• عدد المراجعات :
  • 2679
  • 6/3/2011
  • تاريخ :

كيف يصف الاسلام عزَّة النفس

الورد

يعبر في كثير من التعاليم الإسلامية عن حالة الغرور أو الإحساس بالرفعة والشرف بـ"عزة النفس"، وفي مقدمة هذه التعابير قوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ"، ان على المؤمن أن يعلم بأن العزة تنحصر به، وأنه هو الذي يجب أن يكون عزيزاً، وهذا طريق للتعريف بالنفس والتوجه إليها.

وفي الحديث النبوي: "اطلبوا الحوائج بعزّة الأنفس"1 أي لا تذلوا ولا تحقروا أنفسكم أمام الآخرين لطلب حاجتكم، احفظوا عزتكم ولا تقضوا حوائجكم بثمن ذلتكم وذهاب عزتكم.

في نهج البلاغة يقول الإمام عليه السلام لأصحابه: "فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين"2 يتبين هنا أن للعزة والسيادة والقهر قدراً وقيمة عظمى بحيث لا يمكن أن يتخلى عنها في الحياة، فإن تحققت العزة فلا يهم أن يتحرك جسم الإنسان على هذه الأرض أم لا، وان لم تكن فالحركة والحياة على وجه الأرض موت.

يعبر في كثير من التعاليم الإسلامية عن حالة الغرور أو الإحساس بالرفعة والشرف بـ"عزة النفس"، وفي مقدمة هذه التعابير قوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ"،

كان شعار سيد الشهداء المعروف في يوم عاشوراء هو: "الموت أولى من ركوب العار"3، أي انني أريد العزة فقط، وعبارته الأخرى: "هيهات منا الذلة"4، هي شعار آخر مضافاً إلى شعارات أخرى رفعت في يوم عاشوراء، وقد تلألأت هذه الشعارات في تاريخ عاشوراء، "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً"5، ومن الكلمات التي ذكرت له عليه السلام: "موت في عزّ خير من حياة في ذل"6.

وهناك تعبير آخر قريب من المعنى الذي ذكرناه يروى أيضاً عنه عليه السلام: "الصدق عز والكذب عجز"7، لذلك يجب أن يكون الإنسان صادقاً، لأن الصدق عز للإنسان "وهنا اعتبرت العزة مبنى الصدق" فالذي يكذب هو الضعيف والعاجز، أما القوي فإنه لا يكذب.

الكلمة الثانية من الحكم في نهج البلاغة: "ازرى بنفسه من استشعر الطمع"، أي احتقر نفسه من جعل الطمع شعاراً له، الطمع يذل الإنسان، ومبنى هذا الخلق السيئ هو حقارة النفس "ورضي بالذل من كشف عن ضره"، يكره شرعاً أن يظهر الإنسان ابتلاءاته للآخرين، لأن هذا الأمر يحقر الإنسان ويذله.

جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام وشكاه دهره وانني كذا وكذا، حيران وعليّ دين، فاعطاه الإمام مقداراً من المال، قال الرجل: لم يكن قصدي أن آخذ شيئاً، لقد أردت أن أشرح لكم حالي لتدعوا لي عند الله، فقال الإمام عليه السلام: إنني لم أقل كان قصدك هذا ولكن خذ هذا وانفقه على نفسك، "ولا تخبر الناس بكل ما أنت فيه فتهون عليهم"8.

جملة: "ورضي بالذل من كشف عن ضره"، وجملة: "وهانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه"، لها معنى عظيم.

وهناك كلمة أخرى في نهج البلاغة هي: "المنية ولا الدنية، والتقلل ولا التوسل"9، لماذا يمد الإنسان يده للآخرين؟ أقنع بالقليل ولا أستجدي الآخرين.

ينقل سعدي في كتابه "بوستان" أنه مرّ الإمام علي عليه السلام بقصاب، فقال القصاب: عندي لحم جيد، قال الإمام عليه السلام: ليس لي مال لأشتري الآن، فقال القصاب: سوف أنتظر، قال الإمام عليه السلام: أقول لبطني أن تصبر وتنتظر.

وهناك حديث آخر للإمام الصادق عليه السلام في "تحف العقول" بشأن المعاشرة أيضاً يقول عليه السلام: "ولا تكن فظاً غليظاً يكره الناس قربك، ولا تكن واهناً يحقرك من عرفك"، وهذا عكس ما ذكرناه سابقاً عن أبن أبي الحديد الذي ينقل عن أحد مشاهير المتصوفة، أنه فرح في ثلاثة مواضع، منها: أننا كنا في السفينة وكانوا يبحثون عن أحمق يسخرون منه ووجدني أنا، لأنني شعرت بأنه لا يوجد أحد أقل منزلة مني في أعينهم، ففرحت كثيراً، هذا خلاف لما يريده الإسلام، ان الاحساس بالتواضع في داخل النفس، شيء غير إظهار الإنسان نفسه حقيراً أو ان يحقر نفسه أمام الآخرين، ينقل في "الوسائل"10، أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول دائماً:

"ليجتمع في قلبك الإفتقار إلى الناس والاستغناء عنهم" لكن هذا الإجتماع ليس في شيء واحد، بل هو بالإضافة إلى شيئين، والإمام يوضح ذلك بقوله: فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك، هنا يجب الاستغناء عن الناس إذا كانت مسألة عرضك وشرفك في البين ولو رأيت انك لو كنت ليناً فقدت عزتك وشرفك وجب عليك أن لا تتعامل مع الآخرين بلين.

هناك بعض العبارات تحت عنوان "العلو" كتعبير القرآن: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"11، يطرح هنا مسألة العلو ويدعو إليها.

والتعبير الآخر هو "القوة" وهو إحدى طرق العودة إلى النفس ولكن بطريقة "شعور القدرة في النفس"، قدمنا حديثاً للإمام الحسين عليه السلام وهو: "الصدق عز والكذب عجز"، القوي لا يكذب أبداً، انه يقول: إن على الإنسان أن ينمي في نفسه الشعور بالقوة والعظمة وان الكذب والغيبة وأمثالها من الضعف والعجز، كما يقول الحديث حول الغيبة: "الغيبة جهد العاجز"12، فالإنسان القوي لا يسمح لنفسه أن يتحدث على الآخرين في غيابهم.

وجاء في حديث آخر: "ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف"13، أي ان على الإنسان أن يبحث عن رزقه بنفسه. تقوم مسألة البحث عن الرزق والمعيشة من الناحية الأخلاقية على أساس القوة واعتبر اهمال العمل، والكسل من الضعف والعجز.

 التربية والتعليم في الاسلام،الشيخ مرتضى مطهري

----------------------------------------------------------

الهوامش:

1- نهج الفصاحة، حديث 325، ص64.

2- نهج البلاغة، الخطبة: 51.

3- بحار الأنوار، ج78، ص128.

4- مقتل الخوارزمي، ج2، ص6.

5- اللهوف، ص69.

6- بحار الأنوار، ج44، ص192 الطبعة الجديدة.

7- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص246

8- بحار الأنوار، ج47، ص34.

9- الحكمة، 369.

10- ج2، ص203.

11- سورة آل عمران، الآية: 139.

12- نهج البلاغة الحكمة، 453.

13- الوسائل، ج12، ص30.


للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً (1)

للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً (2)

للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً (3)

دور التآخي في بناء الفرد

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)