• عدد المراجعات :
  • 895
  • 10/24/2005
  • تاريخ :

شهيد المحراب

شهيد المحراب

قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج عليِّ بن أبي طالب ... تنهد بهم الحياة ، موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح ، تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين ، و هم على قلتهم ، كالأعمدة تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل ، و ترسو على كواهلها أثقال المداميك ، لتومض من فرق مشارفها قبب المنائر.

و إنهم في كل ذلك كالرَّواسي ، تتقبل هوج الأعاصير و زمجرة السُّحب لتعكسها من مصافيها على السفوح خيرات رقيقة ، رفيقة عذبة المدافق . و من بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب في هالة من رسالة و في ظلِّ من نبوة ، فاضتا عليه انسجاماً و اكتمالاً كما احتواهما لوناً و إطاراً . و هكذا توفرت السانحة لتخلق في أكلح ليل طالت دجيته على عصر من عصور الإنسان فيه من الجهل و الحيف ما يضم و يذل .. ، رجلاً تزاخرت فيه وفرة كريمة من المواهب و المزايا ، لايمكن أن يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصافِّ العباقرة .

و هكذا الدخول إلى هذه الشخصية ليس أقل حرمة من الولوج إلى المحراب ، و إني أدرك الصعوبة في كل محاولة أقوم بها في سبيل جعل الحرف ، يطيع لتصوير هذا الوجه الكريم ، لأن التصوير يهون علية أن يلتقط بالأشكال و الأعراض ، في حين يدق عليه أن يتقصىّ ما خلف الأعراض من معانٍ و ألوان . و علي بن أبي طالب ، هو بتلك الألوان أكثر مما هو بتلك الأعراض ، و إنه عصيّ على الحرف بتصويره بقدر ما هو قصيّ عليه بمعانيه .

فهو لم يأت دنياه بمثل ما يأتيها العاديُّون من الناس ، جماعات جماعات . يأتي الناس دنياهم يقضون فيها لبانات العيش ثم عنها بحكم المقدَّر ، يرتحلون لاتغمرهم بعد آجالهم إلاّ موجة النسيان .. أما هو فلقد أتى دنياه ، أتاها و كأنه أتى بها .. ، و لما أتت عليه بقي ، و كأنه أتى عليها . الحقيقة ، إن بطولته هي التي كانت من النوع الفريد ، و هي التي تقدر ، أن تقتلع ليس فقط بوابة (حصن خيبر ) بل حصون الجهل برمتها ، إذ تتعاجف لياليها على عقل الإنسان.

كل ذلك لأخلُص إلى القول أنَّه يكون من باب الفضاضة ، أن نربط عبقرية رجل كعلي بن أبي طالب بخيوط الأحداث ، التي بعثرتها حوله ظروف كئيبة ، كما تبعثر الريح في الجو بعض الغيوم . فالأحداث التي مرَّت على جانبيه ، لم يكن لها أي شأن في تغيير جوهر ذلك المعدن ، الذي انغلقت عليه شخصيته الفذَّة ، كالغيوم عينها التي تتغشى بها صفحة الفضاء ، لايمكنها بحال من الأحوال أن تطفئ الشمس . و بالتالي إن هذه الأحداث ليست غير أشكال و أعراض ، و مهما تتكثّف و مهما يكثّفها المغرضون ، فإنَّ جوهر ابن أبي طالب يلبث خلفها كما تلبث الشمس خلف الغمام.

و من هنا : إن كل قول في علي بن أبي طالب ، يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثاً له قيمة السرد، و يبقى حروفاً مقفلة لاتنفذ إليها ألوان المعاني . أما إذا كان علي بن أبي طالب ، قد حصره التجوال لفترة قصيرة من الزمن بين البصرة و الكوفة أو بين مكة و المدينة ، فإن ذلك لم يمنع كونه أبداً ذلك العدّاء ، الذي كانت مواقع خطواته أبعد من محط هذه الأماكن . و هكذا لاتزال الدنيا بأجيالها ، تغرف الطيب من أفاويهك ، يا أيها الوجه الكريم من سنا ريَّك .


حقائق تفرّدَ بها أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام

فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) على لسان ابن عباس

سُمو شخصية الإمام علي ( عليه السلام )

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)