• عدد المراجعات :
  • 13608
  • 4/9/2013
  • تاريخ :

کيف يمکن اصلاح النفس

العبادة

اصلاح النفس اولا

    اول واهم قية يجب ان يتوجه اليها الانسان ويركز عليها هي اصلاح نفسه ، لان ذلك مفتاح سعادته ، ولانه بع ذلك يستطيع معاجلة سائر القضايا ، وتحصيل مختلف متطلبات الحياة ، ويضمن حينئذ الاستفادة الصحيحة والاستخدام السلمي لما منحه الله من طاقات وقدرات .. اما مع انحراف النفس فكل المكاسب والامكانيات التي ينالها الانسان في هذه الحياة قد تصبح وبالاً عليه ، ووسائل دمار تصيبه والآخرين بالشر والضرر.

    ومآسي البشرية في الماضي والحاضر هي سجل كبير لشواهد وادلة هذه الحقيقة الواضحة.

    لذا كان من الطبيعي ان تركز النصوص الدينية على مسألة الاهتمام باصلاح النفس كنمطلق لا صلاح الانسان والحياة كما نلاحظ في النصوص التالية :

يقول تعالى : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) (سورة الرعد : ـ 11.).

عن الامام علي ( عليه السلام ) : « من لم يهذب نفسه لم ينتفع بالعقل ) .

 ان العقل يعطي رأيه وموقفه في القضايا والامور ، لكن النفس بشهواتها واهوائها غير المنضبطة والملتزمة تسكت صوت العقل ، وتدفع الانسان الى مخالفته.

قال ( عليه السلام ) : « اعجز الناس من عجز من اصلاح نفسه ».

    فالعاجز عن اصلاح نفسه هل يقدر على اصلاح نفوس الاخرين او اصلاح امور الحياة ؟

ويقول الامام علي ( عليه السلام ) :« اعجز الناس من قدر على ان يزيل النقص عن نفسه فلم يفعل ».

    ومبدئياً فالانسان قادر على ازالة نواقص نفسه لكن الاهواء والشهوات هي التي تمنعه من ذلك ، ومن عجز عن مقاومة شهواته لا يرجى له الانتصار في الحياة.

وما قيمة الحياة في اسر الهوى وعبودية الشهوة ؟ انها تصبح حينئذ جحيماً للمعصية والاثم ، وبۆرة للفساد والشر.

واسوأ شيء ان يشعر الانسان باستغناء نفسه عن الاصلاح وعدم .

 النفس وحاجتها للتهذيب ، عندها يغضب عليه الرب سبحانه ، ويكرهه الناس ، لتماديه في فساده وانحرافه. يقول الامام عليه ( عليه السلام ) :     « ومن رضي عن نفسه كثر الساخط عليه » (1).

و عنه عليه ( عليه السلام ) :« ايها الناس تولوا من انفسكم تأديبها ، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها » (2).

    فالتعوذ على امر لا يعطيه الشرعية ولايجعله صحيحاً ان كان في اصله سيئاً ، وعلى الانسان ان لا يستسلم لعادات نفسه مهما كانت متمكنه في حياته.

    ففي بداية الحياة وقبل ان تتلوث النفس بالمصالح والانشدادات المادية يكون اصلاحها اسهل وافضل.

عن الامام علي ( عليه السلام ) : « ليس على وجه الارض اكرم على الله سبحانه من النفس المطيعة لامره ».

    الى ان العقل لا يمارس دوره القيادي الكامل في حياة الانسان الا اذا استقل عن ثأثيرات اهواء النفس وشهواتها فيقول : « شهد على ذلك العقل اذا خرج من اسر الهوى وسلم من علائق الدنيا » (3).

من امراض النفس

    انما تنبع الاسواء والمشاكل من تلك الحالات المرضية ، التي تحدث في النفس ، وتنمو وتترعرع في حناياها ، فما هي تلك الحالات المرضية ؟ وكيف يعالجها الانسان ؟

    1 ـ جرأة الانسان على قتل اخيه الانسان ومصادرة حقه في الحياة ، تعتبر اكبر جريمة بشعة ، وانما يقوم بها الانسان على بشاعتها نتيجة حالة نفسية مرضية ، ويتحدث القرآن الكريم عن اول جريمة قتل وقعت على الارض حيث قتل قابيل بن آدم اخاه هابيل ، وينسب القرآن هذه الجريمة الى النفس. يقول تعالى :

    ( فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين ) (سورة المائدة : ـ 30.)

    2 ـ والخوف حالة نفسية يقول تعالى : ( فاوجس في نفسه خيفة موسى ، قلنا لاتخف انك انت الاعلى ) (سورة طه : ـ 68.).

    3 ـ والبخل مرض نفسي يقول تعالى : ( فاتقو الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ) (سورة التغابن : ـ 16.).

    4 ـ والنفس هي التي تزين للانسان وتدفعه للارتداد عن الدين وسوء التعامل مع قضاياه ، كما حصل للسامري ، صاحب نبي الله موسى ( عليه السلام ) ، والذي اضل الناس المۆمنين بتوجيههم لعبادة عجل صنعه من الحلي ، يقول تعالى : ( قال فما خطبك ياسامري. قال بصرت لما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) (سورة طه : ـ 96.).

    5 ـ واهواء النفس سبب مخالفة الانبياء والعدوان عليهم يقول تعالى : ( افكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ) (سورة البقرة : ـ 87.).

    6 ـ واخوة نبي الله يوسف ( عليه السلام ) انما قاموا تجاهه بتلك الجريمة النكراء ، حيث القوه في قاع الجب ، وهو ذلك الصغير الوديع المتفرد في جماله وحسنه ، انما صنعه ذلك لانحراف نفسي اصابهم يقول تعالى على لسان ابيهم يعقوب ( عليه السلام ) :

    ( قال بل سولت لكم انفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) (سورة يوسف : ـ 18.).

    7 ـ والحسد حالة مرضية نفسية بين الافراد او الامم والمجتمعات يقول تعالى : ( ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفاراً حسداً من عند انفسهم ) (سورة البقرة : ـ 109.).

    8 ـ والتكبر مرض يعشعش في ارجاء النفس يقول تعالى : ( لقد استكبروا في انفسهم وعتو عتواً كبيراً ) (سورة الفرقان : ـ 21.).

    9 ـ والاعراض عن دين الله ورسالة الانبياء انما ينشأ من حالة انحراف نفسي يطلق عليه القرآن ( سفاهة ) يقول تعالى : ( ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا ن سفه نفسه ) (سورة البقرة : ـ 130.).

    10 ـ ويقول الامام علي ( عليه السلام ) : « آفة النفس الوله بالدنيا ».

    11 ـ ويقول ايضاً ( عليه السلام ) : « عجب المرء بنفسه احد حساد عقله » (4).

من أين يأتي الخطر ؟

    ولكن لماذا يصبح احتمال الانحراف وارداً في حياة الانسان المۆمن ؟

    يبدو ان هناك اسباباً عدة وراء ذلك وخاصة بالنسبة لنا كمۆمنين نعيش في هذا العصر :

    فأولاً : رواسب التربية والبيئة.

العين

    فآباۆنا وعوائلنا وبيئتنا التي نشأنا فيها لمن تكن في المستوى المطلوب من الوعي والالتزام بالقيم الاسلامية الصحيحة ... ان اغلب العوائل في مجتعنا لا تعرف شيئاً عن اساليب التريبة السلمية ولا عن مناهج الاسلام في التربية وتوجيه الاولاد ... وان الثقافة التي يحملها اهالينا والتي يغرسونها في اذهاننا ليست نقية وصافية انها مشوية بالاوهام والخرافات والتزييف ...

    ثانياً : تأثير الأجواء الفاسدة.

اننا نعيش اجواء يسيطر عليها الطاغوت سيطرة تامة كاملة ... فالحكومات التي تحكمنا ونخضع لها حكومات ظالمة طاغية ... والمدارس التي نتخرج منها مناهجنا فاسدة ... وخاطئة ...

    والقيم السائدة قيم جاهلية ومصلحية ...

    والمجتمع الذي نعيش ضمنه مجتمع متخلف ...

    ان هذا الفساد الذي يغطي اجواءنا ويلف حياتنا قد يترك بعض اثاره على افكارنا وممارساتنا شعرنا بذلك او لم نشعر ...

    ثالثاً : ضغوط الالتزام.

    ففي هذا العصر المادي وفي مثل هذه الاجواء الفاسدة التي نعيش ، يصبح الالتزام بالمبادئ والقيم مصدر مصاعب ومتاعب وضغوط قاسية في حياة الانسان المۆمن ...

    وقد صدق رسولنا العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو الصادق الامين حينما قال : « يأتي على الناس زمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ».

    رابعاً وأخيراً : دور الشيطان.

    ان وجود المۆمن في هذا العصر يشكل تحدياً صارخاً وكبيراً للشيطان فكيف اذا ما كان ذلك المۆمن رسالياً يعمل على هداية الاخرين ، ونسف خطط الشيطان ، وتخريب الاجواء عليه ؟

    ان المۆمن الرسالي هو اخطر جبهة يعمل الشيطان على مقاومتها ويوجه جهوده نحوها واقل غفلة تمر على المۆمن الرسالي فان الشيطان مستعد لاغتنامها حيث بالتسرب داخل حياته ولو من ثغرة بسيطة ، وعبر ذنب صغير.

    لذا جاء في الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « والذي نفس محمد بيده العالم واحد اشد على ابليس من الف عابد ، لان العابد لنفسه والعالم لغيره »(5).

    من هنا يصب الشيطان كل جهوده واهتمامه على هذه الجبهة الخطيرة وهي : المۆمن الرسالي ...

    وقد جاءت النصوص الدينية عن انبياء الله وائمة الهدى تحذرنا من الغفلة وتۆكد علينا ضرورة استمرار التنبه واليقظة ...

    قال أمير المۆمنين ( عليه السلام ) :    « ومن غفل غرته الاماني واخذته الحسرة » (6).

    وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) :    « ان كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ » (7).

   احذروا مۆامرات الشيطان

    حينما يعمل الشيطان على اضلال المۆمن والانحراف به على جادة الصراط المستقيم فانه قد لا يأتيه من قبل الذنوب الواضحة والمعاصي المكشوفة فيحاول مثلاً ان يقنعه بشرب الخمر او باللواط او ترك الصلاة ... انها حينئذ محاولة مفضوحة ومحكوم عليها بالفشل بالنسبة لمۆمن ملتزم ...

    فلا بد من اختيار الخطة المناسبة التي يمكن ان تنطلي على المۆمن في لحظة غفلة او سهو يقول أمير المۆمنين ( عليه السلام ) في وصيته لكميل بن زياد « ان لهم ـ الشياطين ـ خدعاً وشقاشق وزخارف ووساوس وخيلاء. على كل احد قدر منزلته في الطاعة والمعصية فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة » (8).

    فعن اي طريق اذن يجيء الشيطان ؟؟

    انه يأتي للانسان المۆمن عن طريق دينه ، فيحيك له مۆامرة يضفي عليها طابع الدين ، وينصب له فخاً عليه مظاهر الطاعة والعبادة وحينما يغيب عن المۆمن وعيه وانتباهه وتيقظه في احدى اللحظات فانه يقع في فخ الشيطان ويتورط في مصيدته !!

    وهذا هو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) ويقول أمير المۆمنين ( عليه السلام ) : « فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين ولو ان الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السن المعاندين ، ولكي يۆخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فنهالك يستولي الشيطان على اوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى » (9).

    يقول الامام زين العابدين علي ابن الحسين ( عليه السلام ) في دعائه : « فلولا ان الشيطان يختدعهم من طاعتك ما عصاك عاص ، ولولا انه صور لهم الباطل في مثال الحق ما ضل عن طريقك ضال » (10).

    فباسم العبادة والاقبال على الصلاة الدعاء يهمل الجهاد في سبيل الله. وتحت عنوان لزوم « التقية » ووجوبها يعيش المۆمن الخضوع والاستسلام للطغيان والباطل ...

    وبمبرر التفرغ لا صلاح الذات وبنائها يكون التهرب من النشاط والعمل في سبيل الله ...

    ان امثال هذه الموارد غالباً ما تكون مصائد واحابيل للشيطان تنطلي على بعض المۆمنين في لحظات الغفلة وعدم الانتباه.

    وعلينا ان نتذكر احداث التاريخ لنستفيد منها دروساً تجعلنا قادرين على فضح مۆامرات الشيطان ... فالذين اعتزلوا القتال مع أمير المۆمنين علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) ضد معاوية كانت له امثال هذه التبريرات ... حيث قالوا : انها فتنة وتورط في سفك دماء المسلمين لا نلطخ ايدينا بها ...

    والذين قعدوا عن نصرة الامام الحسين وسكتوا على حكم يزيد كانوا يقولون : مالنا والدخول بين السلاطين او من لا تقية له لا دين له.

تحرّر من حب النفس والعُجْب فهما إرث الشيطان، فبالعجب وحب النفس تمرّد على أمر اللَّه، واعلم أن جميع ما يحل ببني آدم من مصائب ناشى‏ء من هذا الإرث الشيطاني فهو أصل الفتنة، وربما تشير الآية الكريمة (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للَّه) (البقرة: 193) في بعض مراحلها إلى الجهاد الأكبر.

وقتال أساس الفتنة وهو الشيطان وجنوده، ولهۆلاء فروع وجذور في أعماق قلوب بني الإنسان كافة، وعلى كل إنسان أن يجاهد «حتى لا تكون فتنة» داخل نفسه وخارجها، فإذا حقق هذا الجهاد النصر، صلحت الأمور كافة وصلح الجميع.

إن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلا بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدّب الإنسان بآداب الشريعة الحقَّة لا يحصل له شي‏ء من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة وتنكشف له العلوم الباطنية وأسرار الشريعة، وبعد انكشاف الحقيقة وظهور أنوار المعارف في قلبه لا بد من الاستمرار في التأدب بالآداب الشرعية الظاهرية أيضا

المصادر:

1 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 6.

2 ـ المصدر السابق رقم : 359.

3 ـ نهج البلاغة : كتاب : 3.

4 ـ نهج البلاغة / قصار الحكم رقم : 212.

5 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 461.

6 و 7 ـ سفينة البحار : ج 2 ص 323.

8 ـ بصائر وهدى للمۆلف : ص 62.

9 ـ نهج البلاغة رقم : 50.

10 ـ الصحيفة السجادية دعاء : 37.


معنى تطهير النفس البشرية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)