• عدد المراجعات :
  • 1129
  • 3/7/2012
  • تاريخ :

الاسطورة في شعر الجواهري (2)

الجواهری

 

ان التناظر والتحول لم يكن غائباً عن المفاهيم المقومة للشعر وان بؤر الاهتمام في العلاقة بين التراكب اللغوية والاسطورية هي في علاقة هذه التراكيب الحية وعلاقة الشاعر بالنص وهذا الرأي حدده (ورد زورث) و ( كولردج ) واتفاق مسبق مع ارسطو في ان موضوع الشعر هو موضوع الحقيقة حيث حدد كولردج في الصياغة الجديدة لهذه الحقيقة قائلاً ( ان الشعر يمثل واسطة عادية بين اطراف العالم والمألوف من جهة والمفردة الجديدة من جهة اخرى ) ويؤكد في جانب اخر وبمنطق اخر ويسميه ( الالتحام والتسوية في الاشياء المختلفة ) . والخلاصة في هذا الموضوع هو خضوع الكون لقضية الفرد الاجتماعي وهذا كما يعتقد ( هوسرل ) ان المنحى الفكري يتضمن معايير معرفية تتميز به وتميز الحق عن الباطل وهي نتائج لتفكير منطقي يقوم على أسس نفسية وهو الجانب الذي اكده هوسرل كذلك ، وهو ليس الجانب السايكولوجي الساذج بل القصدي منه والذي يعتمد على الدراسة الالسنية التعادلية وتداخلها في النية القصدية والشعر هو المنظم الاول اللاصوت في الطبيعة وهو المقوم مع التنظيمات المستمرة في عمليات التخيل وهو الاستعداد والاستجابة للعمل السلوكي ، واللغة كانت عند الجواهري عبارة عن تراكيب منطقية وحسية بلاغية وروماتيكية وفي هذا المجال يقول ( ريتشاردز ) ان اللغة هي ليست مجرد نظام لتنظيم الاشارات بل هي مقدّم حقيقي للأشياء .

يقول الجواهري :

اطلت الشوط من عمري

اطال الله من عمرك

وما بلغت بالسر

ولا بالسوء من خبرك

حسوت الخمر من نهرك

وذقت الحلو من ثمرك

وغنتني صوادحك النشاوى

من ندى سحرك

ولم يبرح على الظل

بعد الظل من شجرك

اذنبي ان مختبري

هداني عير مختبرك

هلمي خالطي بشري

تنفري أنت من بشرك

والحلم الرومانتيكي عند الجواهري … هو منهج ذاتي – موضوعي تحكمه صلات جدلية تحقق التفاعل المتوازن في تأكيده على المنهج الادراكي في دراسة البنية … ووحدة المستويات او الكليات في الادب والشعر بشكل خاص … وفي اطار الموازنة والمقارنة في اول مسرحية " الفرس " ( لاسخيلوس ) هناك حوار حول حلم شاهدته " اتوسا" ارمل " داريوس " ويذكر " لاسخيلوس " " العقل ذو عيون حين ينام صاحبه وهو اعمى حين يستيقظ ومسرحية " بوليوكت " تأتي خلاصة التأكيد على الجانب السيكولوجي حين تحلم " بولين " (( حلماً مزعجاً ترى زوجها يموت بالحرب )) ..

ان صيغة التنظيم في الاشارات المبينة … هو التأكيد المنطقي الذي أشره الجواهري … ودلل عليه " ريشاردز " في انتقالية حية عند " موريس " انه يتحدث عن غياب الاحاسيس : والاحاسيس والاستجابات عند السيد " موريس " هو الاحساس والاشارات الايقونية للاكتمال الذي حققته اللغة عبر الحس الاسطوري بعد ان يكون الاحساس اخذ يضرب بالماوراء الالهام الموضوعي …

فالمعرفة الحسية عند الجواهري … هي عقل مدرك مكتمل بالمفردة الحسية الانسانية ، وفي هذه الفقرة يقتبس " ريتشاردز " عن " كولردج نص قوله " .

" اليست الكلمات اجزاء – وبذوراً ؟ وما هو قانون نموها ؟ بشيء في مثل … هذا سوف احطم التناقض القديم القائم بين الكلمات والاشياء "؟

" وارتفع بالكلمة - كما هو الامكر الى مستوى الاشياء الحية منها ! "

وقد اضفى الجواهري على لغته الشعرية عبر قدرة على الاحاطة بالمتناقضات المتشابكة داخل المجتمع وبين ما هو موضوعي ومرتبط بقوانين الصراع التاريخي .

" وريتشاردز " عالج هذا الموضوع .. بوصفه حد فاصل بينم " كولردج " و " الكلاسيكية الجديدة " وكان فصل ( قيثارة الريح ) وهو الدليل على خصوصية ها التناقض :

يقول الجواهري :-

مشى وخط المشيب بمفرقيه

وراحت من زهاها امس حباً

تبدل غير رونقه ولاحت

رماداً خلته لولا البقايا

اهذا من به فتنت كعاب

اهذا تائهاً من نقلته

ومن اوصبى " فلانة" ! وهي خدر

ومنزوفاً كأن يد الليالي

ويا سيفاً نجر حماليتة

وطار غراب سعد من يديه

تقول اليوم : واسفي عليه

تضاريس السنين بأخدع يه

توقد جمرتين بمقلتيه

ومن سحر الندى باصغريه

على الاحداق احلى خطويتيه

دم العشاق يصبغ وجنتيه

بمبضعها تفصد اكحليه

ونركب حين نجمح شفرتيه

وقد اقضى هذا الشد في الفهم الدقيق إسطورة في اساسها التعبيري والصوري وهو يفضي الى عدة مناهج : ونتائج الزمن عند الشاعر ، وتأكيده واحتكامه الى الحكمة الفنية والانجاز الفكري الذي يشع بتجسيداته لعملية الابداع التي تكونت بالحافز المتفجر وهو يشبه الولادة في جملته التعبيرية في اطار التجلي الابداعي والرفض لكل التراكيب والدلالات ( الفيزيقية ) داخل العملية الجدلية – وداخل عملية التشكيل الفكري والاجتماعي الذي يضع الابداع في المقدمة منه من خلال الدلالات الاجتماعية والفرز للتصورات – الاتجاهات التجريبية ، وهي متوحدة في النص الشعري . كما وضحه ( ماثيوارنولد ) باعتباره معارضاً ( للديالكتيك ) باعتباره الاطار الموضوعي للقانون الذي هو خارج العملية اللغوية وباعتباره ايضاً موروث عن الكلاسيكية .

فالعملية الشعرية هي التي تنسج موضوع الاسطورة في الطبيعة والحياة الاجتماعية … وهو الحقل الوضعي لخيال الشاعر الخصب وبالتالي هو الكشف عن الخصائص البلاغية والفكرية الغامضة في النص الشعري – عبر التفجر للايحاءات داخل النص وتكوين الاسطورة بايقاع المعنى المكون للنص الشعري ونظام التراكيب اللغوية – والبلاغية والتفجير الفكري للنص بنواظم ودينامية مختلفة للانساق الجمالية … فهي تحقيق وتقليل لمختلف البيانات العميقة … والدقيقة والافصاح عن النواة والرؤيا للعوالم الشعرية . والجواهري بوصفه شاعراً يمتلك التوافق والشعور والعلاقة المنطقية بين الذات والموضوع .

والنظرية الشعرية عند الجواهري … هي عملية رفد وتغيير للمنطق الشعري في العمود المتجدد بموضوعاته الصورية والاسطورية وهذا خلاف النظرية التي تقول : ( بمعزل عما يتأثر به ) واعتبار الاعمال الشعرية اشياء مجردة عن تفاعلاتها وعلاقاتها ( بالزمكان ) واعتبارها كائنات لا تربطها اية صلة وباي شيء واصحاب هذه النظرية هم ( بلاكمور ، والن تيب ، وكلينش ، بروكس ) .

نقول ان الحافز الفكري والاجتماعي عند الجواهري عبر التكوين الرئيسي في المنظور الشعري … وهو عنصر من العناصر المهمة في بناء الحكاية والصياغة الاساسية للحدث الشعري وكذلك بالروابط السببية التي تنظم الحدث والمتن الشعريين .

يقول الجواهري

حسناء : رجلك في الركاب وبداك تعبث بالكتاب

وانا الضميئ الى شرابك كان من ريقي شرابي

حسناء زاد من اضطرابي بغي التقنص في اضطرابي

حسناء ساعتك التي دورت كانت من طلابي

حاولت اجعلها الذريعة لاحتكاكي واقترابي

عبثاً فقد ادركت ما يلتقي القشور من اللباب

كنت العليمة بابن أوى اذا تحلق بالغراب

ذل السؤال جرعته فبخلت حتى بجواب

ان الرؤية والتجربة الشعرية المصاغة عند الجواهري … فهي تعتمد على مستويات التلاحم والارتباط البنوي والرؤيوي وما تنطوي عليه هذه الابداعات بقدر الملاحظة لحقيقة الالهام والحدس عبر الكشف الدقيق للمستويات العالية من الوعي والادراك الكامل للعلاقة بعالم اكبر ومتلاحم .

والجواهري كان الصورة والتعبير عن الجانب اليقض والمتيقن لهذه الحياة ووحداتها الداخلية وبنيتها الشعرية والجمالية الدقيقة في وصف البطل الاسطوري عند الجواهري وهو يأتي عبر المسلمات الابداعية والشخصية ومن وصف وشدة في الانتباه في صياغة النص الشعري وهو الصورة الشعرية في مقدمة الاعترافات التي يتحدث عنها النص وحواره مع بطله الاسطوري .

هكذا اذن تحدد الملاحم الرئيسية لانساق الاسطورة في العمود الشعري عند الجواهري .

 

اعداد وتقديم:سيد مرتضى محمدي

القسم العربي - تبيان


 

طــــــه حســـــين عميد الأدب العربي

براعة اللغة العربية

ألمانيا تتمسك بنفرتيتي

طيبة تتحول إلى متحف مفتوح

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)