• عدد المراجعات :
  • 1899
  • 9/17/2011
  • تاريخ :

الطرق الصحيحة إلى معرفة الله

معرفة الله

إِنَّ ذاتَه سبحانه و أَسماءَه و صفاتَه و أَفعالَه، و إنْ كانت غيرَ مسانخة لمُدْرَكات العالَم المحسوس، لكنها ليست على نحو يستحيل التعرفُ عليها بوجه من الوجوه. و من هنا نجد أَنَّ الحكماء و المتكلمين يسلكون طرقاً مختلفة للتعرف على ملامح العالَم الرُّبوبي، و هم يرون أَنَّ ذلك العالم ليس على وجه لا يقع في أُفق الإِدراك مطلقاً، بل هناك نوافذ على الغيب عقليةٌ و نقليةٌ، يُرى منها ذلك العالم الفسيح العظيم.

وها نحن نشير إلى هذه الطرق:

الأول - الطريق العقلي

إِذا ثبت كونه سبحانه غنياً غيرَ محتاج إلى شيء، فإِنَّ هذا الأَمر يمكن أَنْ يكون مبدأً لإِثبات كثير من الصفات الجلالية، فإِنَّ كل وصف استلزم خللا في غناه و نقضاًله، انتفى عنه ولزم سلبُه عن ذاته.و قد سلك الفيلسوف الإِسلامي نصير الدين الطوسي هذا السبيل للبرهنة على جملة من الصفات الجلالية حيث قال: « ووجوب الوجود يدل على سَرْمَدِيَّتِه، و نفي الزائد، و الشريك، و المِثْل، و التركيب بمعانيه،

 و الضَّدّ، و التَّحَيُّز، والحُلول، و الإِتحاد، و الجهة، و حلول الحوادث فيه، و الحاجة، و الأَلم مطلقاً و اللذة المزاجية، و المعاني و الاحوال و الصفات الزائدة و الرؤية» .

بل انطلق المحقق من نفس هذه القاعدة لإِثبات سلسلة من الصفات الثبوتيّة حيث قال: « ووجوب الوجود يدل على ثبوت الوجود، والمُلْك،

والتّمام، والحقيّة، والخيريّة، والحكمة، والتجبر، والقهر، والقيوميّة» (1).

و قد سبقه إلى ذلك مؤلِّف الياقوت إذا قال: « و هو (وجوب الوجود) ينفي جملة من الصفات عن الذات الإِلهية و أَنَّهُ ليس بجسم، و لا جوهر، ولا عرض، ولا حالاًّ في شيء ولا تَقُوم الحوادث به وإِلا لكان حادثاً» (2).

و على ذلك يمكن الإِذعان بما في العالم الرُّبوبي من الكمال و الجمال بثبوت أصل واحد و هو كونُه سبحانَه موجوداً غنياً واجبَ الوجود، لأَجل بطلان التسلسل الذي عرفته. و ليس إِثباتُ غناه و وجوبِ وجودهِ أَمراً مُشكلا على النفوس.

ومن هذا تنفتح نوافذ على الغيب و التعرف على صفاته الثبوتية والسلبية، وستعرف البرهنة على هذه الصفات من هذا الطريق.

الثاني: المطالعة في الآفاق و الأَنْفُس

 من الطرق و الاصول التي يمكن التَّعرفُ بها على صفات الله، مطالعة الكون المحيط بنا، و ما فيه من بديع النظام، فإِنه يكشف عن علم واسع و قدرة مطلقة عارفة بجميع الخصوصيات الكامنة فيه، و كلِّ القوانين التي تسود الكائنات. فمن خلال هذه القاعدة و عبر هذا الطريق أي مطالعة الكون، يمكن للإِنسان أنْ يهتديَ إلى قسم كبير من الصفات الجمالية.

و بهذا يتبين أَنَّ ذات الله سبحانه و صفاته - بحكم أَنها ليس كمثلها شيء ليست محجوبةً عن التعرُّفِ المُطْلَق و غيرَ واقعة في أٌفق التعقل، حتّى نعطل العقول ونقول: «إنما أُعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإِدراك الربوبية ». و قد أَمر الكتاب العزيز بسلوك هذا الطريق. يقول سبحانه: { قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الاَْرْضِ}(3). و قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَات لاُِّوْلِي الاَْلْبَابِ}(4). و قال سبحانه: {إِنَّ فِي اخْتِلافِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الاَْرْضِ لآَيَـات لِّقَوْم يَتَّقُونَ}(5).

و قد سلك هذا الطريق المحقق الطوسي في إثبات صفة العلم و القدرة حيث قال: « و الإِحكامُ والتَجَرّدُ و استنادُ كلِّ شيء إليه دليلُ العلم».

الثالث: الرجوع إلى الكتاب و السنَّة الصحيحة

 و هناك أَصل ثالث يعتمد عليه أَتباع الشرع، و هو التعرف على أَسمائه  و صفاته و أَفعاله بما ورد في الكتب السماوية و أَقوال الأَنبياء و كلماتهم ، و ذلك  بعدما ثبت وجودُه سبحانه و قسمٌ من صفاته، ووقفنا على أنَّ الأَنبياءَ مبعوثون من جانب الله و صادقون في أَقوالهم و كلماتهم.

و باختصار، بفضل الوَحْي - الذي لا خطأ فيه ولا زَلَل - نَقِفُ على ما في المَبْدَأ الأَعلى من نعوت و شؤون. فَمِنْ ذلك قولُه سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَـالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَ الاَْرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(6).

و سيوافيك أنّ اسماءه في القرآن مائة و ثمانية  و عشرون إِسماً.

الرابع: الكَشْفُ والشُّهود

 و هناك ثُلَّةٌ قليلةٌ يشاهدون بعيونِ القلوبِ ما لا يُدْرَكُ بالأَبْصار، فَيَرَوْن جمالَهُ و جلالَه و صفاتَه و أَفعالَه بإِدراك قلبي، يدرك لأَصحابه و لا يوصَفُ  لغيرهم.

والفُتوحاتُ الباطنيّة من المكاشفات و المشاهدات الروحيّة و الإِلقاءات في الروع غَيْرُ مَسْدودَة، بنص الكتاب العزيز. قال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}(7). أَي يجعل في قلوبكم نوراً تُفَرِّقون به بين الحقِّ و الباطلِ و تُمَيِّزون به بين الصحيحِ و الزائفِ لا بالبَرْهَنَةِ والإِستدلال بل بالشهود و المكاشَفَة.

وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ  كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَ يَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(8).

و المُراد من النور هو ما يمشي المؤمن في ضوئه طيلةَ حياتِه، في معاشه و معاده، في دينه و دنياه (9).

و قال سبحانه: {وَ الَّذِينَ جَـاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(10).، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في أَنَّ المُؤمِنَ يَصِلُ إلى معارف و حقائِق في ضوء المُجاهدة و التَّقوى، إلى أَنْ يقدر على رؤية الجحيم في هذه الدنيا المادية، قال سبحانه: { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينَ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}(11).

نعم ليس كلُّ من رمى أصاب الغَرَض، و ليست الحقائق رمية للنِّبال، و إِنما يَصِل إليها الأَمْثَلُ فالأَمْثَل، فلا يحظى بما ذكرناه من  المكاشفات الغيبية و الفتوحات الباطنية إِلاّ النزر القليل ممن خَلُصَ روحُه و صفى قلبُه.

وقد بان بهذا البحث الضافي، أَنه ليس لمسلم التوقف عن محاولة التعرف على صفات الله و أَسمائه بحُجَّة أنَّه لا مسانخة بين البشر و خالقهم.

نعم، نحن لا نَدَّعي أَنَّ بعضَ هذه الطرق ميسورَةَ السلوكِ للعامة جميعاً، بل منها ما هو عام مُتاحٌ لكلِّ إنسان يريد معرفة ربه، و منها ما هو خاص يستفيد منه من بلغ مبلغاً خاصاً من العلم و المعرفة.

اعداد : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي - تبيان

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني

________________________________________

 الهوامش:

(1) -  تجريد الإِعتقاد، باب إِثبات الصانع و صفاته، ص 178 - 185.

(2) -  أنوار الملكوت في شرح الياقوت، ص 76 و 80 و 81 و 99.

(3) - سورة يونس: الآية 101.

(4) -  سورة آل عمران: الآية 190.

(5) - سورة يونس: الآية 6.

(6) -  سورة الحشر: الآيتان 23 و 24.

(7) -  سورة الأنفال: الآية 29.

 (8) - سورة الحديد: الآية 28.

 (9) -  أَما في الدنيا فهو النور الذي أَشار إليه سبحانه بقول: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـهُ وَجَعَلْنَا لَهُ  نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ وفِي الظُّـلُمَـتِ لَيْسَ بِخَارِج مِّنْهَا } (سورة الأنعام: الآية  122). و أَمّا في الآخرة فهوما أَشارإليه سبحانه بقوله: { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَـتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَـنِهِم } ( سورة الحديد: الآية 12( .

(10) -  سورة العنكبوت: الآية 69.

(11) - سورة التكاثر: الآية 5ـ6.


أبعاد الروح الإنسانية– العبادة

معني الايمان لغويا

معني الإيمان اصطلاحاً

ما هي الخطوات المعتبرة لمعرفة الدين؟

الطريق الثاني لمعرفة الله الطريق من خارج

لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟

لماذا نبحث ونفكر لمعرفة خالق الكون

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)