• عدد المراجعات :
  • 1975
  • 7/24/2012
  • تاريخ :

جدلية العلاقة بين المنظومة الثقـــافيــــة ووســـــائل الإعـــلام 

جوجل 

إن عبارات الثقافة والإعلام أصبحت في مواجهة حتمية، ذلك أن الاستعمال الحالي لأجهزة الإعلام العصرية ينطلق من مبدأ نكران وجود الذاتية الثقافية للمجتمعات، وهذا يمكن تشخيصه في سعة انتشار الرسالة الإعلامية.

تۆكد البحوث والدراسات المتخصصة، كذلك يظهر الواقع الصلة الكبيرة بين وسائل الإعلام والمنظومة الثقافية، رغم أن هناك اختلافات وفروقاً بين وظائف الأجهزة الإعلامية والثقافية. حتى إن بعض الدارسين يرى التناقض والتعارض بين طبيعتيهما ووظيفتيهما وأهدافهما. وفي هذا الصدد يقول فلوراس وليا (كاتب من المكسيك): إن عبارات الثقافة والإعلام أصبحت في مواجهة حتمية، ذلك أن الاستعمال الحالي لأجهزة الإعلام العصرية ينطلق من مبدأ نكران وجود الذاتية الثقافية للمجتمعات، وهذا يمكن تشخيصه في سعة انتشار الرسالة الإعلامية.

ومن نتائج العملية الإعلامية توحيد النماذج والآراء والأذواق، وتعميم أنماط الحياة، والدفع إلى التقليد الأعمى، وكذلك التلاعب بالمبادئ والعبث بالضمائر من خلال الإعلانات والبرامج الموجهة وتغطية الحقائق والمعطيات السلبية، وكل هذا من شأنه أن يخل بمقدرة الإنسان على الخلق والابتكار، وأن يحد من قدرته العقلية على النقد والتفكير والتحليل.

أي إنه يضر بالمقومات والأسس الثقافية. ويضيف ليا: إن هذا أمر لا جدال فيه، إذ إن الأجهزة العصرية للإعلام تتطلب إمكانات فنية ضخمة واعتمادات مالية كبيرة لا تقدر عليها إلا الهيئات الحكومية أو المۆسسات الكبرى ذات الصبغة الخاصة، فتخضع هذه الأجهزة إلى المصالح والتوجهات الأيديولوجية قبل مراعاة الرسالة الثقافية. أما مختار لوبيس عضو اللجنة الدولية التي كلفتها منظمة (اليونسكو) بدراسة المشكلات الدولية للإعلام، فإنه يرى وجود تآلف عميق بين الوسائل التقليدية، كالشعر والغناء والموسيقا الشعبية وغيرها، وبين النسيج الاجتماعي لأي مجموعة بشرية. إذ إنها تساعد على دعم الانسجام والتضامن داخل هذه المجتمعات وربط اللحمة بين أعضائها. بينما تضعف أجهزة الإعلام العصرية (المتغربة) هذه الصلة، وتحد من متانة الائتلاف داخل المجتمع، فتقضي على قيم التعاون والتضامن المتكونة منذ أزمنة قديمة.. وتعوضها بنماذج مستوردة من الدول الصناعية وما فيها من سلبيات وتناقضات وتشويهات. وهي من جهة أخرى قد تمهد المناخ للغزو الثقافي الأجنبي وتوجه الرغبة نحو حاجات مصطنعة وغير مناسبة، وتۆدي إلى إيجاد عقليات وسلوكيات غير متوافقة مع إمكانات المجتمع ومناخه الطبيعي.

لكن الحديث على التناقض بين أجهزة الثقافة والإعلام لا يلغي بعض جوانب التقاطع والتكامل بينهما. فأجهزة الإعلام بمنزلة الجهاز العصبي للثقافة داخل المجتمع الحديث. وفي الوقت نفسه يۆكد الخبراء أنه لا تنمية ثقافية من دون حرية إعلامية. وينعكس هذا الوضع على مجمل الإنتاج الثقافي والإبداعي في ميادين الفن والأدب وغيرهما من مجالات، كما أن الأجهزة الثقافية ليست مبرأة من العيوب والنواقص.

فالحقيقة كما يۆكد (ييفيز يوديس) في كتابه (غزو العقول) أن كل إنتاج ثقافي له محتوى أيديولوجي مهما يكن شكله أو نوعه. يضاف إلى ذلك، أن الوسائل الجديدة من الإعلان والدعاية والتسويق الإعلامي عوَّدت الجمهور على الإنتاج الرديء أو على الاختصار والنمطية والأحكام الجاهزة. وإذا كان ثمة من يرى الأهمية القصوى للتبادل الحر مع الثقافات الأخرى والانفتاح على الآخر، والحفاظ على العلاقات الإنسانية. إلا أننا نميل إلى وجهة النظر القائلة إن التبادل الحر والحوار الثقافي والاطلاع على ثقافة الآخر، ينبغي أن تتم على قاعدة المساواة والتكافۆ وأن تقوم على أساس الاحترام المتبادل. وهذا ما يبرر ثقل المسۆولية الملقاة على وسائل الإعلام ودقة وظيفتها التي يجب ألا تقتصر على نقل الثقافة ونشرها، بل هي مطالبة بانتقاء دقيق لفحواها وتقدير موضوعي لمدى الإبداع فيها، بما يتناسب مع طاقة المجتمع على الاستيعاب. وهي نظرة يۆكدها فيليب كومبس المكلف بالشۆون الثقافية في الحكومة الفيدرالية الأمريكية الذي يقول: إن التحرك الثلاثي على المستوى الدولي، أي التحرك الدبلوماسي، والعسكري، والاقتصادي يجب أن يضاف إليه بعد ثقافي، يكون في مستوى الأبعاد الثلاثة الأخرى، ولا ينبغي أن يقل عنها، نظراً لما تتمتع به الثقافة من عمق ودقة وتأثير. وينصح باستغلال أجهزة الثقافة، شأنها في ذلك شأن أجهزة الإعلام، كيفما تريد المۆسسات السياسية المعنية، وليس دائماً لفائدة الأغراض الثقافية والبحث أو الأغراض النزيهة.

أما على الصعيد العربي فإن آمالاً كبيرة قد انعقدت على الأجهزة الثقافية والإعلامية لتحقيق الكثير من الأهداف والطموحات المتصلة بحاجات المجتمع العربي، كالتنمية الشاملة، والمتكاملة، والتحرر من التبعية والاستلاب بكل أشكالهما وتجلياتهما، مع الحاجة الماسة إلى مواجهة الإعلام الصهيوني المدعوم عالمياً، والذي يمتلك مجموعة من عناصر الانتشار والهيمنة والاختراق، والقدرة على التأثير والتلاعب بالحقائق والمعطيات والرأي العام العالمي. ولكي تكون الأجهزة الثقافية والإعلامية العربية بمستوى التحديات والآمال والطموحات، لابد أن تخضع لدراسات ومناقشات تقويمية، قائمة على المعلومات الدقيقة وآراء المتخصصين والمهنيين، تحدد مواطن الضعف والخلل، ونقاط الانطلاق التي من شأنها تكوين العناصر البنيوية الأساسية لحركة ثقافية، إعلامية، ناجحة، مهما كانت بداياتها بسيطة ومتواضعة.


كيفية بناء الأوطان على أساس الثقافة الإسلاميّة

لكي توفِّر لنفسك أُسساً للثفافة الإسلامية

طرقات على أوتار الغزو الثقافي

أسرار السقوط الحضاري للعالم الإسلامي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)