• عدد المراجعات :
  • 4675
  • 3/7/2014
  • تاريخ :

إمكانية اتّحاد الثقافات والحضارات

راز

إنّ الإجابة عن هذا التساۆل تتوقّف على بيان طبيعة المجتمع وبيان علّة الميل الإنساني نحو الحياة الاجتماعية فهل ياترى أنّ الإنسان يميل إلى الحياة الاجتماعية انطلاقاً من مبدأ الفطرة باعتبار أنّ العيش الجماعي معجون في خلقته وفطرته، وهذا ما تۆكّده الآيات القرآنية والروايات الإسلامية.

فإذا كانت حياته الاجتماعية مبتنية على هذا الأصل والأساس الباطني، فإنّه وبلا أدنى شك وريب سوف يتّجه في مسيرته نحو العيش في ظل مجتمع واحد، وانّ جميع المجتمعات والوجودات ستندمج في مجتمع واحد.

وبعبارة أُخرى: إذا كان الحاكم على الإنسان هو روح الاجتماع فانّها ستلقي بظلالها على جميع نواحي حياة الإنسان بالتدريج، وحينها ـ وبلا شكّ ـ ستّتجه جميع الثقافات والحضارات المختلفة نحو الوحدة والاتّحاد وانّها وفي المستقبل القريب ـ ومن خلال التكامل الثقافي وانتشار وسائل الاتصال والحديثة والمتطورة ـ ستنحو تلك الثقافات والحضارات منحاً واحداً، وستنضوي تحت خيمة واحدة في مجتمع واحد تحكمها ثقافة واحدة ورسالة واحدة، وانّ الروح التي حثّت الإنسان وأخذت بيده لتشكيل مجتمعات صغيرة ومختلفة هي نفسها تأخذ بيده نحو الانسجام ونحو تشكيل مجتمع واحد.

لتفسير علّة ميل الإنسان نحو الحياة الاجتماعية العديد من النظريات، فبعضها ذهب إلى أنّ ذلك وليد الميل نحو الاستعمار والاستغلال والمنفعة; والأُخرى ذهبت إلى أنّ ذلك وليد الحسابات العقلية والفكرية للمصلحة والمنفعة دعته إلى انتهاج ذلك الطريق، إذ أدرك وفقاً لتلك الحسابات العقلية انّه لا يتسنّى له الحياة الهانئة والطيّبة من دون أن ينظم إلى مجتمع ما، وإلاّ فإنّه يعجز بمفرده عن الاستفادة من تلك النعم واللّذات الموجودة في العالم.

ولكن النظرية الصحيحة والتي تبتني على أُسس علمية وتۆيدها الأدلّة الحسّية والعينية وكذلك تۆيّدها الآيات القرآنية والروايات الإسلامية، هي النظرية التي ترى أنّ الإنسان «اجتماعي بالطبع» أي أنّ الميل للحياة اجتماعياً مخلوق في نفس الإنسان ومودع في فطرته.

انطلاقاً من هذه النظرية فإنّ روح الحياة الاجتماعية ـ و على مرّ التاريخ ـ تسير من البساطة إلى التكامل وستصل إلى مرحلة متطوّرة ومتكاملة اجتماعياً، بحيث تندمج جميع الثقافات والحضارات والحكومات المختلفة والمجتمعات المتعدّدة في ثقافة وحضارة وحكومة واحدة، وتوجد هناك إشارات من قريب أو بعيد لذلك في القرن العشرين.

ففي الوقت الذي نرى في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي انّ الميل نحو القومية والوطنية قد اشتدّ في العالم الغربي، وأنّ الكثير من المفكّرين الغربيّين قد دعوا إلى هذا النهج وجنحوا نحو هذا التفكير الاجتماعي والسياسي ودافعوا عن ذلك بقوة وتحت واجهات مختلفة، إلاّ أنّه لم تمرّ فترة طويلة إلاّ ووجدناهم قد دعوا إلى نظرية أُخرى مخالفة لسابقتها حيث مالوا للنظرية الأُممية والدعوة نحو تشكيل حكومة عالمية واحدة، وأدركوا بحسّهم الخاص أنّ هذه الحدود المصطنعة بين الدول والشعوب لابدّ أن تزول، لأنّها هي السبب الأساسي وراء اندلاع الحروب والمعارك بين الشعوب وإراقة الدماء البشرية، وأنّه لا منجي من تلك الورطة والبأساء إلاّ بالقضاء على تلك الحدود المصطنعة وإزالتها من الوجود، ووضع الناس كافة تحت راية وحكومة واحدة.

ولقد تمخّض عن الحرب العالمية الأُولى ـ التي فتكت بالعالم بأسره ـ نشوء «عصبة الأُمم» والتي شكلت من 26 عضواً ليتسنّى لهم من خلال ذلك التشكيل أن يقفوا أمام الحروب والحدّ من النزف الدموي وحلّ المشاكل العالمية من خلال الحوار والأسلوب الدبلوماسي، ولكن لم يوفّق ذلك التشكيل من تحقيق الأهداف التي أُسس من أجلها، وذلك لأنّه ومن الأساس تأسّس بصورة ناقصة وفيها الكثير من الثغرات ونقاط الخلل، ولذلك نجده لم يتمكن من الحيلولة دون نشوب الحرب العالمية الثانية.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية فكّر ساسة العالم ومفكّروه في تأسيس كيان أكثر فاعلية من سابقه يتحلّى بالواقعية والمتانة، ولذلك تمّ تأسيس «هيئة الأُمم المتحدة والاتّحادات الدولية»، وقد جاء في ميثاق الأُمم المتحدة الهدف من تأسيسها، ويتوقع المفكّرون السياسيون وكبار ساسة العالم أنّه من الممكن أن تتحول هيئة الأُمم المتحدة ـ التي هي في الواقع بمثابة برلمان عالمي ـ إلى مركز حكومة عالمية واحدة تعلن خلالها وحدة البشرية والمساواة بين الجميع. وبالطبع نحن لا ندّعي أنّ هذه المنظمات استطاعت أن تحقّق الأهداف التي رسمتها، بل الذي نريد التأكيد عليه أنّ مثل هذه الأفكار الوحدوية تجول في ذهن الإنسان وقد يأتي اليوم الذي تتحقّق فيه تلك الأهداف.

إنّ هذه المۆسسات الدولية والمنظمات العالمية تشهد على أنّ إلغاء الوطنية والحدود الإقليمية وإدغام الجميع في مجتمع واحد، وتحويل الحكومات المتعدّدة إلى حكومة عالمية واحدة، ليس بالأمر المستحيل وغير الممكن، بل انّ ذلك ما دعا إليه بعض المفكّرين من حماة العولمة ـ في المۆتمر الذي عقد في طوكيو عام 1963م ـ حيث رسموا في البيان الصادر عن المۆتمر الخطوط العريضة لتلك الدولة والتي تتشكّل من:

1. مجلس نيابي واحد.

2. مجلس إداري عال.

3. جيش عالمي.

4. محكمة عالمية.( [1])

إنّ هذا النوع من التفكير وتشكيل تلك المۆتمرات وعرض المشاريع الحدودية والعالمية يكشف أنّ هدف الأنبياء والصالحين في طريقه إلى التكوين والتشكّل، وانّ البذرة التي بذرها الأنبياء في طريقها إلى النمو والتفتّح، وانّ حكومة العدل الإلهية المتمثّلة في حكومة المهدي المنتظر والتي تدعو إلى الوحدة المقترنة بوحدة الثقافة والحضارة، هي أمر ممكن وقريب الوقوع وأنّ علاماتها تلوح في الأُفق.( [2])

المصادر:

[1] . لمزيد الاطّلاع حول هذه الخطوط العريضة وما يتعلّق بالحكومة الإسلامية راجع الجزء الثاني من مفاهيم القرآن في معالم الحكومة الإسلامية للشيخ جعفر السبحاني.

[2] . منشور جاويد:1/362ـ 365.


كيفية بناء الأوطان على أساس الثقافة الإسلاميّة

لكي توفِّر لنفسك أُسساً للثفافة الإسلامية

طرقات على أوتار الغزو الثقافي

أسرار السقوط الحضاري للعالم الإسلامي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)