اجابات الامام الهادي ( عليه السلام ) العلمية - عِلم الله تبارك وتعالى
وتكلّم في عِلم الله تبارك وتعالى .
فقد قال أيوب بن نوح رحمه الله : ( إنّه كتبَ إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) يسأله عن الله عزّ وجلّ : أكان يَعلم الأشياء قبل أن خلقَ الأشياء وكوّنها ، أو لم يعلم ذلك حتى خَلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلِمَ ما خَلق عندما خلقَ ، وما كوّن عندما كوّن ؟
فوقّعَ ( عليه السلام ) بخطّه : ( لم يزل الله عالِماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعدَما خلقَ الأشياء ) (1) .
فسبحان مَن أحاط بكل شيءٍ كان لا يعلمه ، ولا يزيد في علمه ما يُحدثه ويكوّنه ؛ لأنّه يفيض عن مشيئة حين إحداثه كما كان قدّره في سابق عِلمه به .
***
وقال جعفر بن محمد بن حمزة :
( كتبت إلى الرجل ـ أبي الحسن ( عليه السلام ) ـ أسأله : أنّ مواليك اختلفوا في العلم ، فقال بعضهم : لم يزل الله عالماً قبل فعل الأشياء ، وقال بعضهم لا نقول : لم يزل الله عالماً ؛ لأنّ معنى يعلم : يفعل ، فإنْ أثبَتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً ! فإنْ رأيت جَعلني الله فداك أن تُعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه .
فكتبَ ( عليه السلام ) بخطّه : ( لم يزل الله عالماً تبارك وتعالى ذكره..) (2) .
فإنّه صلوات الله عليه وتحيّاته وبركاته ـ مع اختصاره للجواب ـ بيّن أنّه تعالى لم يزل عالماً ، ثمّ نفى أزليّة الأشياء بإهمال ذكرها ؛ لأنّه سبحانه واحدٌ أحديّ أزليّ سرمديّ لا يشاركه في ذلك شيء .
***
وقال الفتح بن يزيد الجرجاني : سمعته يقول :
( هو اللطيف الخبير السّميع البصير ، الواحد الأحد الفرد الصّمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ،.. لو كان كما يقول المشبّهة ، لم يُعرف الخالق من المخلوق )
وفي توحيد الصدوق زادَ : ولم يكن له كفواً أحد ، مُنشئ الأشياء ، ومجسّم الأجسام ، ومصوّر الصّور ،.. لو كان كما يقول المشبهة لم يُعرف الخالق من المخلوق ولا المُنشِئ من المُنشَأ ، فَرقٌ بَين مَن جَسّمه ، وصوّره ، وأنشأه ، إذ كان لا يشبهه شيء ، ولا يشبه هو شيئاً .
قلت : أجل ، جَعلني الله فداك ، لكنّك قلت : الأحد الصّمد ، وقلت : لا يشبهه شيء ، ولا يشبه هو شيئاً ، والله واحد ، والإنسان واحد ، أليس قد تشابهت الوحدانيّة ؟
قال : يا فتح ، أحلتَ ثبّتك الله ـ أي أتيتَ بالمحال ـ إنّما التشبيه في المعاني ، فأمّا الأسماء فهي واحدة ، وهي دالّة على المسمّى ـ أو : دلالة على المسمّى ـ ؛ وذلك أنّ الإنسان وإن قيل : واحد ، فإنّما تخبر أنّه جثّة واحدة وليس باثنين ، والإنسان نفسه ليس بواحدٍ ؛ لأنّ أعضاءه مختلفة ، وألوانه مختلفة غير واحدة ، ومن ألوانه مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء مجزّأة ليست بسواءٍ : دَمه غير لحمه ، ولحمه غير دمه ، وعَصبه غير عروقه ، وشَعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر الخلق ، فالإنسان واحد في الاسم ، لا واحد في المعنى .
والله جلّ جلاله هو واحد في المعنى ، لا واحد غيره ، لا اختلاف فيه ، ولا تفاوت ، ولا زيادة ولا نقصان ،.. فأمّا الإنسان المخلوق المصنوع ، المۆلّف من أجزاءٍ مختلفةٍ وجواهر شتّى ، غير أنّه بالاجتماع شيء واحد (3) .
قلت : جُعلت فداك ، فرّجتَ عنّي ، فرّجَ الله عنك ، فقولك : اللطيف الخبير ، فسِّره لي كما فسّرتَ الواحد ؛ فإنّي أعلم أنّ لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل ـ أي للفرق الظاهر بينه وبين خلقه ـ غير أنّي أُحب أن تشرح ذلك لي ؟
فقال : يا فتح ، إنّما قلنا اللطيف ؛ للخلْق اللطيف ، ولعِلمه بالشيء اللطيف ، أولا ترى ـ وفّقك الله وثبّتك ـ إلى أثر صُنعه في النّبات اللطيف وغير اللطيف ؟ وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصّغار والبعوض والجرجس ـ البعوض الصغير ـ وما هو أصغر منهما ولا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يتبيّن لصغره الذّكر من الأنثى ، والحدِث المولود من القديم ؟!
فلمّا رأينا صِغر ذلك في لطفه ، واهتدائه للسّفاد ـ المناكحة ـ والهرب من الموت ، والجمع لِما يصلحه ، وما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار ، والمفاوز والقفار ، وفَهم بعضها عن بعض منطقها ، وما يفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثمّ تأليف ألوانها حمرةً مع صفرةٍ ، وبياضاً مع حمرة ، وما لا تكاد عيوننا تستبينه بتمامٍ لدَمامة خلقها ، ولحقارة أجسامها وشدّة صغرها ، ولا تراه عيوننا ، ولا تلمسه أيدينا ، عَلمنا أنّ خالق هذا الخلق لطيف ، لطفَ في خلق ما سمّيناه بلا علاج ، ولا أداةٍ ، ولا آلةٍ ، وأنّ صانع كلّ شيءٍ فمِن شيءٍ صنع ، والله الخالق الجليل ، خلقَ وصنعَ لا من شيء ) (4) .
وليس بعد هذا البيان بيان أدقّ منه وألطف ، ولا أشمل منه ولا أكمل ،.. والتعليق عليه يحطّ من قيمته وقدره ، مهما بالغَ الكاتب في التفكير والتقدير ودقّة التعبير..
اعداد وتقديم:سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المصادر:
(1) الكافي : م1 ص 107 ، وتوحيد الصدوق : ص 98 .
(2) الكافي : م 1 ص 107 ـ 108 .
(3) وفي هامش الكافي : م1 ص 119 علّق قائلاً : فالوحدة في المخلوق ، هي الوحدة الشخصيّة التي تجتمع مع أنواع التكثرات ، وليست إلاّ تألّف أجزاء ، واجتماع أمورٍ متكثرة ، ووحدته سبحانه هي النفي للتجزّۆ والكثرة والتعدّد عنه سبحانه مطلقاً .
(4) الكافي : م1 ص 118 إلى ص 120 ، وتوحيد الصدوق : ص 135 ـ 136 .
کرامات الإمام الهادي ( عليه السلام )
علم الإمام الهادي ( عليه السلام )
کرم الإمام الهادي ( عليه السلام )
مواعظ الإمام الهادي ( عليه السلام )