• عدد المراجعات :
  • 1969
  • 9/18/2011
  • تاريخ :

مفهوم التعليم عند الإمام علي عليه السلام

ابا الحسنين

تربية الإنسان وتعليمه ، عملية أساسية اضطلعت بها الأسرة أولاً ، وتولت مهمة القيام عليها منذ نعومة أظفار هذا الكائن الحي ، ثم توالت على ممارستها مؤسسات مختلفة لهذه الغاية .

ولقد اختلفت الآراء حول مضمون هذه العملية ، وذلك لاختلاف الأنماط الثقافية والحضارية والتربوية لكل أمة من الأمم ، لكنها اتفقت جميعها على كونها طريقة إعداد للحياة ، كما اختفت في معنى كل من التربية والتعليم ، فمنهم من استعملها بمعنى واحد ، ومنهم من ميز بينهما .

والواقع أن مفهوم التربية يختلف عن مفهوم التعليم . وعدم التمييز بينهما يؤدي إلى تفكك الأساليب التربوية وتشويش شخصية الطفل ، لأن تزويده بأنواع العلوم والثقافات قبل تهيئة التربة الصالحة لها ، إنما معناه البنيان على الرمال .

ولقد ميز ( دي نوي ) بين التربية والتعليم فقال : ( فتربية الولد تقوم على تهذيب سجاياه الخلقية وتعليمه المبادئ الأساسية الثابتة التي يعترف بها الإنسان في كل البلدان ، وإنماء الكرامة الإنسانية فيه منذ نعومة أظفاره .

أما تعليمه فهو تغذيته بالمدنية التي جمعها الإنسان في مختلف الحقول . والتربية تصوب أعماله وتوحي إليه سلوكه في علاقاته مع الناس ، وتساعده على تملك زمام نزواته .

أما التعليم فيوفر له عناصر نشاطه الفكري ويعرفه بحالة التمدن الحديث . تعطيه التربية أسس الحياة التي لا تتبدل ، ويمكنه العلم من التكيف حسب تبدلات محيطه ، ومن ربط هذه التبدلات بالحوادث الماضية والمستقبلية ) .

فتربية الطفل إذن تبدأ قبل تعليمه ، ولا يخفى أثر هذه التربية الأولى على شخصيته ، إذ على مبادئها ومعطياتها يدرج وينمو ويبني كياناً مستقبلاً فاعلاً .

وهذا ما يفسر ضخامة البناء الفكري الذي يشيده خلال سنيه الأولى ، حيث تعمد التربية إلى كشف وإبراز ما يتمتع به من ميول ومواهب وقدرات وأهداف ليمارسها فيما بعد بالتعليم والعليم اللذين ليساهما ، كما يقول أخوان الصفاء ، ( سوى إخراج ما في القوة يعني الإمكان ، إلى الفعل يعني الوجود ) .

أولاً :التربية

إن تربية الطفل إذن ، يجب أن تبدأ منذ المهد ، وذلك بتنشئته على الأخلاق الفاضلة والعادات الحسنة ، قبل أن يبدأ باكتساب العلوم أو يتشوه سلوكه بالعادات السيئة . يقول ( دي نوي ) : ( وعلى التربية الأولى أن تكيف أخلاق الولد ما دام دماغه ليناً خلواً من كل أثر وينبغي أن يتم هذا العمل الإعدادي قبل أن يكون احتكاك شخصيته بالعلم قد كوّن عادات يصبح من الضروري محاربتها يوماً ما ) .

ولا شك في أن هذه الفترة ، من حياة الطفل إنما هي من أنسب الفترات وأخصبها وأكثرها أثراً على حياته ومستقبله ، وذلك أنه ( بقدر ما يكون الولد حديث السن ، يسهل الحصول على نتيجة تربيته ، فتنطبع القواعد فيه انطباعاً لا يمحى ، وتأتي التأثيرات الأخرى الناتجة عن احتكاكه بالمحيط فلا تزيل أثرها .

أما إذا جاءت القواعد الخلقية المعقدة وفرضت على الولد ، بعد أن يكون سلك سلوكاً شخصياً ، فلسنا نتمكن من محو الارتكاسات الذاتية ) .

ولقد تحدث الإمام علي ( عليه السلام ) عن هذا الأمر قبل ذلك بآلاف السنين .

إذ يرى وجوب مباشرة الحدث بالتربية وتعهده بها ، قبل أن يقسو قلبه أو ينشغل عقله بالعقائد والعادات السيئة التي تهجم عليه وتطبع سلوكه إذا ما وجدت سبيلاً لها إلى عقله ، الذي يصوره الإمام ( عليه السلام ) بقوله : كـ( الصفحة البيضاء ) أو كـ( الأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته ) .

وهكذا ، فقلب الحدث خال من الانتقاش بالعقائد مع استعداده لتقبل ما يلقى إليه من خير أو شر كما يقول الغزالي : ( وقلب الطفل الطاهر ، جوهرة نفيسة ساذجة عن كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما نقش ، ومائل إلى كل ما يمال به إليه ، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة . . وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ) .

نستنتج من ذلك أن المعرفة لا تولد مع الشخص ، وإنما يولد معه الاستعداد لتحصيلها ، وهذا هو معنى وجود العلم بالقوة في النفس الإنسانية . وهو قابل للتعلم منذ صغره ، لأن حواسه ومداركه تكون منفتحة ومتيقظة ومستعدة لتقبل ما يلقى إليها ، ( فإنه في الوقت والساعة تدرك حواسه محسوساتها ) .

وظائف التربية :

ولا تقتصر وظيفة التربية على إعداد الإنسان أخلاقياً صالحاً بل هي تمتد لتلعب دورها في تطور البناء الاجتماعي من خلال : نقل التراث الثقافي وتغيير كيان الفرد والمجتمع .


عظمة النفس و الغيرة في نهج البلاغة

الفصاحة والجمال في نهج البلاغة

بلاغة الإمام علي عليه السلام

عقله الجبار ينظم عاطفته

ماهي التقوى؟

الفضيلة مصدر القيمة الاجتماعية

التغيير الفردي والاجتماعي في نهج البلاغة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)