• عدد المراجعات :
  • 728
  • 5/31/2011
  • تاريخ :

في سنن الزيارة

الورد

أحدها: الصلاة والسلام المصرح بهما الشرع كتاباً وسنة: (فمن الكتاب) قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً" وقوله تعالى: (سَلامٌ عَلى‏ إِلْ ياسِينَ) الشامل لحيهم وميتهم ومثله قوله سبحانه: "وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ".

وأصرح من الجميع قوله سبحانه "وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا".

 وقوله تعالى "وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا".

(ومن السنة) ما هو الواجب شرعاً فمن أول: «السلام‏ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ومنه يعلم جواز السلام على غير النبي من المؤمنين وأئمة الدين من بعيد وقريب، كل ذلك مضافاً إلى ما ورد في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وزيارة قبور المؤمنين.

وثانيها: التمسح بالضرائح المقدسة وتقبيلها والتبرك بها، فالإمامية حكموا بجوازها، والوهابية صاروا إلى المنع عنها، معللًا بأنها عادات المشركين.

 

والجواب عنها:

أولًا: إن المتبع في أمثال ذلك مما لم يرد عنه نهي من الشارع أصالة الإباحة في الأفعال والأقوال، حسبما عرفت في المقدمة.

وثانياً: إن مجرد كون فعل من عادة جماعة من أهل الضلال لا توجب صيروته حراماً، كما عليه الإجماع الذي في كلام ابن تيمية في منهاج السنة قائلًا: إن الذي عليه أئمة المسلمين أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، وأصل الأئمة كلهم يوافقون هذا انتهى.

وثالثاً: إن المسح لا يكون من الأفعال العبادية المتمحضة في العبادة حتى يكون محرماً عند عدم الوظيفة الشرعية، وإنما هو من الأفعال العادية والحركات البدنية التي لا يتوقف الإتيان بها على صدور الأمر من الشارع، فلو أتى به الإنسان لا بقصد العبادة لم يفعل محرماً، كما لو نظر إلى القبر أو جلس عنده وغير ذلك مما لا يتوقف على اتباع الشارع.

نعم لو أتى به قاصداً به العبادة كان بدعة، وذلك لتوقف العبادة على‏ الأمر من الشارع المفقود هنا. وأما لو أتى به حباً وشرفاً لصاحب القبر فلا يكون عبادة حتى يكون حراماً مع عدم الاستنان شرعاً.

فدعوى الوهابية أن المسح على القبر عبادة يتوقف على الاتباع دون الابتداع يدفعها ما ذكرنا من المنع الشاهد عليه الوجدان، لنهوضه على أن من يمسح القبر ويمسه أو يستلمه لا يرى من نفسه إلّا الحب والشوق والتبرك، لا عبادة القبر أو صاحبه.

ورابعاً: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بعادة أهل الكتاب، كما في صحيح البخاري في باب صفة النبي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب موافقة أهل الكتاب.

وفي البخاري أيضاً في باب صيام يوم عاشوراء عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه.

وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصوموه.

وخامساً: أن التمسح بقبر النبي واستلامه نظير التمسح بالحجر الأسود وتقبيله واستلامه واستلام الركن اليماني المسنون شرعاً إجماعاً، وعليه الصحاح والسنن.

ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك ...

فإذا صح أن النبي يقبل الحجر ولم يكن ذلك من نحو تعظيم الشجرة على انها ذات أنواط فليكن التمسح بالقبر هكذا، لوحدة الوجه المشروع.

والعجب مع ذلك مما في رسالة الشيخ أحمد الرومي نقلًا عن الأزرق عن قتادة في قوله تعالى: "وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى" أنه قال: الناس أمروا أن يصلوا عند المقام ولم يؤمروا أن يمسحوا انتهى.

فإنه إن كان المسح به حراماً وكان شركاً خفياً فالصلاة أولى بعدم الجواز لعظم شأنها وتمحضها في العبادة. فتكون مفسدة الشرك فيها أعظم من مفسدة المسح، فإن قلت كما قاله الغزالي: اللازم عند استلام الحجر تصميم العبد على أنه يبايع الله، لما ورد أن الحجر يمين الله في الأرض.

قلنا: إن الغرض ذلك من مسح قبر النبي وقبر الوصي لما في التنزيل: "إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ".

فإن قلت كما قاله الغزالي في ص 209 من إحياء العلوم: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمستجار فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن من النار، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه وأنه لا يفارق ذيله إلّا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.

قلنا: إن الغرض من المسح والالتصاق بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الولي المطلق أيضاً ذلك عند الإمامية حرفاً بحرف، فلا يقدمون عليه إلّا ونيتهم التبرك وطلب القرب حباً وشوقاً إلى صاحب القبر وسؤال الشفاعة منه‏ والإلحاح في بذل الشفاعة لهم يوم القيامة، نظراً إلى قوله تعالى: "وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ" وقوله تعالى "وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏" وقوله تعالى: "وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً".

وقد صح عن النبي: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق ... وإن مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة في بني أسرائيل.

وسادساً: إن المعتمد في المسح عند المسلمين ما في صحيح البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي وفيه عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثمّ صلى الظهر، إلى أن قال: وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك.

وفي أواخر هذا الباب: أنه خرج بلال فنادى بالصلاة، ثمّ دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذونه منه.

أقول: فاذا صح التمسح بيد النبي والتبرك بفضل وضوئه حال حياته ولم يكن من جعل الآلهة وعبادة ذات أنواط، ولا من الأخذ بعادة اليهود والنصارى صح أيضاً التمسح والتبرك بقبره بعد وفاته لاتحاد الوجه.

وسابعاً: إنه لو سلمنا كون المسح على القبر حراماً شرعاً واقعاً لكنه ليس لمن رأى أنه حرام منع غيره ممن يرى أنه مباح شرعاً، اعتماداً على ما ذكرنا من الوجوه، لأن النهي عن المنكر إنما هو لمن يرى أنه منكر وليست‏ مسألة حرمة المسح على القبر من المسائل الضرورية المسلمة عند كل طائفة من المسلمين ولا يجب على كل طائفة أن تتبع رغائب طائفة أخرى وإلّا لبطلت المذاهب والإجماع على صحتها، مع أنها مختلفة في كثير من المسائل الفرعية. ولم يحكم أحد عليهم بوجوب الموافقة.


الوهابية او السيف‏ 

المسلم والدولة الاسلامية 

الوهابية والحشوية 

الوهابية والخوارج‏ 

الوهابيون و صفات الله 

الوهابيون لا يعترفون بحرية العقيدة  

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)