• عدد المراجعات :
  • 1289
  • 5/18/2011
  • تاريخ :

إنتهاك الإنسان لحق أخيه

الورد

كثيراً ما تكون المودة قائمة بأجمل معانيها وصورها بين أخوين وبعد ذلك تزول لتنقلب إلى كراهية وفي بعض الحالات إلى عداوة بعد صداقة قديمة وأخوة حميمة، فما هو السبب يا ترى؟

إن السبب هو إنتهاك الإنسان لحق أخيه وقيامه بالأسباب التي توجب زوال المودة والتي من الواجب اجتنابها لا إرتكابها. وهي:

 

أسباب زوال المودة:

 

1- السبب الأول: المراء

وهو في اللغة: أن يطعن الرجل في قول الاخر تزييفاً للقول وتصغيراً للقائل على نحو الاعتراض.

فإن أقل ما يمثله هذا التعامل السي‏ء هو التكذيب والاهانة وتقزيم الاخر مع أنه من حقّه أن يُحترم ويوقّر ويصدّق، فكيف تدوم الأخوة والمودة دون احترام وكرامة؟!

ومما جاء في ذلك عن الإمام الهادي عليه السلام:

"المراء يفسد الصداقة القديمة ويحلّل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة والمغالبة أسُّ1 أسباب القطيعة"2.

 

2- السبب الثاني: إطاعة الواشي3

عن علي عليه السلام:

"من أطاع الواشي ضيّع الصديق"4.

حيث من الطبيعي جداً أن تؤدي الوشاية التي هي عبارة عن عملية إفساد للمودة بين طرفين، وزرع الاضغان في صدر كل واحد منهما من خلال افتراء كاذب لا واقع له يتصور معه أن أحدهما لا يكنّ للاخر أي تقدير وإنما يتربص به الدوائر، وهذا إنما يحصل فيما إذا استجاب الإنسان واصغى للنمّام الكاذب الذي أراد الوقيعة به أما إذا تابع موازين الشرع المبين وكذّب سمعه، وردّ مقالة هذا المبطل فإن المودة والاخاء يدومان بأمن وسلامة.

وعليه ما يفسد العلاقة هنا ليس الواشي لوحده فهو جزء السبب والجزء الاخر هو المطيع لوشايته، إذ لو لم يطعه لن تحل العرى الوثيقة بينه وبين أخيه وسيبقى الأمر على ما يرام، وهنا يكون المورد محلاً للامتحان من جراءه يعرف مدى الوعي لدى الإنسان هل هو متسرع يعير أذنه لأي شخص ويحكم على أساس الكلام الواهن أو أنه متأنٍ غير عجول يسلك سبيل الاحتياط الذي فيه النجاة.

 

3- السبب الثالث: ذهاب الحشمة

فقد جاء عن الصادق عليه السلام:

"لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها، فإن ذهاب الحشمة ذهاب الحياء، وبقاء الحشمة بقاء المودة"5.

لا شك أن الابتذال والتصرف أمام الاخر كأنه غير موجود، ولجوء الأخ إلى القيام ببعض الأعمال بداعي أنه لا كلفة بين الاخوان مع أنها غير لائقة ولا مناسبة، يؤدي إلى هوان الإنسان على أخيه ويسقطه من عينه، فلا يقيم له وزناً ولا تدوم بينهما مودة لأنها قائمة على تقدير كل منهما للاخر واحترامه، فإذا أهان الواحد نفسه من خلال عدم حيائه كيف يطلب من الاخرين تكريمه بعدما لم يترك ما يساعده على الاحتفاظ بكيانه الجميل من حشمته.

 

4- السبب الرابع: عدم التناصف والتراحم

في الحديث عن مولانا الصادق عليه السلام:

"تحتاج الاخوة بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها وإلا تباينوا وتباغضوا وهي: التناصف والتراحم ونفي الحسد"6.

 

5- السبب الخامس: الحسد

حيث لا تجتمع الاخوة الصادقة مع الحسد وتمنّي زوال النعمة عن أخيه وهذا ما أشير إليه في الحديث السابق.

 

6- السبب السادس: المخاصمة

وهي الجدل ابتداءً، وعدم التوافق والاجتماع في الموقف والرأي أو العمل والسيرة.

 

7- السبب السابع: الملاعبة

وهي عبارة عن التزييف وابهام الأمور وإلباسها غير لباسها الحقيقي والواقعي بغية الوصول إلى مارب لا تتفق مع التعامل في القضايا بحسب ما هي عليه.

 

8- السبب الثامن: المجاراة

ويراد بها عدم الصدق في الموقف وعدم المصارحة.

 

9- السبب التاسع: الممازحة

التي هي الهزل في الخطاب وعدم الجدية وربما تعدت إلى جملة من الأعمال مما يؤذي ويسبب حرجاً أو ضرراً للطرف الاخر.

أما الملاطفة والتراحم فهما على العكس تماماً فإن الذي يلاطف أخاه بغية ادخال السرور على قلبه يكون مأجوراً وهو أمر مطلوب ورد الحث عليه في اخبار المعصومين عليهم السلام.

 

10- السبب العاشر: المواضعة

ويعنى بها وضع شأن الاخر وتصغيره وخفضه وكثيراً ما يقع في هذه الافة القرناء والزملاء إذا كانوا في صف واحد في مدرستهم أو جامعتهم أو مكان عملهم، فأثنى بعض الناس على أحدهم بما فيه من مميزات ومؤهلات، سرعان ما تثور ثائرة قرينه ليسارع إلى تصغيره ووضعه، نتيجة شعوره بنقصٍ في نفسه ودنو في درجته فيسوّل له الشيطان اختيار أحد أمرين إما الاستعلاء الكاذب وادعاء الرفعة لكي يصل إلى درجة صاحبه وإما انزال الاخر إلى مستواه وفي الحالتين سيكون السبيل مذموماً ومنهياً عنه لأن من أقبح الأخلاق أن يدّعي الإنسان صفة ليست فيه ومميزة لا يمتلكها وكذلك أن يسلب الاخر محاسنه ومميزاته بإنكارها أو من خلال إخفاء المناقب واظهار المثالب.

 

11- السبب الحادي عشر: المرافعة

وهي رفع شأن الاخر بما هو ليس فيه من خلال الاطراء والمديح وإبرازه في صورة لامعة لا مثيل لها مع أنه ليس كذلك وهذا ما يكثر حينما تتقاطع المصالح بين الناس أو مع أصحاب المال وذوي النفوذ من الرؤساء والوزراء والمسؤولين في شتى ميادين الحياة إذا لم يكن الإنسان الذي يعمل معهم حراً وكريماً.

وقد جاء التحذير من هذه الأمور الستة الأخيرة على لسان أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال له الحارث يا أمير المؤمنين أنا واللَّه أحبك فقال له يا حارث:

"أما إذا أحببتني فلا تخاصمني ولا تلاعبني، ولا تجاريني، ولا تمازحني، ولا تواضعني ولا ترافعني"7.

 

12- السبب الثاني عشر: التكلّف

وهو أن يجعل الحواجز بينه وبين أخيه ويختلق الرسميات والبروتوكولات، والأساليب التي يصعب معها التعامل والسهولة في المواصلة وحينئذ يشعر بثقل العلاقة معه وعدم الراحة في الاستمرار ما دام ذلك بينهما.

 

يقول الصادق عليه السلام:

"اثقل اخواني من يتكلّف لي واتحفظ منه واخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي"8.

 

13- السبب الثالث عشر: التأفّف

فقد جاء في الحديث: "إذا قال المؤمن لأخيه أف خرج من ولايته"9.

 

14- السبب الرابع عشر: الإهانة

فيما روي أنه نزل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وقال له: "يا محمد إن ربك يقول: من أهان عبدي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة"10.

 

15- السبب الخامس عشر: تتبّع العثرات

فيما قاله الصادق عليه السلام:

"أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يكون الرجل مواخياً للرجل على الدين ثم يحفظ زلاته وعثراته ليضعه بها يوماً ما"11.

وفي حديث اخر:

"لا ترموا المؤمنين ولا تتبعوا عثراتهم فإن من يتبع عثرة مؤمن يتبع اللَّه عزّ وجلّ عثرته ومن يتبع اللَّه عزّ وجلّ عثرته فضحه في بيته"12.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- أُسُّ الشي‏ء يعني أصله.

2- ميزان الحكمة، ح10293.

3- الواشي والوشاء: النمّام.

4- البحار ج73-17160

5- ميزان الحكمة، حديث 169.

6- تحف العقول، ص322.

7- الخصال، ص334.

8- المحجة البيضاء، ج3.

9- المؤمن للأهوازي، حديث 198.

10- م.ن. حديث 186.

11- المصدر نفسه. حديث 171.

12- المصدر نفسه. حديث 188.


أصناف الأخوان

عظمة حق الأخ

دور التآخي في بناء المجتمع 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)