• عدد المراجعات :
  • 1612
  • 9/17/2011
  • تاريخ :

كيف تكون شهيداً؟

الشهید

لا شكّ أنّ الشهادة نعمة إلهيّة يمنحها الله سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.

يقول الإمام الخميني قدس سره : "إنّ الاستشهاد بالنسبة لنا فيض عظيم".

ولكن هذا لا يعني أنّ الله سبحانه وتعالى يمنحها لأيٍّ كان، وبشكل عشوائيّ، يقول الإمام الخميني قدس سره: "الشهادة هديّة من الله ـ تبارك وتعالى ـ لمن هم أهل لها"1 .

فعلى الإنسان أن تتوّفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتّى يمنّ الله تعالى عليه بها.

كيف نكون أهلاً للشهادة؟

هناك صفات يجب أن يتحلّى بها الإنسان حتّى يكون مستعدّاً للفيض الإلهيّ ومستحقّاً لمنصب الشهادة، وتتلخّص بالتالي:

1ـ هدف الشهيد:

من المعروف في الإسلام أنّ النيّة هي أساس العمل, كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما الأعمال بالنّيات"2 ، فمن الطبيعيّ أن يكون أوّل أمر يجب توفّره هو خلوص النيّة لله سبحانه وتعالى.

وهذا أمر يؤكّد عليه الإمام الخميني قدس سره في كلماته حيث يقول في بعضها: "أيُّها الشهداء! إنّكم شهود صدق، والمذكِّرون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذيّة، وأفضل الأمثلة لعباد الله المخلصين، فقد أثبتّم انقيادكم لله تعالى، وتعبَّدكم له ببذلكم الدماء والأرواح".

ويقول قدس سره: "أن يُضحّي بنفسه من أجل الهدف لا من أجل الهوى... وهذا هو ديدن رجال الله".

هذا الإخلاص الّذي يجب أن يتعمّق حتّى يصل إلى مرحلة العشق! فالإخلاص المطلوب ليس مجرّد كلمة تُقال على اللسان او اعتقاد يتصوّره العقل، وإنّما المطلوب أن تُصبح كلّ خفقة في قلبه تُسبِّح الله سبحانه وتعالى وتهتف باسمه، حتّى يصير المرء عاشقاً لله سبحانه وتعالى، لا يعرف قلبه سواه.

ويُشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحالة قائلاً: "ما أشدّ غفلة عبيد الدنيا الأغبياء، الّذين يبحثون عن معنى الشهادة في صحف الطبيعة، ويفتّشون عن أوصافها في الأناشيد والملاحم والأشعار، ويجنّدون فنّ التخيّل وكتاب التعقّل لكشفها. هيهات وأنّى لهم ذلك، فلا حلّ لهذا اللغز إلّا بالعشق".

2ـ حبُّ لقاء الله وتمنّي الشهادة

إنّ من صفات المتقين الّتي أكّدت عليها الروايات وذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتّقين، حبُّ لقاء الله حتّى كادت أرواحهم تخرج من أجسادهم: "ولولا الأجل الّذي كُتب لهم، لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب".

نعم أولياء الله مشتاقون لذلك اللقاء، يقول الإمام الخميني قدس سره: "دع أولئك المفترسين الّذين لا يُفكِّرون إلّا بأنفسهم ويأكلون كما تأكل الأنعام، يفكّون قيود عشّاق سبيل الحقّ من أغلال الطبيعة ويوصلونهم إلى فضاء جوار المعشوق"3.

ولذلك فإنّ تمنّي الشهادة هو تمنّي لقاء الله تعالى على أفضل وجه يُحبّه ويرضاه، وهذا ما يتمنّاه أولياء الله على الدوام.

وقد ورد في روايّة عن أمير المؤمنين عليه السلام: "... فقُلت: يا رسول الله، أوليس قد قُلت لي يوم أُحُد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحِيزت عنّي الشهادة، فشقّ ذلك عليّ فقُلت لي: أبشر فإنّ الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟ فقُلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر!"4.

وعنه عليه السلام: "فو الله إنّي لعلى الحقّ، وإنّي للشهادة لمحبّ"5.

هكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام عاشقاً للشهادة، وهكذا يجب أن يكون أتباعه ومحبّيه، ويُعلِّق الإمام الخميني قدس سره على قول أمير المؤمين عليه السلام: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمِّه"6 ، قائلاً: "أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول ذلك لأنّه كان يعرف ما هي الدنيا وما هو عالَم الغيب، كان يعرف معنى الموت، وأنّ الموت حياة، نحن قدّمنا الشهداء لكن شهداءنا أحياء، أحياء عند ربّهم يُرزقون، خالدون، ونحن أيضاً نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للشهادة، لحظة واحدة تتبعها سعادة دائمة، عناء لحظة واحدة يتبعها السعادة الأبديّة والدائمة!".

هكذا كان أولياء الله على الدوام، كما يُخبر الإمام قدس سره: "لا بُدّ من اجتياز هذه المرحلة ولا بُدّ من السفر، فليكن في سبيل الإسلام وفي خدمة الشعب المسلم، ولتكن شهادة وفوزاً بلقاء الله، وهذا ما كان يتمنّاه أولياء الله العظام ويطلبونه بإلحاح في مناجاتهم من العليّ القدير"7.

وهكذا يجب أن يكون شيعة عليّ عليه السلام وكلّ مخلص يعمل في سبيل الله يقول الإمام قدس سره: "إن كنّا نعتقد بالغيب فعلينا أن نشكر الله تعالى لكي نُقتل في سبيله وندخل في زمرة الشهداء"8.

"نحن خاضعون أمام التقدير الإلهيّ ونُطيع أوامره، ولذلك فإنّنا نطلب الشهادة منه، ولهذا أيضاً لا نتحمّل الذلّة والعبديّة إلّا لله تعالى"9.

"عبر هذا الهدف يحتضن جميع الأولياء الشهادة ويعتبرون الموت أحلى من العسل، وإنّ أبناءكم في جبهات القتال، قد نالوا جُرعاً منها وأخذهم الوجد وتجلّى ذلك في أمّهاتهم وأخواتهم وآبائهم وإخوانهم، فلا بُدّ أن نقول "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً" هنيئاً لهم ذلك النسيم العطر والتجلّي المبهج"10.

"كم هم سعداء أولئك الّذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهايّة عمرهم الفيض العظيم الّذي يتمنّاه كلّ عشّاق لقاء المحبوب"11.

نعم إنّ هذا الشعب الّذي خرجت منه مواكب الشهداء كانت سمته الأساسيّة حبّ الشهادة وعشق لقاء الله سبحانه وتعالى.

يتحدّث الإمام الخميني قدس سره عن هذا الواقع في الكثير من كلماته، حيث يقول في بعضها: "يتوارث الأولياء الشهادة كلٌّ من الآخر، وإنّ شبابنا الملتزمين يدعون الله دائماً لنيل الشهادة في سبيله"12.

"أنتم تلاحظون أنّ جميع شبابنا الّذين استشهدوا كانوا جميعاً من المقبلين على الشهادة".

3 ـ الزهد بالدنيا

قيمة الدنيا أنّها مزرعة الآخرة ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كلّ ذلك ونظرنا إليها نظرة مادّيّة، فلن يكون لها أيّ قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: "كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 13بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يُقاروا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز 14"15.

هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)16.

وقد أكّد الإمام الخميني قدس سره على ذلك في كلماته: "إنّ الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقلّ بكثير من أن تكون جزاءاً ورتبة للمجاهدين في سبيل الله".

"إنّ المجاهد في سبيل الله أسمى من أن يُقيّم عمله النفيس بزخارف الدنيا".

"... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلّقاتها"17.

4 - الارتباط بمدرسة عاشوراء

إنّ تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء

إلى بارئهم مخضّبين بدمائهم، "القتل لنا عادة".

وإلى ذلك يُشير الإمام الخميني قدس سره في كلماته: "نحن لا نُبالي إذا سُكبت دماء شبابنا الزاكيّة في سبيل الإسلام، لا نُبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزّائنا، إنّه الأسلوب المرضي المتّبع لدى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام منذ ظهور الإسلام إلى اليوم"18.

"منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمّد وعليّ، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوّة والولاية إلى ذراريهم وأتباع منهاجهم"19.

"لقد قدّمت أمّة الإسلام من محراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مرّ تاريخ التشيُّع الأحمر، قدّمت ضحايا قيّمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل ا لله"20.

فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبيّة على المجتمع ولن يتسبّب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.

إنّ ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كُتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كلّ أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكلّ ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهيّة، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تُخرِّج ببركتها قوافل الشهداء على مرِّ التاريخ.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "مهما كان، فإنّ قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشّاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يُمكن توصيف مجاهداتهم وبطولاتهم وخيراتهم وبركاتهم، هؤلاء الأبناء المعنويّين لكوثر فاطمة الزهراء عليها السلام وبالتأكيد فإنّ هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت عليهم السلام، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء عليه السلام"21.

5 ـ الإرتباط بالشهداء

وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخيّة العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً و زيادة الارتباط بهم، والتعرُّف على روحيّتهم ومسلكيّتهم وقراءة وصاياهم، لأنّ ذلك كلّه يُقرّب روحيّة الإنسان من روحيّتهم، حتّى يصير واحداً منهم، جاهزاً لتلقّي هذا الفيض الإلهيّ الّذي تلقّوه، وهو الشهادة.

وقد أكّد الإمام الخميني قدس سره في الكثير من المناسبات، أنّ الشهداء يُعتبرون قادة المسيرة، وأنّهم المعلِّمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فممّا قاله في هذا السياق: "إنّ قائدنا هو ذلك الطفل ذو الإثني عشر عاماً  22صاحب القلب الصغير، الّذي يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً، الّذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبّابة العدو ففجّرها محتسياً شراب الشهادة".

"الّذين أوقدوا ـ بدمائهم الطاهرة ـ مشاعل طريق الحرّيّة لكلّ الشعوب المكبّلة".

"إنّ من كلّ شعرة تمسّ أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصمّمون"23.

6 ـ العزم الراسخ والهمّة العالية

يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيُّها الشهداء إنّكم شهود صدق والمذكِّرون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذيّة لخير عباد الله المخلصين، الّذين سجّلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبوديّة والانقياد إلى المقام الأقدس للحقّ جلّ وعلا، وجسّدوا في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدوّ، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان"24.

ويقول أيضاً: "العزم الراسخ والهمّة العالية للشهداء، ثبّتت قواعد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزّة والشرف تُنير الدروب لهدايّة الأجيال المتعطِّشة"25.

الشهيد الحيّ

هناك بعض المجاهدين ممّن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنّه لم يوفّق لها، ولم تكن من نصيبه!

وقد نأسف عندما نجد مجاهداً مات على فراش المرض في نهايّة الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد.

إنّ هذا الأسف في غير محلّه، لإنّك إن أصلحت نيّتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنّيت الشهادة، وارتبطت بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرّد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حيّ، وهذا ما تؤكِّده الروايات.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"26.

وفي روايّة أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أُعطيها ولو لم تُصبه"27.

إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطّهم واحمل بين جنبيك روحيّتهم، فستكون شهيداً.

اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي – تبيان

هوامش

 1- صحيفة نور، جزء 10، ص 111.

2- وسائل الشيعة، ج1، ص 49.

3- صحيفة نور، جزء 15، ص 51.

4- بحار الأنوار، ج 32، ص 241.

5- م. ن، ج30، ص26.

6- بحار الأنوار، ج 28، ص 234.

7- صحيفة نور، جزء 15، ص 122.

8- م.ن، جزء 1، ص 72.

9- صحيفة نور، جزء 20، ص 237.

10- صحيفة نور، جزء 21، ص 203.

11- م.ن، جزء 17، ص 56.

12- م.ن، جزء 11، ص 39.

13- سورة القصص، الآية: 83.

14- عفطة العنز، ما تنثره من أنفها.

15- نهج البلاغة ج 1، ص 36، من الخطبة 3، المعروفة بالخطبة الشقشقية.

16- سورة آل عمران، الآية: 157.

17- صحيفة نور، جزء 19، ص 296.

18- صحيفة نور، جزء 5، ص 269.

19- م.ن، جزء 15، ص 154.

20- م.ن، جزء 15، ص 252.

21- صحيفة نور، جزء 20.

22- إشارة إلى الشهيد حسين فهميده أحد أفراد التعبئة، والذي قام بعملية استشهادية حيث فجّر نفسه بدبّابة عراقية من خلال حزام ناسف كان معه - رغم صغر سنه -.

23- من كلمة ألقاها بتاريخ (11/2/58).

24- صحيفة نور، جزء 19، ص 296.

25- صحيفة نور، جزء 20، ص 59.

26- بحار الأنوار، ج 67، ص 201.

27- م. ن، ج 67، ص 201.


مقارنة بين صنع الله وصنع البشر لتوضيح معنى المعرفة الفطرية(2)

 مقارنة بين صنع الله وصنع البشر لتوضيح معنى المعرفة الفطرية(3)

الماركسية واللاأخلاق

نشأة العرفان و التصوف عند المسلمين

طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة

علم الكلام و رصد الحركات الإلحادية

الوجودية عند المعتزلة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)