• عدد المراجعات :
  • 691
  • 9/11/2011
  • تاريخ :

إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى

ان ذلک لمحی الموتی

قال تعالى:

 (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فيِ السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ويجَعَلُهُ كِسَفًا فَترَى الْوَدْقَ يخَرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كاَنُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ *فَانْظُرْ إِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ وهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ) (الروم48-50).

جاء التعبير عن القرآن الكريم في بعض الروايات بأنّ ظاهره أنيق وباطنه عميق، وهذا هو حال كل الآيات القرآنية ومنها هذه المجموعة من الآيات، حيث علينا أن نبحث عنها تارة في البُعد الظاهر وأخرى من جهة الباطن.

فمن حيث الظاهر يبحث القرآن في هذه المجموعة من آيات سورة الروم حول بعض الآيات الإلهية التي تقرّبنا إلى معرفة أسماء الله، وأسماء الله ستهدينا إلى النهج الصحيح وتعطينا البصيرة اللازمة للحياة. إذن ينبغي أن لا تكون قراءتنا للقرآن مجرد لقلقة لسان، وإنما علينا أن نتعمق في الآيات لنصل إلى بصائرها.

وقبل الخوض في التفاصيل نذكر مقدمة ضرورية في هذا المجال وهي أننا لا نملك القدرة بذاتنا على معرفة رب العالمين، لأن المعرفة والعلم هما أحد أنواع الإحاطة، ومن المستحيل أن يحيط المخلوق بالخالق، إذ مَثَل ذلك كمن يريد أن يكتشف نور الشمس بالمشكاة!

وحتى آيات الرب ليست كلها قابلة للفهم لولا إرادة الله تعالى، فحينما جاء موسى عليه السلام إلى ميقات ربه مع 70 رجلاً من قومه و(قالَ رَبِّ أَرِني‏ أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فخاطبه الله تعالى (قالَ لَنْ تَراني‏ ولكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَراني‏ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى‏ صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) (الأعراف:143) فرغم أنّ ذلك التجلي لم يكن إلا بآية من آيات الله ولكن النبي موسى خرّ صعقاً، ومات الرجال الذين كانوا معه، فأحياهم الله من بعد موتهم.

ولكن الله برحمته عرّف لنا نفسه، حيث تجلّى لنا في آياته ، ونقرأ في دعاء الصباح: (يا من دلّ على ذاته بذاته) ونقرأ في بعض الأدعية (يا من فتق العقول بمعرفته) وهكذا حينما سُئل الإمام أميرالمؤمنين عن رؤيته لله، قال: (لم أكن لأعبد رباً لم أره) ثم قال: (لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان).. فالله تعالى إنما يُرى بالبصيرة وليس بالبصر.

وفي هذه الليالي المباركة (ليالي القدر) قد تأتي لحظات تُكشف الحجب عن بصيرة الإنسان فيتعرف على ربه بحقائق الإيمان.

حينما نقرأ آيات الذكر الحكيم نجد أنه كلما ذكر لنا الرب آية من آياته أو سنة من سننه يبين بعدها اسماً من أسمائه الحسنى.

وفي هذا الآيات (48 – 50 الروم) نجد بعد بيان أهمية الرياح وكيف أنها تعدّ نعمة عظيمة يرسلها الله للبشر، نجد أن الله يختم الحديث بقوله: (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ وهُوَعَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ).فالذي أحيا الأراضي الشاسعة وأنبت فيها الآلاف من الأنواع المختلفة من النباتات، هو أيضاً يحيي الموتى.

وهكذا طلب النبي إبراهيم (ع) رؤية ذلك حينما قال: (رَبِّ أَرِني‏ كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي) (البقرة:160) وهكذا عزير الذي (مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، قال: أنّى يحي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وأحياه.

يقول الله تعالى:

(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فىِ السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ)

فالخالق الذي نبحث عنه هو (اللَّهُ) ومن آياته أنه: (الَّذي يُرْسِلُ الرِّياح) وهذا الإرسال الدقيق للرياح يكون بعد تراكم الغيوم. ويكتشف العلم الحديث اليوم هذا النظام العجيب للرياح في العالم حيث أنها (تثير سحابا) والإثارة هنا تعني الحركة، فما من موجود يتحرك من دون سبب وعلة. ثم تنتشر هذه الغيوم (فيبسطه في السماء كيف يشاء) إذبقدر الحاجة تهبّ الرياح وتنتشر الغيوم.

(وَيجَعَلُهُ كِسَفًا)

لو تدبرنا في آية المطر لوجدناه لا يبدأ وينقطع إلاّ بحساب دقيق، ولا يكون الأمر اعتباطياً، بل لكل منطقة مقدار خاص. والغيوم كالطبقات المختلفة (فَترَى الْوَدْقَ يخَرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَاهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (وَإِنْ كانُوامِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسينَ)ومعنى الإبلاس هنا القنوط واليأس.

ثم الآية 50 من سورةالروم، حيث يقول تعالى:

(فَانْظُرْإِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ وهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ).

فليفتح الإنسان عينه وبصيرته لينظر إلى هذه الأراضي الواسعة، كيف أنها تُحيى بعد أن كانت ميتة، فالذي يُحي الأراضي هوالذي يحي الموتى.

والسؤال هنا لماذا لم يأت الله تعالى بعبارة: إنّه لمحيي الموتى، بل قال: (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى‏)؟

أجاب سماحته على هذا التساؤل قائلاً:

لعله للتدليل على عظمة تلك القدرة التي تحي الأرض والتي تحي الموتى (وَهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ).

كان هذا هو المعنى الظاهري لهذه الآيات

آية الله محمد تقي المدرسي

اعداد سيد مرتضى محمدي

القسم العربي - تبيان


كيفية بناء سد ذي القرنين و مکانه

مقام الصالحين في القرآن

أهميّة الحروف المقطّعة

التغيير والتبديل في قوله تعالى ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ

شرائط التأويل الصحيح

معاني التاويل

الفرق بين التفسير والتاويل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)