• عدد المراجعات :
  • 3418
  • 9/20/2012
  • تاريخ :

توصيف القرآن للفساد الإقتصادي  - قارون

القران الکریم

 قارون: الغنيُّ المُتكبِّر، صاحب الثروة الكبيرة المتغطرس، وعلى الرغم من أنّه كان من قوم موسى، وقيل أنّه كان إبن عمه، وكان ذا صوت حسن بتلاوة التوراة.. إلا أنّه اغترّ وتجبّر عندما أثرى واستغنى، وبلغت ثروته بحيث أن مفاتيح خزائن أمواله، تعجز عن حملها المجموعة الكبيرة من الرجال الأقوياء، فكم كانت خزائنه؟! كان من أصحاب "المليارات"، ولكنه كان يخرج على قومه أشراً بطراً متكبراً عليهم، غير ذاكرٍ لآلاء الله، غير شاكر لنعمته عليه، وكأنّ المال هو أكثر كل شيء قيمة لديه، وكأنّه يعطيه القوّة والبقاء..

وذكّره قومه بأنّ الله لا يُحبُّ الفرحين: المُتكبِّرين، وقالوا له: استمتع بمالك ولكن لا تَنسَ الله، ولا تنس الدار الآخرة بأن تُقدِّم لنفسك عملاً صالحاً وصدقة جارية تنفعك هناك، وأحسن كما أحسن الله إليك: أنفق من مالك على المحتاجين، ممّا أعطاك الله، ولا تبغ الفساد، لا تتطاول بمالك على الناس بأنواع البغي والظلم.. ولكنّ غروره أعماه، وقال: ما أوتيت من مال فهو بقدرتي، بذكائي وفهمي وعلمي.. فكان ما كان من عاقبته السيِّئة التي قصّها لنا القرآن، والتي أكّد فيها على نفي قيمة المال المعنوية والإجتماعية ما لم ينفق منها في سبيل الله بالأعمال الصالحة وخدمة المجتمع، وأنّ العلو والإستكبار من الأغنياء وإستغلال الثروة لإستعباد الناس وظلمهم هو نوع من البطر والتجبُّر ونكران أنعم الله ونسيان ذكره وشكره، وهو نوع من الفساد الذي يۆدي بصاحبه إلى الهلاك، فيقول تعالى: (إنّ قارونَ كان من قَومِ مُوسى فَبَغى عليهم وآتَيناهُ من الكُنُوزِ ما إنّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعُصبَةِ أولي القُوّةِ إذ قالَ لهُ قَومُهُ لا تَفرَح إنّ الله لا يُحِبّ الفَرِحِين * وابْتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدارَ الآخرةَ ولا تَنسَ نَصيبَكَ من الدنيا وأحسِن كما أحسَنَ اللهُ إليك ولا تَبغِ الفَسادَ في الأرض إنّ الله لا يُحِبّ المُفسدين * قالَ إنّما أُوتِيتُهُ على عِلمٍ عندي أوَلَم يَعلَم أنّ اللهَ قد أهلك من قَبلِهِ من القُرُونِ مَن هو أشدّ منهُ قُوّةً وأكثرُ جَمعاً ولا يُسأَلُ عن ذُنُوبهم المُجرمون * فَخَرجَ على قومِهِ في زِينَتِهِ قال الذين يُريدُونَ الحياة الدنيا يا لَيتَ لَنا مِثلَ ما أوتِيَ قارونُ إنّهُ لَذُو حظِّ عظيم * وقالَ الذين أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خيرٌ لمَن آمَنَ وعملَ صالحاً ولا يُلَقّاها إلاّ الصابرون * فَخَسَفنا بهِ وبِدارهِ الأرضَ فما كان لهُ من فِئةٍ يَنصُرُونهُ من دونِ اللهِ وما كان من المُنتصرين * وأصبح الذين تَمَنّوا مَكانَهُ بالأمسِ يقولون وَيْكَأنّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لمَن يَشاء من عبادهِ ويَقدِرُ لولا أنْ مَنَّ اللهُ علينا لَخَسَفَ بنا وَيْكَأنّهُ لا يُفلِحُ الكافرون) (القصص/ 76-82).

المخلّون بالإقتصاد من قوم شعيب:

صورة القوم الذين يخلّون بالنظم الإقتصادية ولا يلتزمون بالمعاملات الصحيحة: إنّهم ينقصون الوزن ويبخسون الناس في المكيال، فيأكلون حقّهم ويعبثون بالوضع الإقتصادي للبلد والناس.. فلا تكون هناك ثقة ولا إطمئنان في المجتمع فضلاً عن ضياع الحقوق والإثراء بالحرام، وذلك عين الفساد.

ولأنّ الأنبياء يُذكِّرونهم بالحق، والمۆمنون ينهونهم عن الباطل، فإنّهم وزيادة في غيّهم وتعنّتهم، كانوا يروِّعون المۆمنين ويُخوِّفون الناس من اتباع الرسالة.. ولمّا لا ينفع ذلك هدّدوا النبي وأتباعه بالتهجير والإبعاد إن لم يرتدُّوا عن دين الحق.

وهذه صورة من الصور التي تُبيِّن إمتداد الفساد المالي إلى الجوانب الإجتماعية الأخرى، فكان فساد الحكم والظلم والبغي لغرض قمع المصلحين وصدّهم عن معارضة خطواتهم الفاسدة وعبثهم بمقدرات الناس وسرقة أموالهم.

وهكذا كانت دعوة شعيب الإصلاحية: دعوة لإصلاح الأوضاع الإقتصادية ومكافحة الفساد، قائمة على الإيمان والدين، كعامل للتقوى والإمتناع عن الجرائم الإقتصادية.

يقول تعالى: (وإلى مَديَنَ أخاهُم شُعَيباً قال يا قومِ اعبُدُوا اللهَ ما لكم من إلهٍ غَيرُهُ قد جاءَتكُم بَيِّنةٌ من ربِّكُم فأَوفوا الكَيلَ والميزانَ ولا تَبخَسوا الناسَ أشياءَهم ولا تُفسِدوا في الأرضِ بعدَ إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كُنتُم مۆمنين * ولا تَقعُدوا بكلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وتَصُدّونَ عن سبيلِ اللهِ مَن آمنَ بهِ وتَبغُونها عِوَجاً واذكروا إذ كنتم قليلا فَكَثّركُم وانظُروا كيفَ كانَ عاقبةُ المُفسدين) (الأعراف/ 85-86).

(قال المَلأُ الذينَ استَكبَروا من قَومِهِ لَنُخرجَنّكَ يا شُعَيبُ والذين آمنوا معكَ من قَريَتِنا أو لَتَعودُنَّ في مِلّتِنا قال أوَلَو كُنّا كارهين) (الأعراف/ 88).

وبذلك يعطينا القرآن في قصة النبي شعيب مع قومه، صورة متكاملة من رسالة الإصلاح التي حملها الأنبياء، في بُعدها الديني العقائدي: في الدعوة إلى عبادة الله: (... يا قوم اعبدوا الله...) (هود/ 84)، وفي بُعدها الإصلاحي الإقتصادي: في الدعوة إلى رعاية الموازين ورعاية حقوق الناس المالية والتقيُّد بالنظم والقوانين الإقتصادية، لا كما كانوا يريدون العمل دون حدٍّ أو ضابط:(أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) (هود/ 78)، وفي بُعدها الحقوقي بالتنويه إلى حرِّية الناس في الإعتقاد ورفض الإكراه فيه: (أو لتعودنّ في ملّتنا قال أوَلو كُنّا كارهين) (الأعراف/ 88)، وفي بُعدها السياسي: في فضح إستخدام القوّة للإرعاب والإرهاب لقمع الصوت المعارض والمصلح، وفي مجال إصلاح العادات والتقاليد الموروثة (قالوا يا شُعيب أصلاتك تأمُرُك أن نترك ما يعبدُ آباۆنا...) (هود/ 78).. وبيان العلاقة بين أنواع الفساد، الثقافي والإقتصادي والإجتماعي والسياسي، وهناك دروس أخرى تحملها الآيات المباركات، فلتراجع في مظانها من التفسير.

المصدر: كتاب نظرية الإصلاح من القرآن الكريم


توصيف القرآن للفساد الإقتصادي  - فرعون

معاقل الفساد  - أدوات الفساد ومفرداته

معاقل الفساد - النفس الإنسانيّة والأنانيّة

مواجهة الفساد وتوقيف مصانعه

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)