علي رد بأسها عدو، ذلک انها امة موعودة بالنصر، ولذا فان الامل معقود علي جهود المخلصين العاملين من أتباع أهل البيت الکرام (عليهم السلام) وقادة الدرب الحقيقيين بعد أن يعملوا علي ايقاد شعلة الامل في حياة الامة لتستيقظ بعد سبات وتنهض بعد قعود وتصبح أکثر رفعة وقوة وانطلاقة  علي الهدي النبوي الشريف.


نحو أمل مقترن بالعمل

أما وقد تحدثنا عن الامل ومقامه في ديننا الاسلامي العظيم، وعن حاجة الامة الاسلامية اليه وعن خطورة الامل في حياتها، فانه لا يفوتنا الا أن نعرج علي شرط الامل الرئيسي ذلکم هو العمل، فالامل بلا عمل کالطائر بلا روح، وهل ترغب امتنا الطموحة في أمل محلق بلا عمل؟ أم هل تريد نصرا بغير اعداد أو تريد تغيير القوانين الطبيعية دون أسباب؟ هذا امر لا نظن يتوقعه ألوالالباب.

ان الامل وحده لا يکفي، وکلنا لا يقبل ذلک في قرارة نفسه، فهل نري عذرا لابنائها اذا لم يستعدوا للامتحان بالدرس والمثابرة والمطالعة؟ فکيف نطمح للامة حيازة القوة والمجد بغير عمل؟ وکيف نرجوا شفاء المريض بغير دواء أو جنة بغير عمل؟... وهکذا الامل والعمل، ولذا فعلي من يأمل في اصلاح الامة أو المجتمع المسلم، العمل الجاد الواعي المخلص، وهذا واجب الدعاة والعلماء والمصلحين، لان يقرنوا الامل بالعمل المثمر.. حتي يتحول بصيص الامل الي شعلة براقة تؤتي أکلها باذن ربها.

نؤکد الامل المقترن بالعمل، فکفي أملاء محلقا لا يجدي شيئا في واقع الناس، وکفي دغدغة للعواطف. ان العمل هنا مسؤولية مشترکة للعالم والداعية والاداري والسياسي والمربي والموجه، والمرأة في بيتها، والطبيب في عيادته، وهکذا أول عمل مقرون بالعمل، ينبغي أن نعمله، حيث اننا نتعامل مع الله سبحانه وتعالي بأمل مفرط دون اصلاح للنفوس وتربية للقلوب وتخل عن الأثام، فاذا أردنا العمل وجب علينا أن نتخلي عن الاماني المفرطة، وأن نبدأ بالعمل علي اصلاح أنفسنا ليلتقي الامل والعمل، ثم نلتفت الي عاداتنا وأفکارنا وموروثاتنا وأهوائنا، فنعمل علي استبعاد ما خالف شرع الله منها، وعلي الالتزام بما نجد أنفسنا مقصرين في التزامه من المفاهيم والافکار والتکاليف الشرعية علي کل مستوي، فرديا کان أو جماعيا، ثم نعمل علي تخليص أنفسنا من الانفصام بين القول والعمل (أي النفاق)، فان هذا أخطر شيء ينخر في جسم الامة وعقيدتها، فاذا تخلصنا من الانفصام، أمکننا الموازنة بين أقوالنا وأفعالنا، فلم يختلف منا القول علي الفعل، وعندئذ تتحسن سرائرنا ثم نبدأ بالعمل في اطار أقرب الناس الينا، في اطار الاسرة، زوجة وأبناء، أخوة وأخوات، فاذا تحقق صلاحهم، اتجهنا الي من يجاورنا وعندما يري الله منا تغييرا في نفوسنا في الافکار والمعتقدات والسلوک والعادات والتقاليد، وحينما يمن علينا سبحانه بالتغيير کما وعد في کتابه الکريم حيث قال: ((ان الله لا يغيير ما بقوم حتي يغييروا ما بأنفسهم))، ووقتها يکون الامل مقرونا بالعمل لا انفکاک بينهما.

وبعد، فهذه کلمات في الامل وأهميته في حياة الامة المتطلعة لمستقبل مشرق، أردنا بها تذکير أنفسنا أولا، وتذکير المجتمع ثانيا:

((ويقولون متي هو، قل عسي أن يکون قريبا)).

 زکية حسين

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)