• عدد المراجعات :
  • 1561
  • 8/18/2012
  • تاريخ :

عزة المۆمن.. باحترام إيمانه

القرآن الکریم

(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ غڑ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُۆْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة المنافقون-الآية 8

إن القيم الإجمالية في هذه الآية كثيرة وتكاد تكون أبرزها قيمة العزة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُۆْمِنِينَ) وتحدث عنها الحسين(عليه السلام) في قوله:"واللهِ لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اٌقر إقرار العبيد".

مفهوم العزة وأقسامها :

العزة لغة: بمعنى الصلابة ( أرض إعزاز) أي أرض صلب. واستعملت العزة في معاني. منها القاهرية والغلبة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) يعني يا أيها الشخص القاهر الذي لا يغلب.

واستعملت بمعنى الندرة قال تعالى: ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) أي نادر

واستعملت بمعنى المشقة قال تعالى:( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ( يعني يشق عليه) مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُۆْمِنِينَ رَۆُوفٌ رَّحِيمٌ ).

ولنقصر حديثنا عن العزة بمعنى الصلابة والقاهري. أي الإنسان الصلب الذي لا يقهر ولا يغلب، وهي بهذا المعنى متفرعة على ملك القوة.أي من ملك قوة ومن ملك عزة ومن كان ضعيفاً فهو ذليل.ولذلك يقول القرآن الكريم:( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُۆْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ففرّعت الآية العز على الملِكِ لأن بيده المُلكَ وبيده القوة إذن بيده العزة.وبناء على هذا هناك نوعان من العزة إحداهما ذاتية والثانية اكتسابية.

وبما أن الخالق تبارك وتعالى يملك القوة بذاته ومن خالقيته وليست مكتسبة من غيره فهو عزيز بذاته فعزته (عزة ذاتية).بينما المخلوق يستوهب القوة ويكتسبها من الخالق فقوة المخلوق قوة اكتسابية إذن عزته (عزة اكتسابية) ومن ذلك قوله تعالى:( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُۆْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً).

وعلماء العرفان يقسمون العزة إلى :

1ـ عزة ظلية.

2ـ عزة حقيقية.

3ـ عزة حقة.

العزة الظلية : هي عزة المۆمن . فعندما يكون المۆمن عزيزا فعزته ليست لشخصه بل لإيمانه.والمۆمن ظلٌ لإيمانه لذلك سميت عزة ظلية. العزة الحقيقية : وهي عزة الرسول محمد ( صل الله عليه وآله وسلم ) فعزة الرسول عزة حقيقية لأن الرسول مظهر لله العزيز في قدرته وعلمه وحكمته فعزة الرسول عزة حقيقية.وهناك عزة حقيقية حقا وهي عزة الله تبارك وتعالى لأنه مصدر القوة والقدرة.

ولنعد إلى الآية التي تصدرنا بها الحديث حيث قال تبارك وتعالى :( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ) والقائل هنا عبد الله ابن أبي سلول رأس المنافقين(لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) وهو يعني يأنه هو الأعز والنبي الأذل وأنه سيقوم بإخراجه من المدينة وقد رد عليه القــــــــــــــرآن(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُۆْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) .

وهناك التفاتة عقائدية مهمة يجب الإشارة إليها وهي أن القائل كان واحدا وهو ابن سلول فلماذا عبر عنه القرآن الكريم بصيغة الجمع (يقولون)؟ والجواب عن ذلك بشكل مبسط هو أن كل عمل تۆمن به جماعة يصح نسبته إلى تلك الجماعة وإن كان الفاعل فرداً عندما يقوم فرداً بعمل ما لكن هناك أمة تۆمن بهذا العمل وترضى وتثق به فيصح نسبة الفعل إلى تلك الأمة ومن أمثلة ذلك أنه: عندما يقيم شخص مأتماً وعندما يشيد شخص مسجداً يصح لنا بأن نقول بأن أهل المنطقة الفلانية أقاموا مأتما و شيدوا مسجداً مع أن القائم به شخص واحد وذلك لأن الجميع كان مۆمناً به وراضياً عنه وفعل الواحد المرضي به لدى الجماعة يصح نسبته إلى الجماعة لذلك في زيارة الحسين (عليه السلام ) وفي زيارة العباس(عليه السلام) تقول : ( لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك ورضيت به) فصحيح أن القاتلين أشخاص معدودون ولكن بما أن هذا القتل جريمة رضيت به أمة ورضي به مجتمع فالجميع يصح نسبة القتل إليه ( ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به).

فعل الواحد يصح نسبته إلى الجماعة إذا كان فعلاً مرضياً آية الولاية الواردة في الإمام علي(عليه السلام) قال : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُۆْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) هذا الفعل صدر من واحد وهو علي ابن أبي طالب لكن القرآن نسبه إلى الجماعة وقال: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُۆْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لماذا نسب فعل الواحد إلى الجماعة ؟لأن المۆمنين كانوا راضين بهذا العمل وهو إيتاء الزكاة حال الصلاة وحال الركوع بما أنه فعل مۆمنٌ به الجمع ومرضي لدى الجمع لذلك نسبه الله تعالى إلى الجماعة، رغم ديمومة تلك المنقبة خالصة لأمير المۆمنين عليه السلام.

العزة والتكبر :

وعندما نقول أن العزة صفة عظيمة.بدلالة ما جاء في القرآن الكريم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُۆْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) قد يتصور إنسان أن الاعتزاز بالنفس يحمل معنى التكبر والتكبر مذموم فيخلط بين العزة وبين التكبر.ولكن الحقيقة أن هناك فرقا كبيرا بين العزة وبين التكبر فالتكبر:هو التعالي على الآخرين لعامل شخصي كنسب أو عرق أو لغة أو ثقافة.بمعنى أنني أتعالى على الآخرين لأن نسبي أشرف من نسبك أو لأن عرقي بنظري أشرف من عرقك.أو لأن لي ثقافة لا تمتلكها أنت  والتعالي بهذا المعنى هو التكبر المذموم في القرآن الكريم ومن أمثال ذلك قوله:( وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) وقال تعالى:( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) فهذه من أنواع التكبر المذموم.

والعزة تحمل في احد أهم مقتضياتها احترام صفة الإيمان، بمعنى: أنت أيها المۆمن الذي أعطيتَ صفة الإيمان عليك أن تحترمها لأنها معطاة لك من قبل الله.وأن لا تعرضها للانتهاك والاستهجان والانتقاص أو ترنو بها إلى مرتبة الذلة وكمثال على هذا نقول: أنا إنسان مۆمن ولكني أدخل مجلسا للفسوق والمجون، ولكني تارة أدخله بدافع تغييره وهدايته وهذه بادرة مباركة تعد مظهرا طيبا للعزة.وتارة أخرى ادخله مجاراة له.وأضطر إلى أن أداريه وأجاريه كي لا أكون شخصاً شاذاً وكي لا أكون شخصاً منبوذاً فهذه هي الذلة بعينها.ولكن لماذا؟!

والجواب الذي لا بديل له هو لأنني لم أحترم صفة الإيمان التي وهبت لي من قبل الله. من احترم صفة إيمانه التي وهبت له ووضعها في موضوعها اللائق بها فتلك هي التي يريدها الله تعالى لعباده المۆمنين والتي تقف موقف الضد التام من الذلة، وكذلك موقف النقيض التام من التكبر. 

اعداد :سيد مرتضي محمدي


التبعات السلبية للفجور في الدنيا

تفسيراية ( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا)

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)