• عدد المراجعات :
  • 887
  • 6/12/2011
  • تاريخ :

المعلم وتلاميذه

القرآن الکريم

ينقل (المثنوي): ان أحد المعلمين قديماً كان يدرس عدداً كثيراً من الصبية (وكان المعلمون آنذاك يضربون الأطفال بشدة) وكان الأطفال ينشدون يوم الخلاص من قبضة معلمهم، ففكر الأذكياء منهم في طريقة للخلاص، وفي الغد عندما دخل أول طالب ـ وكان المعلم جالساً ـ قال له: خيراً جناب الأستاذ كأنك مريض، هل أنت متألم، فقال: كلا لست مريضاً، اذهب واجلس مكانك، فذهب وجلس، فجاء الطالب الثاني وقال: جناب المعلم، قد انخطف لونك، فقال المعلم بهدوء: اجلس مكانك، فجاء الثالث وقال العبارة نفسها، وفي نهاية الأمر قال المعلم: أجل أنا مريض ومتألم جداً، فقالوا له: اسمح لنا أن نضع لك حساءً، بدأ الأستاذ يتألم تدريجياً ثم استلقى وشرع يتأوه، وأمر الطلاب ان اذهبوا إلى منازلكم فأنا مريض، وكان هذا ما يريده الطلاب.

قال الإمام: يا هشام لا ترتب أثراً على حكم الناس، فأية دعوة هذه لاستقلال العقل والتفكير، ثم قال عليه السلام: لو كان في يدك جوزة، وقال الناس في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة؟ ولو كان في يدك لؤلؤة، وقال الناس: إنها جوزة، ما كان يضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة.

إن العلماء الذين يمتلكون الروح العلمية يكون غرورهم قليلاً جداً ـ أو لا غرور لديهم أصلاً ـ نسبة إلى الذين لا حظّ لهم من الروح العلمية، وقد حفظوا بضع كلمات يتصورون أنها جميع العلم،

 

الروح العلمية

أقول شيئاً عن العلم أيضاً لأختم به البحث، وهو مستفاد من الآيات والأحاديث، وحاصله أن هناك فرقاً بين كون الشخص عالماً وبين امتلاكه الروح العلمية إن العالم الحقيقي هو من كانت روحه العلمية مقترنة بعمله.

ما هو المقصود من الروح العلمية؟ المراد هو: أن العلم أساساً ينبثق من غريزة حب الاستطلاع، فقد خلق الله الإنسان باحثاً عن الحقيقة، أي أن الإنسان يريد أن يفهم الحقائق كما هي، وأن يعرف الأشياء على ما هي عليه ويدركها، ويتطلب هذا أن يكون الإنسان ذاته حيادياً تجاه الحقائق، يريد أن يكشف الحقيقة كما هي، لا أن تأتي الحقيقة بالنحو الذي يريده هو، فهو في هذه الحال يمتلك روحاً علمية.

أحياناً يؤمن الإنسان بقضية، ويريد أن تكون نتيجة بحثه مؤيدة لها، وهذا بحد ذاته منشأ للضلالة، ففي آيات من سورة النجم إشارة إلى أن أحد مناشيء الضلالة هو اتباع الناس أهواءهم في تشخيصهم للأشياء، وفي النتيجة يدخلون مجال البحث بذهنية منحازة وقد قيل: (الأغراض تجعل الرجل أحول).

إن احتفظ الإنسان بحياده تجاه الحقائق ـ وهو أمر عسير جداً ـ فسيهديه الله، فقد ضمن الله تعالى أن يهدي الأشخاص الذين يبحثون عن الحقيقة بلا غرض في القلب: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾1، الروح العلمية هي روح طلب الحقيقة، إنها الروح غير المتعصبة الخالية من الجمود والغرور، عندما يطالع الإنسان الأحاديث الكثيرة الواردة في موضوع العلم، يرى مدى تأكيدها أنّ العالم ينبغي أن لا يكون متعصباً ولا جامداً، وأن لا يجزم بصحة كل ما يراه ويشخصه، وبطلان ما عداه، العالم ينبغي أن لا يكون مغروراً ويتصور أن ما لديه هو العلم بأجمعه، بل عليه أن يلتفت دائماً إلى قاعدة ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾2، وأن يلتفت إلى أن ما يدركه من الحقائق قليل جداً، يقول الطلبة: (نحن أبناء الدليل، حيثما مال نميل) ـ طبعاً هذا ادعاء، فما أكثر الذين هم ليسوا كذلك والدليل هو الذي يثبت المدعى، وفي مقابل ذلك قد يذهب الإنسان من المدعى إلى الدليل، أي أنه يتخذ موقفاً منذ البدء ثم يبحث له عن دليل، وستكون أدلته طبعاً مجانبة للواقع ومنشأ للضلالة.

إن العلماء الذين يمتلكون الروح العلمية يكون غرورهم قليلاً جداً ـ أو لا غرور لديهم أصلاً ـ نسبة إلى الذين لا حظّ لهم من الروح العلمية، وقد حفظوا بضع كلمات يتصورون أنها جميع العلم، ففي الحديث: (العلم على ثلاثة أشبار، إذا وصل إلى الشبر الأول تكبر وإذا وصل الشبر الثاني تواضع، وإذا وصل إلى الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئاً).

فإذن في التعليم والتربية ينبغي أن يزود المتعلم بالروح العلمية، أي لا ينبغي الاهتمام فقط بأن يكون عالماً، بل لابد أن يوجه ليكون باحثاً عن الحق، عارياً من الأمراض التي تحرف الإنسان عن الحقيقة كالتعصب والجمود والغرور والتكبر، فجميع هذه يجب تجنبها لينشأ المتعلم على الروح العلمية.

التربية والتعليم في الاسلام،الشيخ مرتضى مطهري

-------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- سورة العنكبوت، الآية: 69.

2- سورة الإسراء، الآية: 85


اهل البيت يفسرون بالاستقسام بالأزلام

التفأل بالقرآن

الكلمات الأربع

الإعراض عن اللغو

التحليل النفسي في الاسلام

العقدة النفسية

الأحاديث والروايات الدالة علي مشروعية الاستخارة

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)