• عدد المراجعات :
  • 714
  • 9/21/2011
  • تاريخ :

تكوين الصهيونية

تكوين الصهيونية

الصهيونية دعوة إجتماعية سياسية انتشرت في الامة الاسرائيلية باواخر القرن الماضي و کثر تحدث الناس فيها بالاعوام الاخيرة . و لا بدلنا في بحثنا عن احوال تلک البلاد الاجتماعية و الاقتصادية من الاشارة الي هذه الدعوة و تأثيرها الشديد في تلک الاحوال .فرأينا ان ناتي علي خلاصة تاريخها و حقيقة غرضها لزيادة الايضاح فنقول.

موضوعها

قد تقدم في کلامنا عن تاريخ فلسطين في الهلال الماضي کيف تشتت اليهود في انحاء العالم بعد ان جاهدوا في الدفاع عن اورشليم دفاع الاسود .وقد مضي عليهم في هذه الهجرة نحو 18 قرنا و هم يندبون وطنهم و دولتهم و هياکلهم . و لا سيما هيکل سليمان الباقية آثاره في القدس الي الان. و قد حاولوا استرداد ذلک الوطن عبثا و نظموا الاشعار في رثائه . و لا يزالون الي اليوم يبکون ذلک المجد الذاهب کل اسبوع عند احجار يعتقدون انها من بقايا هيکل سليمان و قد حاول اليهود المهاجرون السعي في استرجاع ذلک الوطن غير مرة باساليب مختلفة آخرها الحرکة الصهيونية التي نحن في صددها.

و لا بد لکل دعوة إجتماعية أو سياسية من غرض ترمي اليه و غرض الصهيونية « جمع الشعب الاسرائيلي في فلسطين و جعلها وطنا خاصا به » و هي مبنية من الوجهة الدينية علي آيات جاءت في سفر ارميا الفصل 30 حيث يقول « لا تخف يا عبدي يعقوب يقول الرب و لا تفزع يا إسرائيل فإني اخلطک من الغربة و ذريتک من ارض جلائهم فيرجع يعقوب و يستقر في الراحة والخصب و لا يرعبه أحد» و في حزقيال (ص 39 عدد28 ) « فيعلمون اني انا الرب الههم باجلائي اياهم الي الاثم ثم جمعي اياهم الي ارضهم بحيث لا أبقي هناک منهم احدا من بعد » و في عاموس قول صريح (ص 9: 14 ) « واردّ شعبي اسرائيل فيبنون المدن المخربة و يسکنونها و يغرسون کروما يشربون من خمرها و ينشئون جنات يأکلون من ثمرها و اغرسهم علي ارضهم فلا يقتلعون فيما بعد من ارضهم التي اعطيتها لهم ».

و هناک نبوات أخري بهذا المعني او نحوه في زکريا و اشعيا و ميخا و غيرها .ماعندهم من الاعتقاد بالمسيح الذي سيأتي و يجمع بني اسرائيل حوله و يزحف علي القدس و يعيد العبادة للهياکل و غير ذلک مما جاء في التلمود.

علي ان هذه الاقوال و امثالها لا تکفي لاجماع الامة علي العمل بها ان لم يتوقع اصحابها نفعا اقتصاديا او سياسيا من ورائها او ان يدفهم للعمل جوع او اضطهاد او ظلم .و کم من اعتقاد يعتقده الناس و لا يجتعون للعمل له لعجزهم عن ذلک او لعدم الاضطرار اليه؟ و انما يجتمعون للعمل في ما يرون لهم فيه مصلحة حقيقية .يتذرعون الي الاجتماع غالبا باسباب دينية يتوکلون عليها و يؤولونها الي ما يساعدهم علي ذلک القيام و لا بد في مثل هذه الحال من محرک ببعث علي النهوض و قد بعث اليهود علي هذه الحرکة امران :

 الاول تمکن الروح الملية من نفوسهم علي اثر الارتقاء الاجتماعي و العلمي في العالم المتمدن .فان شيوع الحرية الشخصية ولد في نفوس الامم عصبية عنصرية غلبت علي الجامعات الاخري .وبهذه العصبية يطلب المجر التخلص من النمسا و يحاول البلقانيون الخروج من سلطة ترکيا. و البلقانيون انفسهم يتحاربون الان باسم العنصرية مع انهم من مذهب واحد و ا قليم واحد.

و الامر الثاني  مبالغة الامم النصرانية في امتنان اليهود باسم الانتسميتزم (antisemitism) و معني اللفظة « مقاومة الساميين» لکنهم يريدون بهم اليهود خاصة . فآل ذلک إلي إجتماع کلمة اليهود باوروبا و فيهم طائفة حسنة من اصحاب الاموال و رجال السياسة و العلم و أهل الهمة و النشاط فأخذوا يبحثون في الدفاع عن امنهم .و آنسوا في انفسهم المقدرة علي العمل بتلک الايات فوجهوا عناياتهم اليها، فأخذ کتابهم يحرضون قومهم علي الاستعمار في فلسطين للتخلص من اضطهاد الامم لهم .و قال بعضهم:

« اذا لم يکن ابتياع فلسطين ممکنا فلنطلب وطنا في مکان آخر علي وجه هذه البسيطة».

و نشط آخرون لاستنطار الجمعيات الخيرية الاسرائيلية کجمعية الاتحاد الاسرائيلي علي القيام بهذا العمل سنة 1863 و لکن هذه الجمعية غرضها الرئيسي تهذيب الشبيبة اليهودية .و حاول غيرهم استنهاض جمعية اليهود الانکليزية في لندن و جمعيتهم في برلين فترتب علي ذلک تأسيس الجمعية العمومية الفلسطينية و جمعية الاستعمار الفلسطيني .لکن الدعوة لم تکن نضجت بعد فلم تأت هذه المساعي بثمرة .فوجهوا التفاتهم الي وادي الفرات لعله يصح أن يکون مهجرا لهم.و بذل السياسي اولفانت الانکليزي جهده في نيل امتياز خط حديدي في ذلک الوادي ليسکن فيه مهاجري اليهود من روسيا.و اقترح إنشاء مهجر يهودي في فلسطين بنواحي السلط علي أن تتألف جمعية رأس مالها عشرة ملايين فرنک تبتاع مليون فدان يستثمرها يهود بولندا و رومانيا و الاناطول. فلم يأذن لهم السلطان و قضي علي ذلک سائر مساعيهم في هذا السبيل.

لکن روح الصهيونية اخذت تتمکن من قلوب اليهود. و هم يزدادون تمسکا بالعنصرية کلما زاد مقاوموهم شدة . فکثرت الجمعيات التي تألفت لهذه الغاية . و اول جمعية افلحت في  استثمار ارض فلسطين نشأت سنة 1879 و لما التأم المؤتمر الاسرائيلي سنة 1884 للنظر في احوال المستعمرين والاخذ بناصرهم حضره مندبون عن خمسين جمعية فازداد القوم نشاطا و بلغت الحرکة اشدها سنة 1894 و اوشکوا ان يبلغوا غايتهم لکن العثمانيين انتبهوا لاغراضهم فحالوا بينهم و بين ما يريدون . ولم يستقر عملهم علي قواعد متينة الا بعد ظهور تيودور هرتسل صاحب الدعوة الصهيونية .

و هو رجل نمساوي شديد الغيرة علي العنصر الاسرائيلي عالي الهمة قوي الحجةُ کتب و هو في باريس سنة 1895 کتابا في استعمار اليهود سماء « الوطن الاسرائيلي» لم يزعم أنه يستنهض به الهمم أو يستثير العزائم بل قال أنه کتبه لنفسه و لا يقاف بعض اصدقائه علي آرائه. ولکن الکتاب ما لبث ان طبع في فينا بالنمساوية حتي نقل الي الفرنساوية و الانکليزية و العبرانية و اعيد طبعه مرارا و راج رواجا عظيما. وحرک الهمم فوق ما کان يتوقع الناس منه. و قد عارضه کثيرون لکن المجاري الاجتماعية اقتضت ظهورثمره لان فکرة استعمار اليهود لفلسطين کانت قد نضجت و استعدت لها الاذهان و تاقت اليها النفوس

و خلاصة آراء هرتسل في ذلک الکتاب « ان اعداء الساميين آخذون في الازدياد و لا يستطيع اليهود مقاومتهم لتشتت شملهم في الارض فهم في حاجة الي الاجتماع في وطن خاص بهم » فاقترح انشاء شرکة يهودية اقتصادية رأسمالها 50000000 جنيه مرکزها لندن. و ان تتألف جمعية سياسية يهودية تدبر اعمال هذه الشرکة و تشير عليها بما ينبغي عمله . و اقترح للقيام بذلک ابتياع فلسطين او الارجنتين علي ان ينتقل اليها اليهود انتقالا منتظما. ثم عدل هرتسل رأيه هذا فحصر طلبه باستعمار فلسطين دون سواها لعلمه ان الناس لا يساقون بمثل الشعائر الدينية و اليهود هجروا فلسطين و قلوبهم في هيکل سليمان

و لم تمض سنة علي نشر آراء هرتسل حتي اقبلت الجمعيات علي الاخذ بها . واول من فعل ذلک جمعية اليهود النمساوية فوقع بضعة آلاف منهم سنة 1896 علي خطاب يطلبون فيه تأسيس جمعية يهودية في لندن ، غير من أخذ برأيه و تعصب له من الناشئة المتألمين من مقاومة اليهود. علي ان طائفة کبيرة من الحاخامين في روسيا و المانيا و النمسا و انکلترا عارضوه في باديء الرأي لانه لم يعتبر الوجهة الدينية من المسألة کما ينبغي . و لان أتباعه أکثرهم من الشبان المتنورين و اتهموهم بکل قبيح . وکان المسيحيون أشد عطفا علي الصهيونية من اولئک الحاخامين فنصروها باقلامهم و السنتهم و من جملة العقبات التي قامت في طريق الصهيونية مسألة التعليم لان الحاخامين اعتبروا نشر العلوم العصرية من قبيل الخروج علي الاداب الدينية . واشاعوا ان الصهيونية من آلات الکفر. فلما رأي هرتسل من الحکمة مسالمة رجال الدين فاعترف ان الصهيونية تشمل السعي في احياء شعائر الدين فضلا عن الاقتصاد و السياسة.

أعمال الصهيونية و وسائلها

قد يستغرب القاريء نجاح هذه الدعوة في هذه المدة القصيرة . لکنه اذا علم الغرض و الوسيلة هان عليه ذلک . دعا هرتسل الشعب اليهودي من انحاء العالم المتمدن الي مؤتمر اجتمع في باسل سنة 1989 حضره نيف و مثنا عضو بعضهم يمثلون جماعات . و کانت الاذهان متأهبة لقبول الدعوة فلم يکتفوا باعلانها ـ و هي ايجاد و طن شرعي للشعب الاسرائيلي في فلسطين بل بحثوا في الوسائل المؤدية الي نشرها و تأييدها فقرروا لذلک ثلاث وسائل من ارقي الوسائل المؤدية الي النجاح و هي :

1ـ احياء آداب العبرانية و نشرها

2ـ إنشاء مدارس لتعليم اللغة العبرانية

3ـانشاء شركات مالية مشترکة لليهود

و اخذوا بعد انفضاض هذا المؤتمر في تأييد هذه القرارات بنشر الکتب و القاء الخطب في اللغات العبرانية والالمانية والفرنسية والانکليزية والعربية .وشکلوا عمدة للاستعمار الاسرائيلي . فلما انعقد المؤتمر الثاني في فينا ثم في باسل سنة 1898 ظهرفي التقارير التي تليت في ذلک الاجتماع ان الجمعيات الصهيونية القائمة بذلک العمل تضاعفت کثيرا واصبح عددها 150 جمعية .فأخذ اعداؤها يتقربون منها وآمن بمباديها کثيرون من رجال الدين . و تقرر في هذا المؤتمر تعيين جمعية خاصة بالاستعمار غرضها توسيع نطاقه وان تکون اللغة العبرانية هي لغة اليهود حيثما وجدوا و قس علي ذلک ما جري في المؤتمرات التالية .فانعقد المؤتمر الثالث في باسل ايضا وکانت ابحاثه اکثرها في نيل امتياز من السلطان عبد الحميد لم يسفرعن نتيجة ، و بلغ عدد الجمعيات الروسية فقط 877 جمعية .و عدد المنتظمين في عضوية الجمعية 250000 شخص . و  انعقد المؤتمر الرابع في لندن سنة 1900 و الخامس في باسل سنة 1901 و في هذا المؤتمر تقرر عقد مؤتمر عمومي کل سنتين. غير المؤتمرات الفرعية في اثناء السنتين.

اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي

القسم العربي : تبيان


دور الأمم المتحدة في صيانة حقوق الإنسان

حقوق الإنسان في نظام الجمهوريه الإسلاميه

انتهاک حقوق الإنسان في معسکر أشرف

الملف الأسود للغرب في مجال حقوق الإنسان

رؤية الإمام علي ( عليه السلام ) لحقوق الإنسان

ظهر الفساد

مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)