• عدد المراجعات :
  • 1158
  • 11/1/2011
  • تاريخ :

فضل الغدير علي الحرّية اليوم

فضل الغدير علي الحرّية اليوم

إذا كان في بلادنا أوبلاد الغرب أو أيّ مكان آخر بعض الحرّية، فهي في أساسها مدينة للإمام أمير المۆمنين سلام الله عليه، مع فارق أنّ الحرّية الغربية خاطئة ومبتلاة بالإفراط والتفريط في حين إنّ الحرّية التي طبّقها الإمام سلام الله عليه حرّية صحيحة ومعتدلة لا إفراط فيها ولا تفريط.

مقارنة مبادئ الحرّية عند الإمام سلام الله عليه مع ما هو الموجود من الحريّات في الدول التي ترفع شعار الحرّية لنرى أيّهما أصدق وأبلغ؟

بعد مرور 25 سنة من الغصب والظلم وكبت الحريات، والتي كان من صورها أنّه حتى تدوين الحديث ـ بل روايته ـ كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه بالضرب والحبس(1)، وفي ظلّ أوضاع كهذه ـ حيث الحرّية مغيَّبة إلى هذا الحدّ والمشاكل تحيط بالأمّة من كلّ جهة ـ تسنّم الإمام سلام الله عليه زمام الحكم، فكيف تصرّف مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين كالخوارج بقيادة ذي الثدية، وأهل الشام بقيادة معاوية؟

عندما حلّ شهر رمضان المبارك في السنة الأولى من حكومة الإمام نهى صلوات الله وسلامه عليه أن تصلّى النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعةً وأوصى بأن تصلَّى فرادى، كما سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله، محتجّاً عليهم بقوله سلام الله عليه: إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من يشهدون أنّه صلى الله عليه وآله جاء إلى المسجد الليلة الأولى من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تۆدَّى جماعة ثم ذهب إلى بيته للصلاة (2).

فمن هنا كان منطلق الإمام سلام الله عليه في نهيه وأعلن ذلك وأوصى المسلمين أن يصلّوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادى سواء في المساجد أو في البيوت.

إلا أنّ أولئك الذين اعتادوا على أدائها كذلك طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم «واسنّة عمراه»، فماذا كان ردّ فعل الإمام سلام الله عليه؟

هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم، أو نفى أحداً منهم؟ هل أحالهم إلى المحاكم على أقلّ تقدير؟ كلاّ ثمّ كلاّ. فبالرغم من أنّه قال شيئاً واستدلّ عليه وكان استدلاله محكماً بحيث لم يستطع أحد أن يشكّك فيه حتّى أولئك الذين ما برحوا يختلقون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه، إلا أنّه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوّة ضدهم، بل على العكس من ذلك سمح لهم بممارسة ما يريدون، رغم أنّ ما وقع عليه النهي من ممارستهم تلك لم تكن حتى من الباطل المدلَّس بالحق بل كانت باطلاً واضحاً لا شكّ في بطلانها ولا شبهة، خصوصاً وأنّهم يعلمون أنّ علياً سلام الله عليه هو الإمام الحقّ(3)، والحاكم المتنفّذ الذي يجوز له أن يُعمل ولايته ويحكم بما يراه تتميماً لأمره واستتباب حكمه كما فعل من سبقه ـ على رأي القوم على أقلّ تقدير ـ ومع ذلك قال الإمام لابنه الحسن سلام الله عليه: قل لهم صلّوا (4).

والآن انظروا الى تدبير الامام سلام الله عليه ونهجه في الحرّية التي يۆمن بها وقارنوا بين هذا الموقف وبين ما تدّعيه أرقى الدول التي تزعم أنّها راعية الحرّية اليوم. أجل إنّ المسۆولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين ـ كما تفعل بعض الدول المسمّاة بالإسلامية مع الأسف! ـ ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلى أو جرحى واعتقال بعض وإحالتهم إلى المحاكم والسجون، مع أنّ ما يتبجّح به من حرّية المظاهرات ـ في دول ما تسمى بالحرّية ـ إنّما هي تجري بعد:

أ. استرخاص للمظاهرة.

ب. تعيين مكان وزمان انعقادها.

ج. تحديد الشعارات.

د. الجهة التي تتصدى للمظاهرة.

هـ . لزوم كون تلك الجهة لها صبغة رسمية سلفاً، و...

فما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلى الحرّية في ظلّ حكم الإمام أمير المۆمنين سلام الله عليه؟

والأعجب من هذا أنّ الإمام قد منح الحرّيات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، علماً أنّ الإمام كان رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوّة أو العدد، لأنّه كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم!!

قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنّها ليست الأقوى. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتّحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام أمير المۆمنين سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوى حكومة على وجه الأرض، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه آثر الحرّية على الاستبداد والفردية وأعلن للبشرية عملياً أنّه (لاَ إكرَاهَ في الدِّين)(بقره 256).

فلئن كان في العالم شيء من الحرّية اليوم فإنّما يعود الفضل فيه لإمامنا ومولانا أمير المۆمنين سلام الله عليه.

 

المصادر:

(1) وهذا ما جرى فعلاً من تهديد بعض الصحابة بالطرد والنفي، رغم أنّهم من أتباع السلطة وأنصارها. انظر تذكرة الحفّاظ للذهبي: ج1، ص7، كما أفرد البكري باباً له في كتاب عمر: ص171 باب منعه تدوين الحديث، فراجع.

(2) نهج الحق: ص289.

وظلّت هكذا الى أن تسلّم عمر الحكومة، فقال: «أرى أن يصلّي الناس هذه الصلاة جماعة». فصلاّها الناس كذلك وأسموها بـ «التراويح». روي عن عبد الرحمن بن عبد الباري قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هۆلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه. عن دلائل الصدق للمظفّر: ج3، ص78. صحيح البخاري بحاشية السندي: ج1، ص342 .

(3) كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيثما دار، الشافي في الإمامة للشريف المرتضى: ج1، ص202.

(4) روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال: لمّا قدم أمير المۆمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره أمير المۆمنين عليه السلام، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما السلام، صاحوا: وا عمراه وا عمراه! فلمّا رجع الحسن إلى أمير المۆمنين عليه السلام، قال: ما هذا الصوت؟ ... فقال أمير المۆمنين عليه السلام: قل لهم صلّوا. تهذيب الأحكام: ج3، ص70، باب4 ـ فضل شهر رمضان والصلاة زيادة فيه على النوافل المذكورة في سائر الشهور، ح 30.


 المنافقون في ظلّ عليّ عليه السلام 

 الغدير والخوارج بعد صفين 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)