• عدد المراجعات :
  • 586
  • 9/3/2011
  • تاريخ :

استخدام منهج توفيقي في وضع الدستور

الثورة

تشير كتب الحقوق العامّة إلى منهجين رئيسيين لوضع الدستور . يتبلور المنهج الأوّل في علاقة أحادية الاتجاه تتحرك من الأعلى إلى الأسفل ، حيث يفرض الحاكم أو الهيئة الحاكمة على الجماهير قوانين معيّنة تطلق عليها اسم الدستور . ولعل الحسنة الوحيدة لهذا المنهج هو أن وجود القانون السيِّئ أفضل من عدم وجود قانون ، ولكن من الطبيعي أن لا يمثل هذا القانون المفروض حقوق الشعب .

المنهج الثاني هو اعتماد آراء الجماهير في وضع الدستور . ويتم ذلك بأسلوبين أحدهما مباشر (الاستفتاء) والثاني غير مباشر (شخصيات منتخبة من قبل الشعب) . ومع أنّ الأسلوب الثاني يحترم الرأي العام ويستفيد من أفكاره ، ألا أن كلا الأسلوبين يبقى ناقصاً ولا يفي بالغرض بمفرده .

والذي حصل عملياً لوضع دستور الجمهورية الاسلامية ، هو اعتماد أصوات الجماهير إلى جانب الإفادة من ذوي الخبرة ، ما يمثل نموذجاً مبتكراً ، أو توفيقياً بعبارة أخرى . وقد جسّدت هذه السنّة الحسنة عمق الطبيعة الجماهيرية للثورة الاسلامية ، والصدق الثوري لقائده الكبير الإمام الخميني (رض) الذي كان له دوره الأساسي في التطور التاريخي للشعب الإيراني وانعتاقه من ربقة الإجحاف السياسي والحرمان الفكري . إن اعتماد مثل هذا المنهج في ذروة الهياج الثوري في البلاد ، كان حالة غير مسبوقة تقريباً ، ونموذجاً عملياً للتلاحم بين الدين والسياسة . فقد روعيت المعايير الدينية من جهة ، ولوحظ أيضاً إحراز أصوات الجمهور كأرضية تطبق القوانين فيها ومن أجلها . وكانت الحصيلة الناتجة عن ذلك جد مهمة وفاعلة .

وإيضاح ذلك أنّ الاستفتاء الذي أقيم يوم 12 / 1 / 1358 (الأوّل من نيسان 1979م) لتحديد نوع الحكومة ، تمخض عن تصويت الشعب بنسبة 2 / 98 بالمئة لصالح نظام الجمهورية الاسلامية ، وبعد ذلك استمر مجلس خبراء الدستور في دراسة وتمحيص أطروحة الدستور لمدة أربعة أشهر ونصف . وكما كتب الدكتور مدني : نظراً للحرية التي كان يتمتع بها الجميع ، أثيرت طوال هذه المدة العديد من النقاشات والآراء حول مواد الدستور وعقدت المؤتمرات والندوات لهذا الغرض ، ونشرت الكثير من المقالات ، وبعد أن نشرت الحكومة الموقتة مسودة الدستور ، تمّ تقديم مئات الأطروحات التعديلية والتصحيحية بادرت أمانة مجلس المناقشة النهائية قبل افتتاح المجلس ، إلى جمعها ليستفاد منها في اللجان أثناء المداولات .

وبالتالي أقيمت في 12 مرداد 1358 (3 آب 1979م) انتخابات مجلس خبراء المناقشة النهائية للدستور ، شارك فيها 231 / 988 / 10 من أبناء الشعب ، وافتتح مجلس الخبراء بتاريخ 28 مرداد 1358 (19 آب 1979م) بنداء وجّهه الإمام الخميني ، وأنهى مهماته في 24 آبان 1358 (15 / 11 / 1979) . وفي آذر 1358 (3/ 12/ 1979) أقيم استفتاء الدستور فشارك فيه 956 / 758 / 15 إيرانياً (79 بالمئة ممن يحق لهم الاقتراع) فأسفرت المشاركة الواسعة للجماهير تحت راية الحكومة الجديدة (الجمهورية الاسلامية) ودعماً لها ، عن نظام جديد ومستقل ، وضعه استقلاله وطابعه المبتكر حيال الكثير من التحديات .

النقطة الملفتة والجديرة بالتدبر في استفتاء الدستور هي أن إحصاءات وزارة الداخلية تشير إلى أن عدد الأصوات الموجبة (نعم) 329 / 680 / 15 صوتاً ، ومجموع الأصوات السالبة (لا) 78516 صوتاً ، أمّا الأصوات الباطلة فكانت 111 صوتاً ، بمعنى أن 5 / 99 بالمئة من المقترعين أدلوا بأصوات موجبة ووافقوا على الدستور ، ولم يرفضه سوى نصف بالمئة من المقترعين .


النشاط الاقتصادي بعد الثورة الاسلامية (1)

نبذة عن النشاط الاقتصادي بعد الثورة الاسلامية (2)

الدين والسياسة وكفاءة الحكومة الدينية (1)

الدين والسياسة وكفاءة الحكومة الدينية (2)

مراجعة للمساعي العلمية بعد انتصار الثورة (1)

الثورة الاسلامية، التصدير والتأثيرات الاقليمية والعالمية (2)

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)