• عدد المراجعات :
  • 1016
  • 6/23/2012
  • تاريخ :

تأريخ إنتاج و إستخدام الأسلحة الكيميائية 

الأسلحة الكيميائية

كانت الأسلحة الكيميائية، في بداية إنتاجها، عبارة عن مواد كيميائية بدائية أقل خطورة و فتكاً من الأسلحة الكيميائية المتطورة المستخدمة في الوقت الراهن. يمكن القول بأن أول إستعمال للأسلحة الكيميائية كان في سنة 423 قبل الميلاد أثناء حرب البيلوبونيز (Peloponnesian) بين الساسانيين(حکومة ايران قبل الاسلام) المتحالفين مع الإسبارطة (atrapS) و اليونانيين. إسم الحرب مأخوذ من إسم الجزيرة اليونانية، بيلوبونيس، حيث إستطاع الإسبارطيون من الإستيلاء على إحدى القلاع الحصينة لمدينة أثينا اليونانية بتوجيه دخان منبعث من الفحم المحترق و الكبريت و الإسفلت من خلال جذوع أشجار مجوفة.

خلال القرون اللاحقة، إستُخدم الدخان و اللهب في النزاعات التي نشبت بين العديد من الدول. اليونانيون إبتكروا ما يسمى بالنار اليونانية في القرن السابع الميلادي، و التي كانت تُنتَج، على الأرجح، من مادة الراتينج القلفية (كلمة القلفية متأتية من القلف الذي هو قشرة الشجرة)، إنتاج النار اليونانية كان يتم بخلط مادة الراتينج مع الكبريت و الإسفلت و النفط و الكلس و الملح الصخري (نترات البوتاسيوم أو الصوديوم). كانت النار اليونانية مصنوعة بحيث تطفو على المياه، لذلك كانت تُستخدم، بشكل خاص في العمليات الحربية البحرية ضد قوات العدو.

حكام مدينة البندقية الإيطالية كانوا يقومون، في القرنين الخامس عشر و السادس عشر، بوضع سموم غير معروفة في قذائف مدافعهم، التي كانوا يستعملونها في تسميم مياه الينابيع و النباتات و الحيوانات العائدة لخصومهم.

ميلاد علم الكيمياء العضوية الحديث في أواخر القرن الثامن عشر و بداية القرن التاسع عشر و إزدهار الكيمياء العضوية في ألمانيا خلال أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، خلقا إهتماماً جديداً بإستعمال مثل هذه المواد في صناعة أسلحة كيميائية. في نفس الوقت، أصبحت فكرة إستعمال هذه المواد كأسلحة كيميائية، مثار جدل واسع حول أخلاقية الحرب الكيميائية. في بريطانيا، رفضت البحرية البريطانية طلباً للأدميرال توماس كوكران الذي تقدم به في سنة 1821 بتزويد السفن الحربية البريطانية بحاملات الفسفور الحارق للتمهيد لإنزال بحري بريطاني في فرنسا. إثنان و أربعون عاماً بعد رفض ذلك الطلب، أعلنت دائرة الحرب البريطانية عدم جواز تطبيق إقتراح السير ليون بلايفير القاضي بإستعمال قذائف محشوة بالسيانيد لرفع الحصار عن المدينة الروسية سيباستوبول، قائلة بأن إستخدام مادة السيانيد يتنافى مع المبادئ الإنسانية.

خلال القرن التاسع عشر، جرت محاولات أخرى للقيام بإستعمال أسلحة كيميائية، الا أنها باءت بالفشل. من هذه المحاولات، على سبيل المثال، فكرة إستعمال قذائف محشوة بمادة الكلورين السامة ضد الولايات الإحدى عشر، التي إنفصلت عن الولايات المتحدة الأمريكية عامي 1860 و 1861. كذلك الإقتراح الذي تقدم به نابليون الثالث بإستعمال حربة مُغطّسة في السيانيد أثناء الحرب الفرنسية-البروسية، الذي لم يلق التأييد و عليه لم ينفذ. في عام 1874 تمت الموافقة على إتفاقية بروكسل التي دعت الى تحريم إستعمال السموم في الحروب. الوفود التي وقعت على إتفاقيتي هاك (eugaH) في هولندا في عامي 1899 و 1907، أثارت القدرة الهائلة للأسلحة ا الكيميائية على الفتك بالإنسان، الا أنها فشلت في صياغة قرار يحرم بموجبه إستخدام الأسلحة الكيميائية في ساحات الحرب.

إن أول إستخدام للأسلحة الكيميائية، على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى، كان من قبل ألمانيا، التي كانت بلداً صناعياً متطوراً، بقاعدتها العلمية في علم الكيمياء النظرية و التطبيقية و قدرتها على إنتاج كميات ضخمة من المواد الكيميائية. في الخامس عشر من نيسان سنة 1910، أطلقت القوات الألمانية حوالي مائة و خمسين طناً من غاز الكلورين السام من ستة آلاف إسطوانة حاوية على هذا الغاز، على منطقة قريبة من مدينة إيبرس البلجيكية الصغيرة، التي تقع بالقرب من الحدود البلجيكية-الفرنسية. بالرغم من أن هذا الهجوم أدى الى سقوط حوالي 800 قتيل فقط، إلا أن تأثيره كان كبيراً من الناحية النفسية، حيث بدأت قوات التحالف بالتقهقر أمام القوات الألمانية. الألمان لم يتمكنوا من إستغلال هذا النصر، لذلك فأن مادة الكلورين و بدائلها التي قاموا بإنتاجها، لعبت دوراً تكتيكياً، بدلاً من أن تلعب دوراً إستراتيجياً في الحرب العالمية الأولى. بعد مرور فترة قصيرة، تمكن البريطانيون من إنتاج مادة الكلورين. هكذا بدأت صناعة الأسلحة الكيميائية يتسع نطاقها من قبل الجانبين، الألماني و البريطاني، حيث تمكنوا من إنتاج مادة الفوسجين و الكلوروبكرين.

في الثاني عشر من تموز عام 1917، قامت القوات الألمانية بإستخدام قذائف مزودة بنوع جديد من المواد الكيميائية و التي كانت عبارة عن كبريت الخردل و التي أدت الى وفاة أكثر من عشرين ألف شخص قرب مدينة إيبرس البلجيكية. مادة الخردل عبارة عن سائل غير متطاير نسبياً، إلا أنها تبقى في الطبيعة لفترة طويلة، مقارنة بالمواد الكيميائية التي تم إستعمالها قبل صناعة هذا السلاح الكيميائي. كبريت الخردل يؤثر على الإنسان من خلال إستنشاقه مع الهواء و كذلك عند لمس الإنسان للأشياء الملوثة بهذه المادة السامة. هذه الخصائص جعلت من مادة كبريت الخردل سلاحاً كيميائياً فعالاً حتى في حالة إستعمالها بجرعات قليلة. هذه المادة الكيميائية تؤثر على الرئتين و كذلك على العيون و الجلد. أعراض تعرض الإنسان لكبريت الخردل كانت تظهر بعد ساعات قليلة من الإصابة بها بخلاف المواد الكيميائية الأخرى التي أستخدمت من قبل، مما جعلت منها سلاحاً فعالاً. بالإضافة الى فعالية مادة كبريت الخردل كسلاح كيميائي، فأن إضطرار الجنود لإستعمال الأقنعة الواقية و الملابس الثقيلة الحارة لأنفسهم و لخيولهم، جعل خوض غمار الحروب أكثر صعوبة بدنياً و نفسياً. صعوبة معرفة أعراض الإصابة بمادة الخردل، جعلت الجنود المعرضين لهذه المادة، يتزاحمون على مراكز العلاج مما أدت الى صعوبة توفير العلاج لجميع المصابين. بالرغم من أن أقل من 5ظھ من المصابين بمادة الخردل، كانوا يموتون قبل إيصالهم الى الوحدات الطبية الميدانية، إلا أن جروح الإصابة بالخردل كانت تندمل و تشفى ببطء و كانت فترة النقاهة تستغرق لأكثر من ستة أسابيع.

خلال الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين، إستمر الجدال في المحافل الدولية حول إنتاج و إستعمال الأسلحة الكيميائية. في عام 1925، تمت المصادقة على بروتوكول جنيف من قبل جميع القوى الرئيسة في العالم بإستثناء الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان. البروتوكول نصّ على تحريم إستعمال الأسلحة الكيميائية و البايولوجية، إلا أنه لم يُحرّم إمتلاك هذه الأنواع من الأسلحة. روسيا، التي خسرت حوالي نصف مليون شخص من جراء الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الأولى، بدأت في أواخر العشرينات الى أواسط الثلاثينات من القرن الماضي بالتعاون مع ألمانيا في وضع برامج إنتاج الأسلحة الكيميائية، بينما تصنيع الأسلحة الكيميائية في الولايات المتحدة الأمريكية، كان يواجه معارضة واسعة آنذاك.

في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين، إستطاع الكيميائي الألماني الدكتور كيرهارد سكرادر من تحضير مادة التابون التي هي مركب فسفوري عضوي ذو سمية عالية. بعد ذلك بسنتين، إستطاع هذا الكيميائي من إستحضار مادة السارين و التي هي أكثر سمية من مادة التابون. بينما كانت تدور رحى الحرب العالمية الثانية، إستطاعت ألمانيا النازية من صنع آلاف الأطنان من هذه المواد الفسفورية العضوية السامة و التي أصبحت تُطلق عليها أسلحة الأعصاب.

ألمانيا لم تستعمل أسلحتها الكيميائية الفسفورية العضوية خلال حربها ضد الحلفاء. أسباب كثيرة ربما كانت وراء إمتناع ألمانيا عن إستخدام أسلحة الأعصاب. من هذه الأسباب أن هتلر نفسه كان قد أصيب بسموم مادة الخردل أثناء الحرب العالمية الأولى، و لذلك ربما لم يحبذ إستعمال أسلحة كيميائية. القيادة العسكرية التي كانت تحت أمرة هتلر، كانوا قد إشتركوا في حروب إستُخدمت خلالها أسلحة كيميائية في الحرب العالمية الأولى، و لهذا السبب ربما لم يرغبوا في إستعمال أسلحة كيميائية في الحرب العالمية الثانية. إمتناع الألمان عن إستعمال أسلحة كيميائية خلال الحرب المذكورة، ربما يعود أيضاً الى إستنتاج خاطيء من قبلهم بأن قوات التحالف كانت لديها برامج متطورة للأسلحة الكيميائية، و لذلك لم يتجرأ القادة الألمان من إستخدام مثل هذه الأسلحة ضد قوات التحالف، خشية أن يؤدي ذلك الى الرد بالمثل من قبل الحلفاء. الرئيس الأمريكي وقتذاك، فرانكلين روزفلت أعلن حينذاك بأن الأمريكان سوف لا يكونون البادئين بشن حرب كيميائية، إلا أنه صرح بأنهم سيردون بالمثل لو أن ألمانيا بدأت حرباً كيميائية. ربما أحد الأسباب المهمة التي أوقفت ألمانيا من إستخدام أسلحة كيميائية في الحرب العالمية الثانية، هو أن القوات الجوية الألمانية أصبحت ضعيفة في المراحل النهائية للحرب، بحيث أصبحت غير قادرة على إسقاط مواد كيميائية سامة على تجمعات العدو. كان البرنامج الألماني لإنتاج الأسلحة الكيميائية المتلفة للأعصاب، متطور بشكل جيد و بقي في طي الكتمان الى أن تم إكتشافه من قبل الحلفاء في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.


التسليح البيولوجي و الكيميائي الإسرائيلي

حجم أسلحة التدمير الإسرائيلية ، و أسباب الصمت الدولي عليها

مخاطر أسلحة التدمير الشامل الإسرائيلية على العالم العربي و الإسلامي

ضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)