• عدد المراجعات :
  • 822
  • 11/12/2011
  • تاريخ :

استراتيجية الامام الصادق عليه السلام مع حکام الجور

استراتیجیة الامام الصادق علیه السلام مع حکام الجور

کان في سلوك الإمام لوناً من التباين الشديد بين السر والعلن في الحياة السياسية ، نجد صعوبة في استساغته ، فليس ثمة دليل يساعد عليه، أمّا أدلة التقية فلأنها لا تفيد أكثر من دعوة الإمام أصحابه وشيعته إلى كتمان انتمائهم لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، المضطهد من قبل السلطة والنظام ، والتزام الحذر والتواري عن أنظارها ورقابتها الشديدة فراراً من فتكها وبطشها الذي لا يعرف الرحمة ولا يقف عند حدود .

مثلاً يستدعيه المنصور مرة: ـ والمنصور من ولغ في دماء رعيته سيما العلويين ـ ويجلسه إلى جانبه ويحادثه بكل إجلال واحترام، فوقع الذباب على وجه المنصور ولم يزل يقع على وجهه وأنفه حتى ضجر منه المنصور، قال: لم خلق الله الذباب يا أبا عبد الله ؟ فقال الصادق (عليه السلام) : ( ليذل به أنف الجبابرة ) ,  فوجم المنصور وتغيّر لونه ولم يتكلم معه بما يسيء إليه كلمة واحدة (1). ويستدعيه مرة أخرى ـ على ما يروي الرواة ويعاتبه على قطيعة له ، وكان قد زار المدينة ولم يدخل عليه الإمام الصادق (عليه السلام) فيمن زاره من الوجوه والأشراف ـ فقال له: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ فأجابه الإمام (عليه السلام): ( إن من يريد الدنيا لا ينصحك ، ومن يريد الآخرة لا يصحبك )(2).

وفي حين كانت هذه هي خطته وأسلوب تعاطيه مع الظالمين وحكّام الجور، فقد كان حريصاً (عليه السلام) في ذات الوقت أن يرسم لأصحابه والمسلمين المنتمين إلى أطروحته طريقاً يعبرون عبره من الظلم(3)، يكرّههم بالظالمين وأعوانهم ويحذّرهم من مهادنتهم والعمل في أجهزتهم والترافع إليهم في حلّ مشكلة أو قضية.

واستفادة وجود حركة سرية منظمة من مجرد الدعوة إلى التقية وممارستها على الأرض ، تحميل مفهوم التقية فوق ما يحتمل قطعاً ، وبكلمة فإن التقية هي مجرد سلوك دفاعي وليست سلوكاً هجومياً.

الرقابة الشديدة التي كان حكّام عصره يحيطونه بها ، وتعقب أصحابه وشيعته بالتشريد والتنكيل والقتل ما يجعل التحرك لاستلام الحكم بالغ الصعوبة تحفّه أخطار ماحقة. وکذلك التردّي والفساد الواقع الاجتماعي للأمّة ، حيث لم يعد المسلمون يتحلّون بروح الحماس وتوقد العزيمة وحب التضحية على ما كانوا عليه في صدر الإسلام ولم تعد الأخلاق الإسلامية بالمستوى الذي كان سائداً في ذلك العهد ، بل تسرب إليها الفتور والانحلال.

وکان المنصور العباسي يغتاظ من إقبال الناس على الإمام والإلتفاف حوله وکان يعبّر عن الإمام (ع) بأنه: "الشجى المعترض في الحلق" وينقل المفضل بن عمرو حقيقة الموقف له: "إن المنصور همّ بقتل أبي عبد الله الصادق (ع) غير مرّة، وکان إذا بعث إليه ليقتله فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله. غير أنه منع الناس عنه. ومنعه عن القعود للناس. واستقص عليه أشد الاستقصاء".

فکان يخشى من التعرّض للإمام لأنه سيؤدي إلى مضاعفات کبيرة. وإزاء تزايد الضغط وإحکام الرقابة نصح الإمام أصحابه بالسرية والکتمان فکان يقول:

التقية من ديني ودين ابائي ولا دين لمن لا تقية له

الاستناد بالقران

لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ اللَّهِ الْمَصِيرُ (ال عمران/28).

الاولي- قال ابن عباس: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء، ومثله " لا تتخذوا بطانة من (4) دونكم " وهناك يأتي بيان هذا المعنى. (فليس من الله في شئ) أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شئ، مثل " واسأل القرية " (5). وحكى سيبويه " هو مني فرسخين " أي من أصحابي ومعي. ثم استثنى وهي:

الثانية - فقال: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جدة الاسلام قبل قوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز الله الاسلام أن يتقوا من عدوهم.

قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالايمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثما. وقال الحسن: التقية جائزة للانسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل. وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك: " إلا أن تتقوا منهم تقية " وقيل: إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم (6) باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالايمان والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الايذاء العظيم. ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب (7) إلى التلفظ بكلمة الكفر، بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في " النحل " (8) إن شاء الله تعالى.

قال الصادق (ع): إنه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط ، من احتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله ، فأقرئهم السلام وقل لهم :

رحم الله عبداً أجترّ مودة الناس إلى نفسه ، حدّثوهم بما يعرفون واستروا عنهم ما ينكرون ، ثم قال :

والله ما الناصب لنا حرباً بأشد علينا مؤنة من الناطق علينا بما نكره ، فإذا عرفتم من عبد إذاعة ، فامشوا إليه وردّوه عنها ، فإن قبل منكم وإلا فتحمّلوا عليه بمن يثقل عليه ويسمع منه ، فإن الرجل منكم يطلب الحاجة فيلطّف فيها حتى تقضى له ، فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم ، فإن هو قبل منكم وإلا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم ، ولا تقولوا : إنه يقول ويقول ، فإنّ ذلك يحمل عليّ وعليكم .

أما والله لو كنتم تقولون ما أقول لأقررت أنكم أصحابي ، هذا أبو حنيفة له أصحاب ، وهذا الحسن البصري له أصحاب ، وأنا امرؤ من قريش قد ولدني رسول الله (ص) وعلمت كتاب الله ، وفيه تبيان كل شيء ، بدء الخلق وأمر السماء وأمر الأرض ، وأمر الأولين وأمر الآخرين ، وأمر ما كان وما يكون ، كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني .

قال الصادق (ع) : يا معلى!.. اكتم أمرنا ولا تذعه ، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه ، أعزّه الله به في الدنيا ، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة .

يا معلى !.. من أذاع أمرنا ولم يكتمه ، أذله الله به في الدنيا ، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة ، وجعله ظلمة تقوده إلى النار .

يا معلى !.. إن التقية من ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تقية له .

يا معلى !.. إن الله يحب أن يُعبد في السر ، كما يحب أن يُعبد في العلانية .

يا معلّى !.. إن المذيع لأمرنا كالجاحد له .(9)

وكأنه عليه السلام كان يخاف على المعلى القتل لما يرى من حرصه على الاذاعة ، ولذلك أكثر من نصيحته بذلك ، ومع ذلك لم تنجع نصيحته فيه وإنه قد قتل بسب ذلك.

ثم إن الإمام الصادق (عليه السلام) حين دعته قناعته الراسخة إلى النهوض بهذه الثورة الإصلاحية العارمة مترفعاً عن مسألة الحكم والخوض فيها، ما هادن الحكام في حياته قط، بل كان شديد الخصومة لهم، جريئاً في انتقادهم، دائم التعريض بهم، لا يتردد في صفعهم بلاذع كلامه ومواعظه كلما سمحت لذلك الفرص، ولا يخشى في ذلك العواقب ولا تأخذه في الله لومة لائم.

المصادر:

 1- الأئمة الاثنى عشر/ الأديب / ص172 / عن تاريخ العرب / ص179.

2- سيرة الأئمة الاثنى عشر / للسيد هاشم معروف / ج2 / ص276 / عن حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني / بحار الأنوار للمجلسي، 48: 166 / ج6، عن علل الشرائع / ص496.

3- سيرة الأئمة الاثنى عشر/ السيد هاشم معروف / ج2 / ص276.

4-) راجع ص 178 من هذا الجز.

5-) راجع ج 8 ص 246.

6-في ز: أن يداهنهم.

7- في ب وز: ولا يجب التلفظ.

8-  راجع ج 1ظ  ص 18ظ .

9- الكافي 2/222


وصايا الإمام الصادق ( عليه السلام )

مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع ابن أبي العوجاء

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)