• عدد المراجعات :
  • 1682
  • 11/17/2012
  • تاريخ :

اجواء عاشوراء فرصة لنشر ثقافة -النقد الذاتي- في المجتمع

الحسین ع

يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:«وفكّر فيما قيل فيك، فإِنْ عرَفتَ مِنْ نفسك ما قيل فيك فَسقوطك مِنْ عين الله عند غضبِك مِنَ الحق أَعظم عليك مصيبة مما خفت مِنْ سقوطك مِنْ أَعين الناس، وإِنْ كنت علَى خلاف ما قيل فيك فثواب اكتسبته مِنْ غير أَنْ يتعب بدنك».

في الوقت الذي يوظّف المسلم معظم نشاطه الثقافي في نقد الآخر سواء كان الآخر مسلماً من مذهب آخر أو من أتباع الديانات السماوية الأخرى، يشير القرآن الكريم إلى أهمية التزام الإنسان أولاً بفضيلة «النقد الذاتي» عبر تعظيم النفس اللوّامة (الناقدة) بالقسم بها، يقول الله تعالى: «لا أقسم بالنفس اللوّامة». فإن فعل اللوم تعبير دقيق عن حوار الإنسان مع ذاته ومحاسبة نفسه، ويۆكد ذلك الإمام جعفر الصادق بقوله سلام الله عليه: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل ليلة». وإن أجواء الاحتفاء بأحزان عاشوراء بما تحمله من مواقف نبيلة وتضحيات عظيمة هي أجواء أكثر غنى وثراء للمۆمن والمۆمنة لممارسة النقد الذاتي، حيث إن الذي حدث في كربلاء سنة 61 للهجرة هو نهضة عظيمة لإصلاح ذات الأمة وجميع مفاصلها، فما جرى في عاشوراء يعبّر – بوضوح – عن انحطاط الأمة إنسانياً ودينياً على حد سواء، فكيف يمكن لأمة أن تقتل آخر ابن بنت نبيّها ومعه أهله وأصحابه بطريقة وحشية، وفي الوقت نفسه، فإن الذين قاموا بتلك الجريمة من حكّام وفقهاء ومحكومين هم بشر، حيث إن الإنسان إذا تكابر على نقد ذاته وتجرد من قيمه من الممكن أن يرتكب أية جريمة وبكل غدر ودناءة وخسة. فهذا تميم بن الحصين ينادي: (يا حسين ويا أصحاب الحسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعاً!).

إن غياب أو تغييب ممارسة «النقد الذاتي» عن الطائفة أو المجتمع دلالة على سقوط الجميع بحالة«تدمير الذات» بعجزهم عن أداء وظائفهم الأساسية، وحيث لا يوجد أمل بأية عملية إصلاح فالجميع قد فقد مناعته وأصبح فريسة لفيروس الركود الفكري والانحطاط الحضاري، ولعل أبرز مظاهر تدمير الذات الذي يصيب طائفة ما أو مجتمعاً ما أن ينغلق المجتمع أو الطائفة على الذات ويكتفي بنقد الآخر ونقد عامة الناس، وهو واقع مرضي في غاية التعقيد والخطورة يعيش من خلاله المجتمع أو الطائفة بحالة صنمية الذات فيرى أحدهم أنه أكبر من أن ينقد ذاته أو ينقده الآخر، وربما يستدرجه جهله وغروره إلى القعر فـ(يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً).

انطلاقاً من تعريف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله للإيمان حيث يقول: «الإيمان عقد بِالقلب، وقَول بِاللسان، وعمل بِالأركان». يشير باحث إسلامي إلى أن معظم انتماءات التجمعات الدينية «انتماءات سطحية»، ويصف تديّنها بأنه «تديّن طحلبي» حيث إنها تجمعات ذات لون أخضر جميل لكنها بلا جذور، وهي – بتديّنها – أقرب إلى السلوك الجمعي والنمط العرفي من أحكام الدين وجوهر العبادات، وإنه – الباحث باستقرائه الاجتماعي – يرى أن التباين بين قول المۆمن وعمله، والفجوة بين دين المۆمن وتدينه، ما هو إلاّ تعبير عن «تدين طحلبي» أشار إليه سيد الشهداء سلام الله عليه وبينه في كربلاء حيث قال: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محّصوا بالبلاء قل الديّانون». وقد أشار الإمام الصادق سلام الله عليه إلى ذات المعنى لكن في مقام آخر وغاية أخرى، حيث قال سلام الله عليه: «ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا».

تحديداً للداء الذي أصاب الأمة وأفرز حالات الـ(لا تديّن) وظاهرة (التديّن الطحلبي)، فإن من الموضوعية عدم تحميل مسۆولية ذلك أحد طرفي الأمة (العلماء / الناس) دون الطرف الآخر، لأن بناء المجتمع الإيماني على أساس مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية والمبادئ النبيلة من مسۆولية الجميع، يقول أمير المۆمنين: «إيّاكم والجهال من المتعبّدين والفجّار من العلماء فإنهم فتنة كل مفتون». لكن - عموماً - يتحمّل العلماء النصيب الأوفر من أسباب الأزمة، روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال لواحد من خيرة أصحابه: «لأحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم». وإن كلمة علماء لا تعني مراجع التقليد فحسب، بل إن الخطاب يشمل كل من يمتلك علماً في أي مجال). الأمر الذي يدعو إلى ضرورة استثمار المواسم العبادية وخاصة شهري محرم وصفر لنشر ثقافة (النقد الذاتي) في مفاصل المۆسسة الدينية، وفي مۆسسات المجتمع وأوساطه الحكومية والمجتمعية، وكما أن المۆمنين والمۆمنات سيبذلون جهدهم وأموالهم ودماءهم مواساة للإمام الحسين سلام الله عليه بإقامة شعائر الحزن والولاء، جدير بهم، أيضاً، الانتصار لما دعا إليه سيد الشهداء سلام الله عليه من قيم العدل والحرية والفضيلة والسلام، فما كان أتباع أهل البيت سلام الله عليهم يعرفون إلاّ بالتواضع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والبرّ بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. «وقل اعملوا».


أسباب ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام )

في وجه كل من ظلم .. حسينٌ يبقى والقيم

سر عظمة وشموخ الحسين عليه السلام

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)