• عدد المراجعات :
  • 3009
  • 8/24/2013
  • تاريخ :

تأملات في لوحة شعرية للإمام الخميني رحمة الله عليه

روح الله

قال الإمام الخميني رحمة الله عليه:

من بخال لبت اى دوست گرفتار شدم

چشم بيمار تو را ديدم و بيمار شدم

و ترجمته:

سُبيتُ يا حبيبي بخال شفتك

أبصرتُ عينك المريضة... فمرضتُ

 

شرح المفردات و المصطلحات

معنى « الخال » و « الشفة » معروف لغوياً . و قد كثر تداول هاتين اللفظتين، في الأدب الفارسي و على ألسنة الشعراء، كثرة تفوق الحصر و الإحصاء، مما يغنينا عن ايراد الشواهد.

« العين المريضة أو السقيمة » يراد بها العين السّكري،  الناعسة التي تضفي على المحبوب مزيداً من الجمال.

و قد استخدم هذا المصطلح، في الشعر الفارسي منذ أمد بعيد و طالما أورده الشعراء في كثرة كاثرة من أشعارهم.

يقول حافظ الشيرازي:

قل لقوس حاجبك ألا يرميني بسهم

فأموت أمام عينك المريضة

و يقول أيضاً :

ماذا أقول في شكر عينيك ... التي أمرضتك

و بلسمت أوجاعي، لأنها في طلعتك الجميلة

تفسير عرفاني

يقول التهانوي في تفسير« الخال »: هو في عرف السالكين إشارة إلى نقطة الوحدة – من حيث الخفاء- التي هي مبدأ الكثرة و منتهاها: منه بدأ و إليه يرجع الأمر كله . و ذلك أنّ الخال – لسواده مشابه للهوية الغيبية المتحجبة عن الإدراك و الشعور « لا يرى الله إلا الله، و لايعرف الله إلا الله ». و قيل : الخال هو الوجود المحمديّ- أي عالم الوجود .

قال الحكيم العارف الكبير الملا علي النوريّ في حاشيته على تفسير صدر الحكماء : « إنّ الرحمة الوجودية لهي الرحمة الرحمانية المسماة بـ « النفس الرحماني»، و بـ « الوجود المطلق »، و « الفيض المقدّس»، و بـ « المشيئة التي خلقت بنفسها». و هي « الحقيقة المحمدية»- في وجه. و تقيّد بـ الوجودية تفرقةً بينها و بين الرحمة الرحيمية، المسماة بـ الرحمة المكتوبة على نفسه (سبحانه) .. المسماة ب«أم الكتاب» و «اللوح المحفوظ» الذي كتب القلم الأعلي المحمدي فيه كل ما كان، و ما يكون إلي يوم القيامة. و هي العلوية العليا».

التفسير«الشفة»

يقول صاحب الکشاف: الشفة كلام المحبوب. و شفة العقيق: بطون كلام المحبوب.

تفسير«العين المريضة»

يمكن تفسير هذه العبارة بثلاثة وجوه:

الوجه الأول

هو أن «العين المريضة» إشارة إلي مشاهدات العارف و مكاشفاته التي تسطع عليه، خلال طي المراحل، انواراً من الحق (تبارك و تعالى)، و تريه عوالم علي نحو (الوصل و والقطع). و نذكر هنا كلاماً لسيد العارفين و إمام الموحدين (صلوات الله عليه)، لا يستبين بدونه هذا الموضوع المهم.

قال عليه السلام: «قد أحيى عقله، و أمات نفسه، حتي دق جليله، و لطف غليظه، و برق له لا معٌ كثير البرق، فأبانَ له الطريق، و سلك به سبل (السبيل)، و تدافعته الأبواب إلي باب السلامة و دار الإقامة. و ثبت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة، بما استعمل قلبه، و أرضى ربه».

واعلم أنه ما صدر من أحد كلام في حقيقة السلوك، و بيان أحوال السالك و مراحله و شۆونه، و وصف مبتدأ سعيه و منتهاه، أجل و أعلى من هذا الكلام.

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: و كل ما قال العارفونفي هذا المعنى فمن أميرالمۆمنين (سلام الله عليها) أخذوه. و يقول: و ما قاله ابن سينا والقشيري في باب (وصف السلوك و السالك) فقد اقتدو فيه بكلام أمير المۆمنين عليه السلام.

نتيجة

يمكن القول إذن: إن المراد بـ (العين المريضة) ألطاف الحق (تعالى)، و مصداقها هذا النور المذكور و والخلسات التي مرت الإشارة إليها. و معني «مرضت» هو حصول الوجد الثاني ـوجد ما بعد المشاهدة. (تفطن لهذا المعني بدقة، فغير الدقة لا يغني هنا شيئاً).

الوجه الثاني

أن المقصود من «العين المريضة» هو الجذبة، فيكون معني «مرضت» دالاً علي الانذجاب.

وهنا، فلتعذروا كاتب هذه السطور القليل البضاعة الكثير الإضاعة عن هذا الإجمال، و لا تنتظروا منه مزيداً من التوضيح؛ لأني معذور ـأولاً ـ من الوجهة الشرعية، ولأن حالي هو ـثانياً ـ كما يقال؛ «اين الثري من الثريا؟!». و وفق قول سيد اللأدباء العلامة الكبير السيد علي خان المدني (رضوان الله عليه): «أني لمرتعش الجناح تسنم هذا المطار، و لمرتعد الجنان تقحم هذه الأخطار؟!».

و ها أنذا ـخلوصاً من الإيجاز المخل ـ أقتبس نصاً من بعض أكابر هذا الميدان:

«‘علم أن النفس الإنسانية ـبحكم خواص التطورات، و غلبة الأحكام الطبيعية والحيوانية عليها ـ و كانت غافلةً عن أصل فطرتها، متوجهة إلي حظوظها المختصة بالنشأة الحسية العاجلة، منغمرةً فس الشهوات الزائلة الفاسدة، و أمارةً بالسوء.

فشمل حكم هذه الغفلة السر الإلهي الوجودي، و حقيقة الأثر الروحاني، و حقيقة النفس الإنسانية الحيوانية. و غلبت أحكام الكثرة علي هذه الحقائق الثلاث، و انحرفت أخلاقها، إما إلي تفريط  أو إفراط. فخفي أثر القلب الوحداني الاعتدالي في كل منها، بل استهلك بالنسبة إلي بعض الأشخاص. فإذن الناس لا يخلو من أحد الثلاثة:

إما أن يكون قد استهلك أثر القلب الاعتدالي فيه، كاستهلاك الصورة في الممسوخين، و ضاع رأس ماله و استعداده، فهو لم يۆمل للسلوك، بل من المتمكنين في أسفل السافلين.

و إما أن يكون قد شملة العناية الإلهية من الوجه الخاص، و طريق انحراف سرة الوجودي المفاض علي حقيقته. و عليه وسع الأثر الروحاني، و النفس الإنسانية، بموجب «جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين»، فيكون من الأولياء الذين أخرجهم من الظلمات إلي النور بلا سعي و تعمل. و هو الذي يقطع الحجب بالجذبات الإلهية. و هو المحبوب المراد، يتخطف بالجذب قبل السلوك، و لا يعرف المنازل و المقامات إلا عند رجوعه من الحق إلي الخلق؛ لتنوره بالنور الإلهي، و تحققه بالوجود الحقاني. و نعم ما قيل بالفارسية:

طوبي للمثل الذي ينهض، من ذلكم الحرم،صاحياً

غافلاً أن أنه كان علي قارعة الطريق، في جادة الديار

الوجه الثالث

يمكن أن يقال إن «العين» هنا: عين الله، و هو الوجود اللطيف لإمام الزمان (صلوات الله و سلامه عليه و علي آبائه الطاهرين)، كما ورد في زيارته: «السلام عليك يا عين الله في خلقه».

قال سيد الفقهاء (قدس الله روحه الشريف):

فارق از خود شدم و كوس «أن الحق» بزدم

همچو «منصور» خريدار سردار شدم

و ترجمته:

ذهلت عن نفسي، وأطلقت صرخة: «أنا الحق»

..و كما فعل الحلاج ـاشتريت حبل المشنقة

شرح المفردات والمصطلحات

«فارق از خود شدم»: نسيت نفسي، ذهلت عن نفسي، غبت عني. يقول حافظ الشيرازي:

لو ذهل الأحباب عن ذكري                                         ذكرتهم عشرة آلاف ذكر

ولهذا المصطلح، في الأدب الفارسي، نظائر كثيرة و فيرة تغنينا عن إطالة الكلام.

«كوس زدن»: قرع الطبل. و لهذا التعبير، في الشعر والأدب، معانٍ متعددة، يقررها السياق (و كلها يرجع إلي معني اصلي واحد تقريباً)، الإعلان عن شيء، إثبات شهرة لامرئ ما في المجتمع، و أمثال هذا، و بتعبير أدق: ان هذا المصطلح في الموارد المذكورة هو كناية عم هذه المفاهيم.

«منصور»: هو تعبير عن الحسين بن منصور الحلاج (مقتول سنة 309 هـ)، والذي اُثرت عنه قولته الشهيرة: «أنا الحق» التي أدت به إلي حبل المشنقة. و أخباره مستفيضة في كتب التاريخ والتراجم، و خاصة ما كتب في احوال العرفاء و الصوفية.

ولسانا هنا في صدد ذكر أخباره و آثاره و أفكاره و مآل أمره، لكنا نريد إلي التأكيد أن الأخبار التي وردت فيما يتصل بمولده و نشأته و عقائده و آثاره، أخبار متناقضة متضاربة، فكان بين مدح المادحين و قدح القادحين.

يقول ابن النديم (المتوفي سنة 385 هـ) المقارب لعصر الحلاج، في بداية ترجمته ـ و قبل أن يتم موضوع حديثة: «وليس يصح في أمره و أمر بلده شيء بتة».

و قد تعرض لذكره الشيخ الصدوق، و شيخ الطائفة الطوسي (رضوان الله عليهما). و تكلم عنه من القدماء أيضاً الخطيب البغدادي، فأورد ترجمة له بشيء من التفصيل.

ليس الهدف من وراء هذا، هو الدفاع عن الحلاج. و ما أوردناه عن ابن النديم إنما يصح أن يكون منطلقاً لتجديد النظر ـ وحسب ـ في أمر الحلاج. و لو كان هدفنا الدفاع عن هذا الرجل لما ذكرنا المصادر التي تذمه و تحمل عليه. و نحن قد تعاملنا مع موضوع الحلاج بموضوعيتة، و هدفنا من وراء ايراده هو أن نستوفي شرح الأبيات، ولا يظل شيء منها ناقصاً غير تام الدلالة.

نحن الآن في سياقة شرح مفردات بيت الشعر هذا و تفسير ما فيه من المصطلحات، لنتعرف علي المراد من «قول: أنا الحق، و شراء حبل المشنقة». إن لتفسير هذا البيت وجهتين:

الأولي ـ يدرك من له بصر بالأدب الفارسي أن كل ما ورد في هذا البيت من معانٍ قد تنزل ـفي أدب إيران عامةـ بمنزلة المثل السائر، أو الكناية عن الثباتو الصمود الذي يعين علي تحمل المصاعب و المصائب، و تلقي سهام عذل الناس و ملاماتهم.

الثانيةـ ترد حكاية الحلاج و تقدمه إلي المشنقةـ في بعض المناسبات ـ مثالاً علي إفشاء الأسرار، والبوح بالمعاني التي لا تدركها أفهام العامة. يقول حافظ:

       

*قال ذلك العاشق (شيئاً) فنصبت له المشنقة
جزاء بوحه بالأسرار

       *و تغني الحلاج ـ و هو علي المشنقة أن:

       سلوا الشافعي عن أمثال هذه المسائل!

و يقول سنائي:

    

  *اللسان الذي باح بالسر المطلق

      كان الحلاج في صيحته: أنا الحق

     *و إذا أعطي السر معكوساً

     غدا السر جلاداً.. و قتله

تفسير عرفاني

«نسيت نفسي» أو ذهلت عنها، وصف لصاحب القلب السليم. و في الحديث عن إمام الصادق عليه السلام أن سائلاً سأله عن قوله (تعالى): «إلا من أتي الله بقلب سليم»، فقال عليه السلام: القلب السليم الذي يلقي الله و لا أحد فيه غيره.

و ورد هذا المضمون كثيراً في الأدعية المأثورة عن أهل بيت الوحي و العصمة عليه السلام. يقول الإمام السجاد عليه السلام: «إلهي، أخلصت بانقطاعي إليك، و أقبلت بكلي عليك»

و أرفع هذه المفاهيم ما جاء في «المناجاة الشعبانية». و من كان له اقبال قلب ـ و لم يكن غير مۆهل مثلي ـ فليراجع هذه المناجاة.

التفسير الأول

يقال: إن مثل هذه الكلمات تصدر عن بعضهم في حالة الغيبوبة، و عند سكرهم بشراب محبة الحق، و لا ينطقون بها في غير هذه الحالات.

قال اللاهيجي ـ بعد أن أورد أبيات الشيخ محمود الشبستري التي يقول فيها:

        

*«أنا الحق».. هو كشف مطلق الأسرار

         من تراه غير الحق [يحق له أن] يقول: أنا الحق؟!

         *إن كل ذرات العالم إنما هي مثل منصور

         لك أن تعدها سكري أو مخمورة

        *كلها دائب علي هذا التسبيح والتهليل

        و هي إنما قامت و ثبتت بسبب هذا المعني

قال: هذا إشارة إلي أن إفشاء السر لا يجوز في غير حالة السكر و الغيبوبة المطلقة، أو في مرتبة الذهول حيث التنزل عن الفناء والسكر. و أما في حالة فقدان الهيمنة علي النفس ـ من شدة خمار ذلكم السكر ـ فهو مما لا يجوز. و هو مما تمنعه الشريعة و الطريقة».

التفسير الثاني

يقول الشبستري:

     

كل من خلا من نفسه، و صار كالخلاء

     فإن «أنا الحق» يتبدي صوتاً في داخله و صدي

قال اللاهيجي شارحاً البيت: «القائلون بأن المكان الذي يتمكن فيه جسم هو خلاء، يفترقون إلي فرقتين؛ إحداهما فرقة الذين فسروا الخلاء بأنه لا شيء محض. والأخري فرقة الذين عبروا عن الخلاء بأنه مقدار مجرد من المادة. يقول [الشبستري]: إن كلاً من هۆلاء صار كالخلاء (أي لا شيء محضاً، أو مقداراً مجرداً من المادة)، و خلا من نفسه و وجوده و بلغ المحو.. فتبدي في داخله عندئذ (أنا الحق) صوتاً و صدى. والصدى هو انعكاس صوت من جسم صلب يكون في مقابل المصوت، أي من أطلق الصوت. و هذا يعني أن (أنا الحق) الذي سمع في الحلاج و غيره كان صوت الحق نطقه. و قد سمع في الحلاج و سواه عن طريق الانعكاس، فكان علي هيئة صدي ظن أنه هو قائله. و مثل هذا مثل أمرئ يطلق صوتاً عند جبل، فيسمع هذا الصوت ـ بالانعكاس ـ من الجبل نفسه، فيحسبه الجاهل صوت الجبل».

جواب اعتراض مفترض

لو قال قائل: إن التفسيرين اللذين أتيت بهما من (روضة السر) إنما يۆولان تقريباً إلي تفسير واحد، فما معني هذا الفصل بينهما و العزل؟

لقلنا: تقسيمنا هذا باعتبار نسبة القول إلي القائل في مورد، و سلب النسبة عن القائل تماماً في المورد الآخر.. فافهم.

تفسير عرفاني و نتيجة

لو استذكرت ـ أيها القاري العزيزـ الموضوعات السابقة في ذهنك جيداً، مستبعداً المعني الشخصي للحسين بن منصور الحلاج (و قد قلنا مراراً إن لنا شأناً بكلام الإمام لا بالحلاج)، و توجهت إلي مفهوم التفسير الثاني، و دققت في المعاني التي نوردها بعدئذٍ.. لبلغت الثمرة في تفسير كلام الإمام عليه السلام.

يقول الشيخ البهائي (قدس الله سره) في كتابه نوراني النفيس (مفتاح الفلاح)، لدي تفسيرة سورة (الحمد): روي أنه [يعني الإمام الصادق عليه السلام] كان يصلي في بعض الأيام، فخر مغشياً عليه في أثناء الصلاة، فسئل بعدها عن سبب غشيته، فقال: مازلت أردد هذه الآية حتي سمعتها من قائلها.

قال بعض العارفين: إن لسان جعفر الصادق عليه السلام كان ذلك الوقت كشجرة الطور عند قوله: «إني أنا الله». و ما أحسن قول الشيخ الشبستري بالفارسية:

                                     

تقبل «أنا الحق» من شجرة

                                     فلم لا تقبل ممن أقبل عليه السعد؟!

و يلاحظ القراء الأعزاء هنا أن الشيخ البهائي كان قد التفت إلي إمكان تحقق ذلك، و لا من صلة له بالحلاج.

النتيجة النهائية

رأيت إذن تفسير العرفاء الثاني (الذي يتبغي التوجه اليه)، و فهمت رواية الشيخ البهائي الدالة علي إمكان تحقق هذا المفهوم. و أضف إليهما الأن هاتين الآيتين من آيات القرآن الكريم: «ولله جنود السماوات والأرض» و «إن الله علي كل شيء قدير».

ان كل ذرات العالم هي ملك لله و طوع أمره. أجسادنا و أرواحنا و ألسنتنا: ملك الله و من جنوده.. والله قادر علي كل شيء. فإذا كان الأمر كذلك أفيستبعد إذن أن يجعل الله القادر الرحيم لسان عبد صالح ـ في حالات خاصة ـ موضع صوت ينطق؟

«إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد».


اية الله العظمي روح الله الموسوي الخميني ( قدس سره )

الشعر العرفاني عند الإمام الخميني

حول فكرة الإمام الخميني: خطوط وملاحظات

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)