• عدد المراجعات :
  • 1899
  • 6/17/2011
  • تاريخ :

أثر الطعام في روح الانسان

الورد

والطريف هنا أن أثر الطعام لا يقتصر على جسم الانسان منتجاً آثاره الصالحة أو الفاسدة، بل انه يترك من الجهة المعنوية آثاره الحسنة أو السيئة على روح الانسان، وهذا الأمر متسالم عليه من قبل العلماء المعاصرين. وقد صرح الاسلام بذلك في تعاليمه القيمة.

إن المختبرات العلمية في العصر الحديث قادرة على فحص المواد الغذائية من حيث العناصر الطبيعية المكونة لها وخواصها الكيمياوية إلى حد ما، أما الآثار المعنوية والأخلاقية للأطعمة فانها إما أن تكون غير قابلة للفحص المختبري أبداً، أو أن الوسائل الحديثة لم توفق لهذا الموضوع لحد الآن على الأقل، وعلى هذا فما أكثر الأطعمة التي تضر بسعادة الانسان من الجانب المعنوي والنفسي، والعلم قاصر عن إدراك تلك الحقائق في العصر الحاضر.

"إن تأثير المخلوطات الكيميائية التي يحتوى عليها الطعام على النشاط الفسيولوجي والعقلي لم يعرف معرفة تامة حتى الآن... فالرأي الطبي فيما يتعلق بهذه المسألة ليست له غير قيمة ضئيلة لأنه لم تجر تجارب ذات أمد كاف على البشر للتحقيق من تأثير طعام معين عليهم. وليس هناك شك في أن الشعور يتأثر بكمية الطعام وصفته"1.

"نحن نعرف كيف نغذي أطفالنا كي يصبحوا رشيقي القامة وعلى جانب كبير من الجمال وتقل وفياتهم. وذلك بمعونة علم معرفة الغذاء الحديث. لكن هذا العلم لم يعلمنا كيف نوجد جهازاً عصبياً متيناً، وفكراً معتدلاً وشجاعة، وحسن خلق، ومقدرة عقلية، وكيف نحميهم من الانهيار النفسي"2.

يقول الامام الرضا عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلا لما فيه من المنفعة والصلاح ولم يحرم إلا لما فيه الضرر والتلف والفساد"3. فتحريم الأشياء إذن أو إباحتها عن أساس المصالح والمفاسد لا أكثر.

أن أثر الطعام لا يقتصر على جسم الانسان منتجاً آثاره الصالحة أو الفاسدة، بل انه يترك من الجهة المعنوية آثاره الحسنة أو السيئة على روح الانسان، وهذا الأمر متسالم عليه من قبل العلماء المعاصرين. وقد صرح الاسلام بذلك في تعاليمه القيمة.

 

شرب الدم والقساوة

إن نظرة أئمة الاسلام إلى الأطعمة كانت تشمل جميع منافعها ومضارها الروحية والبدنية، وقد صرحوا في بعض الموارد بالمفاسد الروحية والنفسية لها عند التعرض لذكر اضرارها البدنية. وها هو كلام الامام الرضا عليه السلام في علة حرمة شرب الدم بعد ذكر الأضرار البدنية لذلك: "ويسيء الخلق، ويورث القسوة للقلب، وقلة الرأفة والرحمة، ولا يؤمن أن يقتل ولد والده"4.

 

الخمر والاجرام

والامام الباقر عليه السلام حين يتطرق لعلة حرمة الخمر يقول: "إن مدمن الخمر كعابد وثن، ويورثه الارتعاش، ويهدم مروءته، ويحمله على التجاسر على المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا"5.

إن العوارض التي تصيب البدن من جراء شرب الدم يمكن قياسها أما قساوة القلب فلا يمكن فحصها في المختبرات. وكذلك أثر الكحول على الأعصاب والابتلاء بالخرف فانه غير مخفي على العلماء، ولكن لا يمكن مشاهدة المروءة والقيم الأخلاقية في المختبر.

إن التغذية تلعب دوراً أساسياً في المسائل الاجتماعية في العصر الحديث. فالمؤسسات المختصة بهذا الموضوع والمجهزة بالوسائل العلمية المختلفة تفحص جميع جوانب الغذاء، بأن لا يكون فاسداً، وأن تكون المطاعم مطابقة للشروط الصحية من كل جانب... وبصورة موجزة فانها تعمل جهدها مستعينة بالوسائل العلمية والقوى التنفيذية الصارمة لكي تقف أمام تلوث الغذاء وفساده. فقد يصادف تسمم البعض من جراء تناول (الدوندرمة) وحينئذ تعمل جميع المؤسسات، والناس يعترضون، والجرائد تتحدث حول الموضوع، البائع يوقف ويتحقق معه: لماذا صنعت الدوندرمة من حليب فاسد وسببت تسمم مئات الأفراد !!.

وإذا لم تكن قيمة التغذية الروحية أعلى من قيمة التغذية المادية فهي ليست أقل منها. فمن الضروري أن يبذل الاهتمام للغذاء الروحي بنفس النسبة من الاهتمام بالغذاء المادي، والذي يرغب في أن يكون سعيداً يجب عليه أن يلتفت إلى سلامة غذائه الروحي كالتفاته إلى سلامة غذائه المادي. إن خطر التسمم الروحي أشد بكثير من خطر تسمم الجسم، فإذا تسمم ألف شخص في مدينة من جراء تناول طعام فاسد ولم تنجح علاجات الأطباء معهم وماتوا جميعاً فقد مات من تلك المدينة ألف شخص فقط. أما إذا أصيب ألف فرد في تلك المدينة بالتسمم الفكري والروحي فمن المحتمل أن يتسبب هؤلاء في تسمم أهل المدينة كلهم، وقد يؤدي وجود ألف فرد منحرف في دولة إلى انهيار تلك الدولة بأجمعها.

من السهل إعادة الصحة والسلامة لمن أصيب بالتسمم الناشىء من تناول طعام فاسد بالعناية الصحية الدقيقة، أما الفكر المسموم والمشبع بالأفكار الخاطئة والمنحرفة فإعادة السلامة إليه من الأمور الصعبة جداً. إن خطر إناء من الدوندرمة الفاسدة في محل أقل بكثير من خطر فيلم مسموم وهدام. وحين يقدم أبو الأسرة على شراء طعام لأطفاله يحاول التأكد من سلامة ذلك الطعام، أما حين يقدم على شراء كتاب أو مجلة ليضعها في متناول أيدي أطفاله فهو لا ينتبه إلى أن هذه المجلة إنما هي غذاء أرواحهم فإن كان فاسداً أصيبت الأسرة بأجمعها بذلك التسمم الفكري.

"عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما لي أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلاً تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخلون بطونهم، ولا يهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في اعتقادهم وأعمالهم"6.

"قال الحسن بن علي عليه السلام: عجبت لمن يتفكر في مأكوله، كيف لا يتفكر في معقوله، فيجنب بطنه ما يؤذيه ويردع صدره ما يرديه"7.

إن الذي يهتم بصحته لا يتناول طعاماً من يد شخص مصاب بالسل أو الجدري لأنه لا يطمئن إلى سلامة الطعام ونظافته. هناك أفراد مصابون بالأمراض الروحية والخلقية ولذلك فإن أقوالهم وكتاباتهم التي تعبر بمثابة غذاء روحي للناس ليست مأمونة، وذلك لأن من الممكن أن يلوث فساد الفكر ألسنتهم وأقلامهم أيضاً ويؤدي ذلك إلى انتشار الانحراف والفساد في المجتمع. إلى هذا يشير الامام الباقر و الامام الصادق عليه السلام في تفسير الآية موضوع البحث: "فلينظر الانسان إلى طعامه، قال: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه"فعلى الانسان أن ينتبه إلى علمه الذي هو غذاء روحه عمن يأخذه. فإن كان المعلم منحرفاً وفاسداً فلا يمكن الاطمئنان إلى سلامة أقواله وتعاليمه8.

------------------------------------------------------------------------

المصادر:

1- الانسان ذلك المجهول ص:232.

2- راه ورسم زندكى المقدمة ص (ب).

3- مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج 3-71.

4- بحار الأنوار للمجلسي ج14-772.

5- بحار الأنوار للمجلسي ج14-771.

6- سفينة البحار للقمي ص 84 - مادة طعم.

7- نفس المصدر، والصفحة.

8- الطفل بين الوراثة والتربية


الهدوء النفسي

النزاع بين الميول النفسانية والوجدان الأخلاقي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)