• عدد المراجعات :
  • 2088
  • 7/3/2012
  • تاريخ :

الإمام المهدي بين العقل والنقل (2)

وضمن هذا السياق يأتي الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) حيث ثبت ذلك بالنقل الذي يقره العقل، إذ أن الأحاديث الواردة عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله). والواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فاقت حدّ التواتر.

قال ابن تيمية: ( إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم)(1).

وتحت عنوان: ( خروج المهدي حقيقة عند العلماء ) ذكر المحدث السلفي المعاصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أسماء ستة عشر عالماً من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي(2).

ونشرت مجلة البحوث الإسلامية الصادرة عن رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بحثاً للشيخ يوسف البرقاوي تحت عنوان ( عقيدة الأمة في المهدي المنتظر ) جاء فيه: ( إن موضوع المهدي من علامات الساعة الكبرى وأشراطها العظمى التي أخبر عنها رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، فأشراط الساعة الكبرى من الأمور الغيبية التي كلف اللَّه عباده بالتصديق بها، والإيمان بمدلولها، وعقيدتنا تملي علينا وجوب الإيمان بذلك ).

ونقل عن السفاريني الحنبلي قوله: ( من أشراط الساعة التي وردت فيها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر الإمام المهدي المقتدى بأقواله وأفعاله الخاتم للأئمة فلا إمام بعده، كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده ) (3).

وقد جمع الشيخ لطف اللَّه الصافي في كتابه ( منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ) الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي من كتب الفريقين السنة والشيعة فبلغت (6277) حديثاً(4).

فخروج المهدي المنتظر آخر الزمان مسألة ثابتة عند المسلمين على اختلاف مذاهبهم إلا من شذ منهم، لورود خبرها من جهة يؤمن العقل بصدقها، ولأنها جاءت بطرق صحيحة مقبولة شرعاً وعقلاً.

كما يتفق علماء المسلمين على أن المهدي من عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) لكن هناك اختلافاً في تفاصيل هذه العقيدة، كسائر العقائد الإسلامية التي تتعدد المدارس والمذاهب الكلامية في بعض جوانبها وتفاصيلها كالتوحيد والنبوة والمعاد. ويأخذ كل فريق بما يصح ويثبت لديه.

ويعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام المهدي الذي بشّر رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) بخروجه، قد ولد في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255هـ، وأبوه الإمام الحسن العسكري، من نسل الإمام الحسين بن علي وفاطمة، وأنه لا زال ينتظر أمر اللَّه تعالى لممارسة دوره العالمي، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

لأن النص قد ثبت لديهم من جهة معصومة بذلك، فهم ملزمون بقبوله والإيمان به، هناك أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) يتحدث فيها عن اثني عشر إماماً أو أميراً أو خليفة لهذا الدين، ولهذه الأمة، وقد ورد ذلك في صحيح البخاري، وأخرجه الترمذي وأحمد ابن حنبل وأبو داود وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (1075)(5).

ولا ينطبق هذا العدد إلا على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).

تبقى مسألة إمكانية العيش والحياة طوال هذه الفترة وكيف يمكن تعقلها؟

فإن العقل لا يرى استحالة ذلك، بل إن العلم جاد في البحث والسعي، لكي يستطيع الإنسان تجاوز أعراض الشيخوخة والهرم، وليتمتع بعمر أطول في هذه الحياة.

وإذا ما ثبت النص الشرعي على وجود الإمام المهدي، فإننا نقبله كظاهرة إعجازية، كما نقبل عدم احتراق نبي اللَّه إبراهيم في النار، وولادة عيسى بن مريم من دون أب، والإسراء والمعراج وأشباه ذلك، فكل هذه القضايا ليست ممتنعة عقلاً، وإنما هي خارقة للعادة ومخالفة للمألوف فقط.

إن القرآن الكريم يحدثنا عن حياة نبي اللَّه نوح (عليه السلام) عمراً طويلاً، حيث استغرقت فترة نبوته إلى وقت الطوفان 950 سنة يقول تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (6)، هذا عدا سنوات حياته قبل النبوة وبعد الطوفان.

وسواء كان ذلك خاصاً بالنبي نوح أو أن أعمار البشر في ذلك الوقت كانت على هذا المستوى، فهو يدل على إمكانية الحياة لفترة تتجاوز المتعارف والمألوف.

لا للتهريج والتشنج:

عاشت أمتنا الإسلامية عصوراً من التخلف، سادت فيها حالة التعصب المذهبي، والنـزاعات بين الطوائف والفرق، ولم تحصد الأمة من كل ذلك إلا التمزق والضياع، والانشغال عن بناء قوتها، ومواجهة التحديات الخارجية، ومؤكد أن أعداء الإسلام يشمتون باحتراب المسلمين، ويصبّون الزيت فوق نار الفرقة والنـزاع.

ويفترض الآن أن يتجاوز المسلمون تلك الحالة المزرية، مع تطور مستوى الوعي، وتوفر وسائل التواصل والانفتاح، وإذا كانت كل فرقة ترى أن الحق والصواب معها، فإنها تتحمل مسؤولية معتقداتها وآرائها أمام اللَّه تعالى، وليكن البحث عن الحقيقة هدفاً للجميع، وذلك عبر الدراسة الموضوعية لموارد الخلاف، والحوار البنّاء بعيداً عن التهريج والتشنج، إن القرآن الكريم ينهى المسلمين أن يتجادلوا مع اليهود والنصارى بأسلوب غير مؤدب، ويقول: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (7)، فهل يرضى القرآن بما يمارسه بعض المسلمين تجاه بعضهم من تهريج وشتم واستهزاء، كما يظهر أحياناً على بعض مواقع ساحات النقاش في الإنترنت، أو برامج القنوات الفضائية؟ وهل يدل هذا الأسلوب إلا على سوء الخلق، أو ضعف الحجة أو خدمة مصالح الأعداء؟

 

حسن موسى الصفار

المصادر:

1- ابن تيمية الحراني: شيخ الإسلام أحمد، منهاج السنة ج4 ص211 الطبعة الأولى، المطبعة الكبرى الأميرية - مصر 1322هـ.

2- الألباني: محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص38 حديث رقم1529 الطبعة الأولى: الدار السلفية- الكويت، المكتبة الإسلامية - الأردن 1983م.

3- البرقاوي: يوسف بن عبد الرحمن، عقيدة الامة في المهدي المنتظر، مجلة البحوث الإسلامية عدد49 ص304-305.

4- الصافي: لطف اللَّه، منتخب الاثر، الطبعة الثانية 1385هـ مركز الكتاب، طهران – ايران.

5- الالباني: محمد ناصر الدين، سلسلة الاحاديث الصحيحة ج3 ص63، الطبعة الثانية 1987م مكتبة المعارف- الرياض.

6- سورة العنكبوت الآية 14.

7- سورة العنكبوت الآية 46.


استدلال علي وجود الإمام المهدي ( عليه السلام )

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)