• عدد المراجعات :
  • 1815
  • 6/6/2011
  • تاريخ :

مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد

الورد

تارة يتعلق الأمر بالفرد، وأخرى بالجماعة، نذكر مثال الأب والأم أيضاً اللذين لهما عدة بنات وبنين، وهما يحبان الجميع. لكن أحد هؤلاء الأطفال متفوق على الآخرين. وان الوالدين لا يتصرفان طبقاً لميل هذا الطفل. فلو كان الميل مقياساً أيضاً، فعليهما الاهتمام بميول بقية الأطفال أيضاً. أي أن من يريد أن يتعامل مع أولاده بكمال المحبة يجب أن تكون لديه المصلحة هي المقياس، وهكذا تكون مصلحة الجماعة مقياساً لا مصلحة الفرد. وكما نرى موارد لا تتفوق فيها مصالح الفرد ومصالح الجماعة، فلو بذلنا اهتمامنا لتحقيق مصلحة الفرد، فإن مصالح بقية الأفراد، بل مصلحة ذلك المجتمع الذي يكون الفرد جزءاً منه ستنعدم، وسيتضرر ذلك الفرد نفسه أيضاً. لهذا يضحي في بعض الموارد بمصلحة الفرد لصالح الجماعة. ومن هنا فإن المحبة التي ذكرنا أن أصلها هو قصد الخير والإحسان توجب عدم اللين، وتستدعي ما يتصوره الإنسان ضرراً وسوءاً لنفسه، كالإعدام مثلاً عندما تكون فيه مصلحة الجماعة.

 

فلسفة القصاص

انظروا إلى تعبير القرآن بشأن مسألة القصاص، إن القرآن يدافع عن القصاص في قانونه الجزائي، في الموارد التي يقتل فيها الإنسان شخصاً بريئاً دون مسوغ، فإن الإسلام يجوز القصاص بإعدام القاتل. ويأتي هنا سؤال وهو أنه لو كان القتل أمراً قبيحاً، فلماذا نكرر نحن هذا العمل القبيح بعنوان القصاص؟ إننا بإعدام القاتل نكون قد كررنا قتل إنسان مرة ثانية. والجواب هو ما يقوله القرآن: ﴿  وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ  ﴾ 1 فالاعدام لا يمكن اعتباره قتلاً وإماتة، بل هو حياة. ولكن ليس للفرد بل للجماعة. أي أنكم تحفظون حياة المجتمع والأفراد الآخرين بالقصاص من شخص متجاوز، فلو لم تمنعوا القاتل عن فعله فإنه سوف يقتل فرداً آخر، وسيوجد أمثاله ممن يقتلون الكثير من الناس. إذاً لا تعتبروا ذلك اضمحلالاً للمجتمع، بل هو حفظ وبقاء له؛ ولا تعتقدوا بأنه إماتة، بل هو حياة؛ فالقصاص لا يعني كراهية الإنسان ومعاداته، بل يعني محبة الإنسان.

 

حب الإنسان

ونذكر هنا موضوعاً آخر وهو: يقال: "حب الناس" وهو كلام صحيح طبعاً، لكن يجب توضيحه. فالإنسان في (حب الإنسانية) يراد به الإنسان بما هو إنسان، أي يجب عليه حب الإنسان بسبب أنه إنسان، وبالمصطلح المعاصر (الإنسان بقيمة الإنسانية). فمرة نقول في تعريف الإنسان: انه حيوان ذو رأس وأذنين ومستقيم القامة ومتكلم. فإن كان هذا هو الإنسان فالذين أرادوا صلب عيسى (عليه السلام) هم أناس بمقدار ما كان عيسى إنساناً، فهم كانوا يتكلمون مثله، ولم يختلفوا عنه في هذه الناحية. ولكن ليس هذا هو المقصود، بل المقصود هو الإنسان لأجل قيمة الإنسانية، فلو وضعنا عيسى (عليه السلام) إلى جانب أعدائه، سيكون هناك نوعان مختلفان، فهذا شيء وذلك شيء آخر، أي يمكن أن يكون هذا إنساناً بلحاظ القيم الإنسانية، وذلك ليس إنساناً، بل حتى ليس حيواناً، وبتعبير القرآن هو أضل من الحيوان بمراتب. فيجب حب الإنسان لأجل الإنسانية، لا لأجل هيكله وشكله، وبعبارة أخرى يجب حب الإنسانية.

فلو أصبح الإنسان عدواً للإنسانية وضد البشر، واصبح مانعاً في طريق تكامل البشرية، فلا يسوغ لنا أن نحبه؟ انه بصورة إنسان ولكنه خال من محتوى الإنسانية. وبتعبير أمير المؤمنين (عليه السلام): "الصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان" ولا يسوغ أن نخون الإنسانية ونعاديها باسم حب الإنسان، إذن بغض النظر عن هذه المسألة، وهي أن المحبة ليست مراعاة للميول، بل هي مراعاة المصلحة وخير وسعادة المقابل. وبغض النظر عن أن مصلحة الفرد ليست مقياساً وملاكاً، بل يجب الالتفات إلى مصلحة الجماعة، فإن مسألة حب الناس هي حب الإنسانية، وإلا لو كان المراد في الإنسان هو إنسان علم الأحياء فلا فرق حينئذٍ بين الإنسان والحيوان فلماذا لا نحب الأغنام والخيول بقدر ما نحب الإنسان؟ فذلك حيوان ذو روح وهذا موجود ذو روح أيضاً. فإن كان الملاك هو وجود الروح والإحساس باللذة والألم فإنه موجود في الإنسان بمقدار ما هو موجود في غيره من الحيوانات.

إذن يجب إرجاع المسألة إلى حب الإنسانية. ومعنى حب الإنسانية هو رعاية مصالح الناس لا مراعاة الميول فقط فيتبين أن تفسير محبة الناس وفق التعامل حسب ما يرضي هذا أو ما يحبه ذاك، هو منطق وتفسير خاطئ، بل ان المحبة المنطقية هي التي تكون في بعض الأحيان مقترنة بالخشونة، والجهاد والمحاربة، والقتل، ووجوب القضاء على من يشكل عائقاً ومانعاً في طريق الإنسانية.

 

الاحسان إلى الكافر

القرآن يوصي بالمحبة والاحسان لجميع الناس حتى الكفار. ولكن بشرط أن يكون لهذا الاحسان أثر حسن. وان لم يكن له ذلك الأثر فذلك الاحسان سوء بهيئة إحسان. فمثلاً يقول تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ ﴾ 2 .

أي أن الله لا ينهى المسلمين عن الاحسان إلى الكفار المسالمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم كقريش حيث فعلت ذلك بالمسلمين. فعندما يقول لا تحسنوا إلى الكفار يعني أولئك المحاربين. فاحسان المسلمين إليهم هو عين الإساءة لأنفسهم.

 

العدالة مع الكفار

هل يجب العدل والقسط حتى مع الكفار المحاربين للمسلمين؟ أم ينهانا الله سبحانه عن العدل معهم كما نهانا عن الإحسان إليهم؟

الجواب: ما جاء في بداية سورة المائدة: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾3 وفي آيات أخرى من القرآن الكريم، إن لمحاربة الكفار حدوداً، فلو تجاوز المسلمين الحد المعين في قتالهم للأعداء، فذلك اعتداء وتجاوز للحدود بتعبير القرآن، يقول تعالى: ﴿  وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين ﴾4.

مثلاً لو رمى العدو سلاحه أرضاً وسلم نفسه لكم، فلا تقتلوهم، ولا تتعرضوا لأطفالهم ونسائهم وشيوخهم وبيوتهم وزرعهم وعيون مائهم. تلك الأوامر التي كان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يعطيها لجنوده حينما يعزمون على الحرب. فعندما يتعلق الأمر بالعدالة والظلم فإنه يقول: لا تتجاوزوا الحدود مع الكافرين أيضاً ولا تظلموهم واعدلوا معهم.

فتجب مراعاة العدالة على أي حال، والاحسان إلى الكفار بشرط أن يكون له تأثير حسن، أما لو كان له تأثير سيئ على المسلمين فلا يجيزه الإسلام أبداً. فيقول مثلاً: لا تبيعوا سلاحاً للكافر. مع علمكم أو احتمالكم بأن بيع السلاح للكافر يقويه وسيحاربكم به، ولكن لا مانع من بيع شيء للكافر ليس له أثر سيئ5 .

 

الإمام الصادق عليه السلام والرجل الكافر

رأى الإمام الصادق (عليه السلام) في سفره رجلاً إلى جانب شجرة في حالة تبين حزنه وتألمه. فقال (عليه السلام) لمن معه: لنذهب إلى هناك، كأن لهذا الرجل مشكلة وهو لا يتكلم ولا يطلب العون من أحد. وحينما ذهبوا إليه عرفوا من لباسه أنه رجل غير مسلم: إذ كانوا يلبسون ملابس خاصة يعرفون بها، وقد تبين أن هذا المسكين وحيد في الصحراء وجائع وظمآن. فأمر الإمام (عليه السلام) بإعطائه ماءً وطعاماً فنجى من الموت. فقال من كان مع الإمام (عليه السلام): إنه كافر، فهل يمكننا أن نعطف على الكافر ونعينه؟ قال (عليه السلام) نعم، العطف الذي يوصل له الخير فقط. فإنه لا يضر في شيء، فهل عاديتم المسلمين بالإحسان إلى هذا؟

الشيخ مرتضى مطهري

-------------------------------------------------------------------

المصادر:

1- البقرة: 179.

2- الممتحنة: 8 - 9.

3-المائدة: 8.

4- البقرة، : 190.

5- ولا يختص بالسلاح، بل يشمل كل ما يقوي بنية الكافر


مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية

دور الأمم المتحدة في صيانة حقوق الإنسان

حقوق الإنسان في نظام الجمهوريه الإسلاميه

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)