• عدد المراجعات :
  • 2643
  • 10/10/2012
  • تاريخ :

علم أهل البيت بالغيب وإشكالية الإلقاء بالتهلكة

امام علي

 أنّ أهل البيت عليهم السلام يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، إذن فهم يعلمون مصيرهم ومكان وزمان وكيفيّة موتهم، وهذا ما أشارت إليه نصوص كثيرة.

عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «أيّ إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير، فليس ذلك بحجّة الله على خلقه»(1)، وإذا كان الأمر كذلك فقد يقال: إنّ ذلك ينافي ما هو المعروف من سيرتهم الظاهرة في أنّهم عليهم السلام كانوا يعيشون طوال حياتهم عيشة سائر الناس الذين لا يعلمون مصيرهم وما ينتهون إليه، فيقصدون مقاصدهم على أساس الأسباب الظاهريّة، فربما أصابوا في مقاصدهم وربما أخطأ بهم الطريق فلم يصيبوا، فلو أنّهم كانوا يعلمون الغيب لا معنى لخيبة سعيهم أبداً، إذ العاقل لا يسلك سبيلاً يعلم يقيناً أنّه يخفق فيه ولا يترك سبيلاً يعلم يقيناً أنّه سوف يُصيب فيه.

والإشكال ـ كما هو واضح ـ مأخوذ من قوله تعالى: (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ) (الأعراف: 188)، حيث إنّ العلم بالغيب يهدي الإنسان إلى كلّ خير ويجنّبه كلّ شرّ، والعادة تأبى أن يعلم أحد الخير والشرّ ويهتدي إلى موقعهما ثمّ لا يستفيد من ذلك لنفسه، فالإنسان إذا لم يستكثر من الخير ولم يوق من الشرّ كيف يعلم الغيب؟

 أن أهل البيت عليهم السلام وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الدرجات العالية من العصمة والقُرب الإلهي، فإنّهم يقدمون على امتثال ما عليهم من تكاليف إلهيّة وإن علموا أنّها سوف تودي بحياتهم وتعرّضهم إلى القتل والأذى وسبي العيال... .

والشواهد الدالّة على هذه الحقيقة كثيرة جدّاً، فإنّهم مع علمهم بما يصيبهم إلاّ أنّ ذلك لم يۆدّ بهم إلى تغيير ذلك المصير، حيث أصيب النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم أحُد، وأُصيب الإمام عليّ عليه السلام في مسجد الكوفة وأودى بحياته، واستشهد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وهكذا في سائر الأئمّة عليهم السلام حيث سقوا السمّ كما في النصوص المعتبرة. فلو كانوا عليهم السلام يعلمون ما يجري عليهم لكان ذلك من أوضح مصاديق الإلقاء بالتهلكة التي نُهي عنها في قوله: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195).

وهنا ينبغي الإلفات إلى أنّ هذه الاعتراضات على علم أهل البيت عليهم السلام بالغيب، ليست هي حديثة عهد، وإنّما كانت مطروحة في زمن الأئمّة عليهم السلام، من قبل أصحابهم:

• عن الحسن بن الجهم قال: «قلت للرضا عليه السلام: إنّ أمير المۆمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يُقتل فيها والموضع الذي يُقتل فيه،وقوله لمّا سمع صياح الأوز في الدار (صوائح تتبعها نوائح) وقول أُمّ كلثوم: (لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلّي بالناس) فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف عليه السلام أنّ ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرّضه.

فقال عليه السلام: كان ولكنّه خيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ»(2).

• عن ضريس الكناسي قال: «سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول ـ وعنده أُناس من أصحابه ـ: عجبت من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا.أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثمّ يُخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟

فقال له حمران: جعلت فداك ـ أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن و الحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ ذكره، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتّى قتلوا وغلبوا؟»(3).

كأنّ السائل يقول: إنّ تلك الأمور التي صدرت منهم توهم إمّا عدم علمهم بما يكون قبل وقوعها، أو يلزم أنّهم ألقوا بأيديهم إلى التهلكة.

جوابان عن التساۆل

يمكن الإجابة على هذا التساۆل من خلال جوابين:

الجواب الأول: علم الغيب لا يۆثر في تغير الحوادث الخارجية

هذا الجواب يقوم على أساس أنّ العلوم غير العاديّة كالعلم بالغيب لا أثر له في تغيير مجرى الحوادث الخارجيّة القائمة على أساس نظام الأسباب والمسبّبات في حياتنا المشهودة.

وتوضيح ذلك يبتني على بيان عدد من المقدّمات:

المقدمة الأولى: الله تعالى عالم بالأشياء قبل إيجادهاالامامة

فقد ثبت في محلّه من مباحث التوحيد أنّ الله تعالى عالم بالأشياء قبل أن يوجدها علماً أزليّاً لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء.

• عن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله عزّ وجلّ، أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق، وما كوّن عندما كوّن؟

فوقّع بخطّه: «لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء»(4).

• عن ابن حازم عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «قلت له: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، أليس كان في علم الله تعالى؟

قال: فقال: بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض»(5).

• عن يونس عن ابن حازم قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس؟

قال: لا، من قال هذا فأخزاه الله.

قلت: أليس ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، أليس في علم الله؟

قال: بلى قبل أن يخلق الخلق»(6).

ومن جملة ذلك علمه بمصير الإنسان وما يختاره من الخير والشرّ.

المقدمة الثانية: ترتّب الجزاء على تحقق الفعل خارجاً لا على العلم الإلهي

توضيحه: إنّ الله تعالى وإن كان يعلم منذ الأزل ماذا يختار الإنسان من أفعال الخير والشرّ، إلاّ أنّه تعالى لا يرتّب أثر الثواب والعقاب على أساس علمه تعالى، بل الثواب والعقاب إنّما يترتّبان على تحقّق الفعل من الإنسان خارجاً، ولعلّ أفضل ما يۆكّد هذه الحقيقة هو ما حفلت به النصوص القرآنيّة والروائيّة التي تشير إلى أنّ الدُّنيا دار امتحان واختبار وابتلاء، ليميز الخبيث من الطيّب، كما في قوله تعالى:(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُۆْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ)(آل عمران: 179).

وهذا هو المصطلح عليه بالعلم الفعلي في مقابل العلم الذاتي الذي هو عين الذات، والمراد به أن يرى الحقّ تعالى ذلك العلم الذاتي في الواقع العيني عبر الانتقال من عالم العلم الإلهي إلى عالم العين الخارجي، وبذلك يكون هذا الواقع الخارجي هو معلوم ذلك العلم الذي هو عين الذات.

وقد كثر ورود العلم بهذا المعنى في القرآن كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) (المائدة: 94)، وقوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) (الحديد: 25)، وقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) (محمّد: 31)، وقوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) (الحديد: 25)، فهو سبحانه وإن كان يعلم منذ الأزل ماذا يفعل ويختار الإنسان، إلاّ أنّه لا يرتّب الأثر على ذلك إلاّ بعد تحقّق معلوم ذلك العلم من قبل الإنسان وباختياره في الواقع العيني الخارجي؛ لذا قال الطباطبائي إنّ التعبير القرآني بـ «ليعلم الله» هو: «كناية عن أنّه سيتقدّر كذا ليتميّز منكم من يخاف الله بالغيب عمّن لا يخافه، لأنّ الله سبحانه لا يجوز عليه الجهل حتّى يرفعه بالعلم»(7).

وقال في موضع آخر: «إنّ المراد بالعلم الحاصل له تعالى من امتحان عباده هو ظهور حال العباد بذلك، وبنظر أدقّ هو علم فعليّ له تعالى خارج الذات»(8).

ومن المعلوم أنّ قانون الابتلاء والامتحان لا يستثني أحداً من الناس، سواء كان نبيّاً أم وليّاً؛ قال تعالى: (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) (البقرة: 124)، وحكى القرآن على لسان سليمان بعدما أعطي ما أعطى: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (النمل: 40)، ونحوها من الآيات الدالّة على هذه الحقيقة القرآنيّة.

المقدمة الثالثة: حكمة الله تعالى تقتضي عدم إخبار الإنسان بنتائج عمله

لمّا كان الله تعالى يعلم بمصير الإنسان وما تۆدّي إليه أعماله من نتائج، إلى جوار هذه الحقيقة ينبثق تساۆل يسلّط فيه الضوء على أنّ الحكمة الإلهيّة هل تقتضي إخبار الإنسان بنتائج أعماله وممارسة تكاليفه في دار الدُّنيا؟ وهل من الحكمة أن يخبر الله تعالى ذلك الإنسان المجاهد مثلاً بأنّه سوف يموت في يوم كذا ويصاب بكذا في تلك الواقعة، أم أنّ الحكمُة تقتضي عدم إخبار الإنسان بنتائج عمله؟

ان اهل البيت عليهم السلام  وإن علموا بمصائرهم، إلاّ أنّ هذا العلم لا يۆثّر في سلوكهم الخارجي شيئاً، لأنّ تكاليفهم الشرعيّة ليست قائمة على هذا اللّون من العلم الخاصّ، وإنّما هي على أساس ما تمليه الأسباب والعلوم الظاهريّة، وهذا المعنى يقرّره المجلسي بقوله: «إنّ أحكامهم الشرعيّة منوطة بالعلوم الظاهرة لا بالعلوم الإلهاميّة.

من الواضح أنّ الحكمة الإلهيّة في تكليف تقتضي عدم إخبار الإنسان بمصيره وبنتائج أعماله وتكاليفه التي يمارسها، ولعلّ السبب في ذلك بات واضحاً، إذ لو كان الإنسان مطّلعاً على نتيجة ما يمتثله من تكاليف ويمارسه من أفعال، لأفضى ذلك إلى ترك الإنسان لكثير من الأعمال والأفعال الواجبة التي يعلم أنّها تۆدّي إلى تعرّضه للأذى حين امتثالها، وكذلك الأمر في جانب المحرّمات.

قال الطباطبائي: «إنّ الله سبحانه لا يريد من خلقه إلاّ أن يعيشوا على جهل بالحوادث المستقبلة ليقوموا بواجب حياتهم بهداية من الأسباب العاديّة وسياقة من الخوف والرجاء، وظهور الحوادث المستقبلة تمام ظهورها يفسد هذه الغاية الإلهيّة»(9).

فمن الحكمة في ضوء هذه الحقيقة أن يخفي الله تعالى نتائج وعواقب ما يمارسه الإنسان من تكاليف وأفعال، لكي لا يۆثّر ذلك على سلوكه في امتثاله للتكاليف الإلهيّة.

المقدمة الرابعة: إطلاع أهل البيت على نتائج عملهم لا يۆثر في سلوكهم الخارجي

بناءً على ما تقدّم من أنّ الغرض والغاية من إخفاء الله تعالى نتائج أعمال وتكاليف الإنسان ومصيره، يطرح هذا التساۆل وهو: لو كان بعض الناس يۆدّون تكاليفهم وأعمالهم على وفق ما تمليه الإرادة الإلهيّة، سواء علموا بنتائج أعمالهم ومصيرهم أم لا، فهل ينتقض الغرض والحكمة في إخفاء الله تعالى لنتائج أعمالهم لو عملوا بما هم صائرون إليه ؟

والجواب لعلّه يبدو واضحاً، وهو أنّ علم هۆلاء بنتائج ما يۆدّونه من تكاليف لا ينقض الغرض والحكمة من الإخفاء، لأنّهم يۆدّون ويمتثلون تكاليفهم سواء علموا بنتائجها أم لا.

فالإنسان المجاهد الذي يۆدّي ما عليه من تكليف، لا يبالي بالموت، فهو يقدم إلى المعركة سواء علم بأنّه يموت أم لا، ولعلّ أوضح مثال على ذلك هم أصحاب الحسين عليه السلام حينما أخبرهم بأنّهم سوف يُقتلون، فإنّ علمهم بنتيجة ما يقدمون عليه لم يۆثّر في أداء ما عليهم من تكليف، وهذا بخلاف من فرّوا وتخاذلوا عن نصرة الإمام عليه السلام لمّا علموا بمصيرهم وأنّهم سوف يُقتلون في المواجهة.

النتيجة

بناء على أن أهل البيت عليهم السلام وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الدرجات العالية من العصمة والقُرب الإلهي، فإنّهم يقدمون على امتثال ما عليهم من تكاليف إلهيّة وإن علموا أنّها سوف تودي بحياتهم وتعرّضهم إلى القتل والأذى وسبي العيال... .

فالإمام عليّ عليه السلام حينما يخرج إلى المسجد ويعلم أنّه سوف يتعرّض لما تعرّض له على يد أشقى الأشقياء، إنّما هو لأجل أنّ تكليفه الإلهي اقتضى ذلك، فإقدامه إنّما كان بمحض إرادته امتثالاً لأمر مولاه، ولذا في النصّ المتقدّم عن الرضا عليه السلام حينما سأله السائل عن سبب خروجه عليه السلام إلى المسجد مع علمه بما يحصل، كان جوابه عليه السلام: «ولكنّه خُيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ» وهو دالّ بصراحة على انقياد الإمام وطاعته لله تعالى وإنّ ذلك تكليف إلهيّ لابدّ من امتثاله.

وهذا ما نجده بنحو واضح في نصّ آخر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام حيث قال: «يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثمّ أجراه، فبتقدّم علم إليهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله قام عليٌّ والحسن والحسين عليهم السلام، وبعلم صمت من صمت منّا»(10).

إذن فإنّهم عليهم السلام وإن علموا بمصائرهم، إلاّ أنّ هذا العلم لا يۆثّر في سلوكهم الخارجي شيئاً، لأنّ تكاليفهم الشرعيّة ليست قائمة على هذا اللّون من العلم الخاصّ، وإنّما هي على أساس ما تمليه الأسباب والعلوم الظاهريّة، وهذا المعنى يقرّره المجلسي بقوله: «إنّ أحكامهم الشرعيّة منوطة بالعلوم الظاهرة لا بالعلوم الإلهاميّة»(11).

وهذا ما أكّده الشيخ المفيد ببيان آخر في خصوص شهادة عليّ أمير المۆمنين عليه السلام بقوله: «إذا كان لا يمتنع أن يتعبّده الله بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه الله بذلك من علوّ الدرجة ما لا يبلغه إلاّ به، ويكون في المعلوم من اللّطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامه غيره، فلا يكون بذلك أمير المۆمنين عليه السلام ملقياً بيده إلى التهلكة ولا معيناً على نفسه معونة مستقبحة في العقول»(12).

حاصل ما تقدّم في هذه الإجابة هو أنّ الإمام عليه السلام، إذا علم أنّ الله تعالى أراد منه الإقدام على أمر معيّن، فهو يُقدم وإن علم أنّه يموت، وهذا ليس من الإلقاء في التهلكة ـ كما قيل ـ لأنّه طاعة وامتثال لله تعالى لما فيه المصلحة للدِّين والأمّة، والفوز بالدرجات الرفيعة والكرامة الإلهيّة.

الجواب الثاني: إن أهل البيت يعلمون مصائرهم بنحو قابل للتغيير

وتفصيل هذا الوجه يأتي في البحث اللاحق إن شاء الله تعالى، وحاصله أنّ أهل البيت عليهم السلام وإن كانوا يعلمون مصيرهم، إلاّ أنّ علمهم هذا يحتمل أن يحصل فيه بداء وتغيّر عمّا كانوا يعلمونه، فمبيت أمير المۆمنين عليه السلام مثلاً في فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله في ليلة الهجرة، وإن كان يعلم أنّه لا يصيبه شيء، إلاّ أنّ هذا العلم يمكن أن يحصل فيه بداء لله تعالى ويتغيّر عمّا هو عليه، كما سيأتي بحثه.

 

المصادر:

(1) الأصول من الكافي، مصدر سابق: ج1 ص258، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون، الحديث: 1، وكذلك بصائر الدرجات الكبرى، مصدر سابق: ج2 ص413، باب في أنّ الأئمّة يعرفون متى يموتون، الحديث: 1726.

(2) الأصول من الكافي، مصدر سابق، كتاب الحجّة: ج1 ص259، باب أنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون، وأنّهم لا يموتون إلاّ باختيار منهم، الحديث: 4.

(3) المصدر السابق، كتاب الحجّة: ج1 ص261، باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم شيء، الحديث: 4.

(4) الأصول من الكافي، مصدر سابق: ج1 ص107، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، الحديث: 4.

(5) بحار الأنوار، مصدر سابق: ج4 ص84، كتاب التوحيد، باب العلم وكيفيّته، الحديث: 14.

(6) المصدر السابق: ج4 ص89، الحديث: 29.

(7) الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق: ج6 ص138.

(8) المصدر السابق: ج18 ص243.

(9) المصدر السابق: ج11 ص380.

(10) الأصول من الكافي، مصدر سابق: ج1 ص262، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان وما يكون، الحديث: 4.

(11) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مصدر سابق: ج48 ص236، تاريخ الإمام موسى بن جعفر، باب أحواله في الحبس إلى شهادته، ذيل الحديث: 43.

(12) المسائل العكبريّة، الشيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد النعمان العكبري البغدادي المفيد، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مۆسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة: ج6 ص70


طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)