• عدد المراجعات :
  • 981
  • 6/7/2011
  • تاريخ :

مقارنة بين صنع الله وصنع البشر لتوضيح معنى المعرفة الفطرية(2)

الورد

المهندس القدير والصدفة العمياء:

لنفرض أنه يوجد في مخزن ما مليونا طن من الأحجار والطابوق والاسمنت والحديد والجص والأخشاب والزجاج واللوالب والمقابض والأسلاك والأنابيب وغير ذلك من المواد الانشائية. وكان مليون طن من هذه المواد تحت اختيار مهندس معمار، فانه يخرج تلك الكمية من المخزن وينشئ على أرض مسطحة عمارة ذات ثلاث طوابق... وبعد مدة يأتي سيل جارف ويخرج المليون طن من المواد الانشائية الباقية في المخزن إلى الخارج ويكومها على بعد بضع كيلومترات مكوناً تلاً من ذلك الخليط. العمارة ذات الثلاث طوابق إنما هي إنتاج ذلك المهندس القدير، والتل المتراكم عمل طبيعي للسيل.

إن العقلاء من كل أمة وفي أي عصر حينما يدخلون العمارة التي أنشأها المهندس يجدون أن كل شيء قد وضع في محله حسب نظام دقيق ومحاسبة أساسية

إن العقلاء من كل أمة وفي أي عصر حينما يدخلون العمارة التي أنشأها المهندس يجدون أن كل شيء قد وضع في محله حسب نظام دقيق ومحاسبة أساسية: فالطابوق في داخل البناء والرخام فوقه والأعمدة الحديدية ذات القياسات الخاصة تحفظ السقف، والأبواب مرتبة في أماكنها والأسلاك مربوطة بالأزرار والمصابيح الكهربائية، وحنفيات الماء البارد والحار متصلة بالأنابيب ومعدة للعمل في الحمام والمغسلات، والسلالم تربط طوابق العمارة ببعضها حسب هندسة دقيقة... وبصورة موجزة فإن كل شيء في ذلك البناء موضوع في محله والنظام يسيطر على جميع أجزاء البيت.

أما حين يذهب العقلاء إلى التل الذي صنعه السيل، فلا يجدون نظاماً هناك. فأحجار الرخام قد ركدت تحت الطين وأعمدة الحديد مبعثرة هنا وهناك، والأسلاك متشابكة فيما بنهما وملتفة بصورة مشوشة حول الأعمدة والأحجار، والأبواب مكسرة وشبه مكسرة، البعض منها بصورة أفقية والآخر بصورة عمودية، وبصورة موجزة: فإن الشيء الذي يفتقد في نتاج السيل هذا، هو النظام والقياس الصحيح.

يتضح للناظر العاقل من مقارنة هذين النموذجين أن صانع العمارة كان عالماً، وأن صانع التل كان فاقداً للعلم والشعور، ولقد وضع المهندس كل شيء في محله حسب قياسات ومحاسبات دقيقة أما السيل فلم يكن نتاجه صادراً عن وعي وإرادة بل أن اندفاع الماء قد بعثر كل شيء في مكان ما من دون نظم أو ترتيب.

إن بناء الكون الفسيح ونظامه العظيم مركب من آلاف الملايين من الأجرام الكونية الصغيرة والكبيرة، وإن الكرة الأرضية التي نعيش على ظهرها إنما هي جزء صغير من تلك الأجرام التي لا تعد ولا تحصى، وأن الأحياء على ظهر هذا الكواكب من نبات وحيوان وإنسان كل منها ذرة صغيرة جداً بالنسبة إلى الكرة الأرضية نفسها. إن فطرة كل فرد ترشده إلى أن لهذا الصنع العظيم صانعاً وأن لهذا البناء المحير وهذا الأثر العجيب مؤثراً. وإن الالهيين والماديين يتفقون في هذا الأمر الفطري لكنهم يختلفون في معرفة هذا الصانع وتعيين هذا المؤثر.

إن بناء الكون الفسيح ونظامه العظيم مركب من آلاف الملايين من الأجرام الكونية الصغيرة والكبيرة، وإن الكرة الأرضية التي نعيش على ظهرها إنما هي جزء صغير من تلك الأجرام التي لا تعد ولا تحصى، وأن الأحياء على ظهر هذا الكواكب من نبات وحيوان وإنسان كل منها ذرة صغيرة جداً بالنسبة إلى الكرة الأرضية نفسها

يرى الماديون ـ أي المنكرون لله ـ أن الكون العظيم نتيجة الصدفة فقط فهناك ملايين الحوادث غير الاختيارية والعوامل غير الارادية طوال آلاف الملايين من السنين اجتمعت لتوجد هذا الأثر وتنشئ هذا البناء. وبعبارة أوضح: انهم يقولون ان العالم يشبه ذلك التل المبعثر والقائم على غير قياس ونظام... الموجود نتيجة جرف السيل لتلك المواد الانشائية.

أما الالهيون فانهم يرون أن مظاهر النظام والترتيب الدقيق تبدو في كل زوايا الوجود، وأن الصدفة العمياء والطبيعة الفاقدة للارادة والوعي غير قادرة على أن توجد هذا الأثر الحكيم والمليء إدراكاً ووعياً. إن الله العالم القادر الحكيم هو الذي أقام نظام الكون على أساس المحاسبة الدقيقة والنظام المتقن وبعبارة أوضح: فإن هذا الكون أشبه بتلك العمارة المنظمة الجميلة التي أنشأها تفكير المهندس القدير وعمله، حيث نجد كل شيء مستقراً في محله حسب قياس صحيح.

لقد استدل العالم الشهير داروين على عقيدته بالنسبة إلى الله تعالى في رسالة له إلى عالم ألماني عام 1873 م بهذه الصورة:

"إن العقل الرشيد والفكر السليم لا يشك أبداً في أن من المستحيل أن يوجد هذا الكون الفسيح مع هذه الآيات الواضحة والشواهد المتقنة، مع هذه النفوس الناطقة والعقول المفكرة نتيجة للصدفة العمياء الجاهلة. ذلك أن الصدفة العمياء لا تستطيع أن توجد نظاما دقيقاً وبناًء قويماً. وهذا في نظري أكبر شاهد على وجود الله. أنا لا أبحث عن بقية البراهين والأدلة التي تثبت وجود الله، لأن باستطاعة هذا البرهان وحده أن يقنع كثيراً من الباحثين والمتتبعين"1.

"

يقول العالم الذائع الصيت انيشتين: يندر أن نجد شخصاً لا يملك بين أفكاره العلمية العميقة شعوراً دينياً. لكن ذلك الشعور الديني يختلف عن شعور البسطاء. إن شعوره الديني يكون في الغالب بصورة حيرة مجذوبة نحو الانسجام الدقيق المشاهد في الطبيعة هذا الانسجام يحكي عن عقل عظيم إذا قسنا التفكير البشري والنشاط الانساني معه كانا لا شيء تماماً"2.

سئل باستور بعد اكتشاف أسرار عالم الميكروبات عن رأيه في أصول الديانة فقال: إن عقيدتي بالدين قد ترسخت أكثر من السابق "3.

"ولكن في الاستطاعة أن نشير إلى شيء حدث منذ زمن بعيد، عند بدء الحياة على الأرض، وكان له شأن عظيم، ذلك: أن خلية واحدة قد نمت عندها القدرة المدهشة على استخدام ضوء الشمس في حل مركب كيمياوي، واصطناع غذاء لها ولأخواتها من الخلايا. ولا بد وأن لدات أخريات لخلية أصلية أخرى قد عاشت على الغذاء الذي أنتجته الخلية الأولى، وأصبحت حيواناً، في حين صارت الخلية الأولى نباتاً والنباتات التي هي نسل هذه الخلية هي التي تغذي جميع الكائنات الحية الآن، فهل يمكننا أن نعتقد أن كون خلية قد أصبحت حيواناً، وأخرى قد أصبحت نباتاً إنما حدث بطريق المصادفة؟"4.

الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي

---------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- أصل الأنواع ـ مقدمة المترجم الفارسية ـ ص:26.

2- إرتباط إنسان وجهان ج 1ص69.

3- إرتباط إنسان وجهان ج 1ص219.

4- العلم يدعو للإيمان تأليف إ كريسي موريسون. ترجمة: محمود صالح الفلكي.


مناظرة الشيخ المفيد مع بعض فقهاء العامّة في حكم الإجتهاد والتصويب

مناظرة السيد محمد تقي الحكيم مع بعض علماء الأزهر في حكم

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض أهل السنّة في أمر بعض الصحابة

مناظرة محمد بن أبي بكر مع معاوية

الماركسية واللاأخلاق

طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة

علم الكلام و رصد الحركات الإلحادية

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)