• عدد المراجعات :
  • 706
  • 8/14/2011
  • تاريخ :

التدين بعد الثورة الاسلامية (2)

الثوره

النتيجة :

تبيّن لحدّ الآن ، أن هناك إجابتين متباينتين على الأقل حول حقيقة التدين بعد انتصار الثورة الاسلامية ، لكل منهما أنصارها والقائلون بها . ولكن حيث أن كل واحدة من هذه النظريات والرؤى تستند إلى بعض الشواهد والقرائن لا إلى كافة الحقائق الموجودة ، فهي غير قادرة إذن على تقديم صورة متكاملة للموضوع يمكن الوثوق بها نهائياً . إن موضوعة التدين في ايران معقد وصعب كما أسلفنا ، ولن يكون بمستطاعنا تقييمه بنحو سليم إلاّ إذا وضعنا النظريات الموجود بجانب بعضها لا في مقابل بعضها . والآن يمكننا باستحضار هذه النقطة الخلوص إلى ما نتبناه من نتائج . الحقائق التي سنستعين بها لتكوين رؤيتنا هي كما يلي :

1 ـ وجود النزعات الدينية في المجتمعات المختلفة على طول التاريخ ، والاسهام المؤثر والقطعي للدين في حضارات العالم ، بمعنى أن حقيقة وجود الدين في المجتمع ضمن علاقته بالسياسة وصناعة الحضارة ليس مجرد أمل ايماني ، بل هو واقع معاش . وكما يقول ماكس. ل. استكهاوس : إنّ الوعي الأوسع والأعمق للتاريخ والحضارات يدل بوضوح على أنّ السياسة والدين مترابطان مع بعضهما بصفة ضرورية . فالدين يؤثر في السياسة بمقدار ما يتأثر بها على أقل التقادير([1]) .

2 ـ نمو التدين حالة تدريجية وليست خطية .

3 ـ عراقة الايمان الديني في ايران .

4 ـ هشاشة المعايير الظاهرية لتقييم حالة التدين . فعلى سبيل المثال كان الايرانيون حسب الظاهر أكثر تديناً في عقد الخمسينات والستينات منهم في عقد السبعينات ، لكن هذا العقد انتهى بثورتهم الدينية (الاسلامية) . نظراً لهذه الحقائق ، يبدو عدم الجزم في الحكم على واقع التدين ، موقفاً طبيعياً لا بدّ منه .

5 ـ تعاليم القرآن الكريم حول التحدي ، وتربية العناصر المؤمنة من أهل التحدي والمناقشة .

6 ـ موضوعية الغزو الثقافي المتمحور على محو المكونات العقيدية والايمانية كمحرك اساسي لبناء الفرد والمجتمع ، لها تقريباً تاريخ يوازي تاريخ علاقة ايران بالغرب ، وقد تضاعفت بنحو مشهود بعد انتصار الثورة الاسلامية . فلو كان التدين قد خبا في ايران حقاً ، هل كانت عقلانية أعداء الثورة الاسلامية وتفكيرهم الاقتصادي سيسمح لهم بانفاقات أرصدة باهضة على هذا الشأن ؟

7 ـ إن موضوع التدين وعلاقته بالأبعاد المختلفة للحياة الاجتماعية ، لا يرتبط فقط بنظام الجمهورية الاسلامية ، فالتدين في المجتمع المعاصر تحد ناجم عن متطلبات الفطرة الانسانية ، وضرورة معننة الحياة من ناحية ، وتعليم الحياة النمطية (أحادية البعد) والاكراه عليها في العالم المعاصر وهو ما لاقى رواجاً واسعاً وليس قبولاً واسعاً ، من ناحية ثانية .

8 ـ لم يكن للتدين بأبعاده الاجتماعية الرئيسة سابقة تجريبية في الحياة المعاصرة ، فالثورة الاسلامية في ايران وفي اطار نظام الجمهورية الاسلامية تعد سبّاقةً ووحيدةً في ارادة هذه التجربة والمبادرة إليها . وبالتالي لا تتوفر لدينها سوابق تذكر في العصر الحاضر تتيح لنا المقارنة والافادة من الملاحظات والاستنتاجات . وهكذا تتضاعف المشكلات أكثر بكثير مما يجري تصوره ، والسبب الرئيس في ذلك هو البون بين المعلومات والارادات ، وبين الحقائق غير المعلومة التي تتبدى للعيان رويداً رويداً ، ما يجعلها باهضة التكاليف .

9 ـ الظروف الاجتماعية المعقدة في ايران ، وخروج الحياة من النسق السابق أثر التحولات التي سبقت الثورة الاسلامية ، مضافاً إلى الثورة ذاتها ، وتطور الاتصالات ووسائل الإعلام في العالم ، أثارت حيال الايرانيين العديد من التساؤلات يخيص بعضها بتدينهم في الماضي ، وتنوع سلوكياتهم الظاهرية ، تدل كلّها على مكابدة تحديات جادة فيما يتعلق بمرتكزات عقائدهم وسلوكياتهم الدينية . وفي التذبذبات السلوكية دلالة على تذبذبات في عمليات الاجابة عن التساؤلات المثارة . والنتيجة هي أنّ المفزع ليس طرح التساؤلات ـ وهذا ما لا مناص منه ـ بل الاجابات التي تنحت لها . من هنا كان مستقبل التدين في ايران منوطاً إلى حد بعيد بالاجابات التي تحظى بالثقة والقبول ، لذلك يتعين توجيه الجهود والاهتمام صوب تعزيز الاجابات وقدراتها الاقناعية ، وصحتها وصوابها ، لا من الناحية المبدأية والمضمونية وحسب ، كذلك من حيث ظروف المخاطبين والواقع الموجود داخلياً وخارجياً (دولياً) .

انطلاقاً من الحقائق التسع أعلاه يجوز القول : إن انتصار الثورة الاسلامية أفرز الكثير من الأسئلة في الحقل الديني ، وأفضى إلى تسليط الأضواء على الدين ، وسحب الآراء الدينية إلى حيز الحكومة والسلطة . في مثل هذه الطرف تتم مقاربة الدين وتجربته وتطبيقه بصفة جماعية عامة على مستويات واسعة ، في حين لا تتوفر معرفة كافية وخبرة عملية للنهوض بمشروع على هذه الدرجة من الضخامة ـ دخول الدين إلى ميدان المجتمع والسلطة ـ وبالتالي يمكن الخلوص إلى إنّنا في إيران حيال تحول ديني غير مجرب وغير معروف ، ولا يتمتع بالطاقات والأدوات الكافية رغم طرح المسائل المختلفة وشوق الاجابة عنها ، لكن بمقدوره رغم ذلك التوصل إلى نتائج جد ايجابية في حال إبداء مزيد من الجد والاجتهاد . إن نقطة البداية في هذه القضايا الحيوية والخطوات التاريخية ، هي إلغاء النظام البهلوي وقاعدة اطاعة الحكومة الشاهنشاهية ، وانبثاق ثقافة الطاعة القائمة على أساس الوعي والتعقل والانتخاب بدل الطاعة العمياء لتقاليد الآباء والأجداد . والجدير بالذكر أن مواصلة هذه التحولات الايجابية ونمو حالة التدين المقترنة بالوعي ، كانت أكبر بكثير من التخطيطات والبرامج الحكومية ، وما يتبدى من خلال مقارنة اجمالية هو الفارق الكبير بين تدين ما قبل الثورة وتدين ما بعد الثورة . حيث كان الدين والتدين قبل انتصار الثورة خارج نطاق السياسة ومحصوراً داخل مجال ضيق ، أمّا اليوم فالدين معترف به رسمياً على صعيد السياسة وبالمعنى الواسع للكلمة ، لذلك فهو يواجه تحديات عديدة ، وحالات تنافس وصراع قد تفضي إلى تطوره ونضجه ، وهو ما يرتبط بقدراتنا وأساليبنا في الأداء . وإذن ، مواجهة الاستفهامات الصعبة العصية مع انّها تقلص ظاهرياً من تركيز السلوكيات الدالة على التدين ، بيد أنّ التفكر في الدين الذي يدعو بكل توكيد إلى التفكير في مرتكزاته ، يمكن أن يعد بحد ذاته استجابة متشوقة لدعوة الدين . وعليه ، ستتوفر الأرضية لإحياء التفكير الاسلامي والرؤية التوحيدية أكثر فأكثر ، رغم ما يعتور هذا السبيل من عقبات وصعوبات ، ورغم الطابع التدريجي للتحرك في هذا الاتجاه .

بناءً على ما ذكرنا ، تبدو التذبذبات السلوكية في اطار التدين في ايران ظاهرة لا محيص منها ، وهي إلى ذلك ايجابية ، وحرية بالاحترام والتدبر والتحليل . والاجابات التي تحرز الثقة في نهاية المطاف هي التي تقرر مصير التدين في ايران ، وإذن ، لنسع في تقديم اجابات متينة مناسبة .

الهوامش:

[1] ـ ماكس. ل. استكهاوس ، السياسة والدين ، ترجمة د. مرتضى أسعدي ، الثقافة والدين (مجموعة مقالات) ، طرح نو ، ط1 ، 1995 ، ص548 .


التدين بعد الثورة الاسلامية (1)

مذكرات معاق- الحركة

بينوکيو و التماسيح البعثية

الجنون حتي القيامة

مذکرات الاحرار-نحن منافق

مذکرات الاحرار- القرد الكبير

مذکرات -الجسر

 

 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)