• عدد المراجعات :
  • 7389
  • 2/5/2012
  • تاريخ :

حرية الإرادة في القرآن الكريم

عبادة الله

إن الآيات القرآنية تصرح باختيارية الإنسان وأنه فاعل مختار مسؤول عن عمله، وهذه بعض آيات الذكر الحكيم التي أشارة لهذه المسألة:

1ـ قوله سبحانه: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، فالشاكر يسلك السبيل الذي أراده الله سبحانه له، فيصل إلى الهدف المنشود، بخلاف الكفور، فيسلك غير هذا السبيل.

2ـ قوله سبحانه: (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ).

ترى أن الآية تنسب الضلالة إلى نفس الإنسان، والهداية إلى وحيه سبحانه إليه، مع أن الهداية والضلالة كلها من الله سبحانه، وما هذا إلا لأنه سبحانه قد هيأ كافة وسائل الهداية للإنسان منذ أن خلق إلى أن يدرج في أكفانه، وهي عبارة عن تزويده بفطرة التوحيد وتعزيزها ببعث الأنبياء والمرسلين، والعقل السليم، إلى غير ذلك من أدوات الهداية، فمن انتفع بها فقد اهتدى، فصح أن يقال: إن الهداية من الله؛ لأنه زود الإنسان بوسائلها، ومن لم ينتفع بها فقد ضل، فصح أن يقال: إن ضللت فإنما أضل على نفسي. وبهذا المضمون قوله سبحانه: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا).

3ـ قوله سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).

ولا تجد في القرآن الكريم آية أكثر نصاعة في حرية الإنسان من هذه الآية، وقد صب شهيدنا الثاني (909 - 966 ه ‍ ) مضمون هذه الآية ضمن بيتين، حيث قال:

لقد جاء فـي القرآن آية حكمة *** تدمر آيات الضلال ومن يجبر

وتخبر أن الاختيار بأيدينا فمن *** شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

4ـ قوله سبحانه: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ).

5ـ قوله سبحانه: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).

6ـ قوله سبحانه: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).

7ـ قوله سبحانه: (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الإنسان فاعل مسؤول عن أعماله، حر في إرادته، مختار فيما يكتسب. وعلى ضوء هذا فمن حاول أن ينسب الجبر إلى القرآن فقد خبط خبط عشواء.

إن بعث الأنبياء ودعوة الناس إلى طريق الرشاد، ونهيهم عن ارتكاب القبائح أوضح دليل على أن الإنسان موجود قابل للإصلاح والتربية، إذ لو كان مجبوراً على فعل المعاصي، لكان بعث الأنبياء ودعوتهم أمراً سدى.

نعم الدعوة إلى حرية الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً لا تعني أبداً انقطاع صلة الإنسان بالله سبحانه وإرادته؛ لأن تلك الفكرة كفكرة الجبر باطلة تورد الإنسان في مهاوي الشرك والثنوية التي ليست بأقل ضرر من القول بالجبر.

فالتفويض بمعنى استقلال الإنسان في فعله وإرادته وكل ما يكتسب وخروجه عن سلطة الله سبحانه، تفويض باطل كالقول بأنه فاعل مجبور. لا جبر ولا تفويض: وقد أكد أئمة أهل البيت على وهن تلك الفكرتين، قال الإمام الصادق : «إن الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون، والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد».

وفي حديث آخر عنالإمام الصادق فسر حرية الإنسان بهذا النحو: «وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا، وترك ما نهوا عنه».

نعم التركيز على بطلان الجبر أكثر في الروايات من التصريح ببطلان التفويض، قال الإمام الصادق : «الله أعدل من أن يجبر عبداً على فعل ثم يعذبه عليه».

وسأل الحسن بن علي الوشاء الإمام الرضا : «هل الله أجبر العباد على المعاصي؟ فقال : الله أعدل وأحكم من ذلك».

نعم موضوع الاختيار عبارة عن الأفعال التي يقوم بها الإنسان، وأما الأمور الخارجة عن حيطة الثواب والعقاب التي ربما يبتلى بها الإنسان من حيث لم يشأ كالبلايا والمصائب والزلازل والسيول المخربة والأعاصير، إلى غير ذلك فهي خارجة عن اختيار الإنسان، فليس هو بالنسبة إليها لا فاعلاً جبرياً ولا فاعلاً بالاختيار. هذه هي نظرة القرآن الكريم في أفعال الإنسان، غير أن هناك شبهات تذرعت بها بعض الفرق الإسلامية وحاولوا بذلك سلب الاختيار عنه ظناً منهم أنهم بذلك يحسنون صنعا.

 

اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي - تبيان


الإرادة التكوينية والتشريعية

الطريق الثاني لمعرفة الله الطريق من خارج

لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)