• عدد المراجعات :
  • 887
  • 5/18/2011
  • تاريخ :

المراة الخامسة في حياة النبي(1)

الورد

نِساءٌ في حياةِ النبي

وهي الصدِّيقة  الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وقد قامت منه مقام البنت والأم فهي تجهد أن تعوضه بحنانها عما افتقده بأفتقاد أمها خديجة ، وهي تسعى أن تكون لرسالته كما كانت أمها من قبل ، لم تمنعها حداثة السن عن التعرف إلى جميع مشاكل أبيها وآلامه مهما كانت المشاكل مهمة ومهما كانت الآلام هائلة ، لم تضعف ولم تهن ولم تتردد او تتراجع ، وقد جاء في رواية عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم الى سلى(1) جزور بني فلان فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلما سجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وضعه بين كتفيه  فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر ، لو كانت لي منعة لطرحته عن ظهره ، والنبي ساجد لا يرفع رأسه حتى أنطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وطرحته عنه ثمّ أقبلت عليهم تؤنبهم على ذلك .

هذه إحدى الروايات التي تدل على منزلة الصديقة في قلب أبيها ومحلها من دعوته ورسالته وكأنها قد شعرت مع حداثة سنها بأنها مسؤولة عن أن تكون المرأة الخامسة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد واكبت سيره بكل شجاعة وإقدام .

فهي مثال المرأة المسلمة المترفعة عن المواد الدنيوية والصاعدة بروحها وروحياتها إلى أفق الكمال وسماء العصمة والفضيلة ، فإن النفس البشرية إذا أستنارت بنور الإسلام وإذا نفذت إلى مكنوناتها تعاليمه وحِكمه استغنت بمعنوياتها عن كل ما تحتاج إليه النفوس الضعيفة من مقومات لشخصيتها .

ونحن الآن لا نكاد نتصور مدى ما كانت تتطلبه من شجاعة ، هي وجميع المسلمات في ذلك العصر .

فنحن الآن ، وبعد أن عمت كلمة الإسلام جميع الأقطار الإسلامية والحمد لله ، لا تكاد تجرؤ إحدانا أن تجهر بالكلمة الإسلامية صريحة واضحة ، وكانت الزهراء صلوات الله عليها قد أنصهرت بأفكار الإسلام روحياً وفكرياً فقد كانت وهي بنت أعظم رجل عرفه التاريخ وريحانته الغالية والتي كان النبي يدعوها بأم أبيها ويقول : فاطمة بضعة مني من أرضاها فقد أرضاني ومن أغضبها فقد أغضبني. وكان يقول حينما يقبلها إني أشم منها رائحة  الجنة ، وهي الحوراء الإنسية ، وكانت عنده بمنزلةٍ ما فوقها منزلة. فكانت آخر من يراه عند سفره وأول من يلقاه عند رجوعه من السفر ، وكانت هي من أنحصر فيها نسله صلوات الله عليه ولم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجهل ذلك .

  نعم كانت هي هكذا وكانت أكثر من هذا ولكنها ومع كل هذه المميزات الروحية والمعنوية كانت بسيطة في إسلوب حياتها لا تكاد تختلف عن أي أمرأة فقيرة ، فبيتها متواضع للغاية لا يحوي إلاّ النزر القليل من الأثاث الضروري الذي لا يمكن الأستغناء عنه .

فهي مثال المرأة المسلمة المترفعة عن المواد الدنيوية والصاعدة بروحها وروحياتها إلى أفق الكمال وسماء العصمة والفضيلة ، فإن النفس البشرية إذا أستنارت بنور الإسلام وإذا نفذت إلى مكنوناتها تعاليمه وحِكمه استغنت بمعنوياتها عن كل ما تحتاج إليه النفوس الضعيفة من مقومات لشخصيتها .

نعم هكذا كانت فاطمة الزهراء وهي ريحانة النبوة وزهرة الهاشميين فتاة ترعرعت في أحضان الأبوة الرحيمة ، وهكذا كانت هي عروس تزف إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام )، فقد خطبت إلى أبيها من قبل كثيرين كان منهم أكابر الصحابة والرسول يردهم بشتى الحجج والمعاذير ويقول لهم أنه ينتظر فيها أمر السماء فقد كان صلوات الله عليه يعلم أن نسله قد أنحصر في فاطمة ، وأن فاطمة وبعلها وأبناءها هم الذين سوف يكونون الامتداد لرسالته ولدعوته السماوية، ولهذا فقد كان ينتظر الرجل الجدير بتحمل هذه المسؤولية فلم يكن يتوخى في زواجها مالاً ولا ثراءً ولكنه كان ينتظر لها الكفء.

وفي يوم مبارك ، وبعد أن كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد رد كل من تقدم لخطبة الزهراء وبما فيهم أبو بكر وعمر ، أقبل علي أمير المؤمنين عليه السلام الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما كان يقبل ، فيحييه ويجلس اليه كما كان يجلس ، ولكن الرسول يحس أن أبن عمه قادم لأمر هام وقد عرف ذلك بفراسته الشخصية وبالإيجاء النبوي ، فيقبل عليه وهو يسأله متلطفاً مشجعاً وكله حب وحدب على الشاب العزيز الجالس أمامه ، هذا الشخص الغالي الذي آخاه وأصطفاه والذي فتح له قلبه رضيعاً ومهد له بيته صبياً .

وها هو الآن يوشك أن يسلمه أغلى شيء عنده وأعزمخلوقة عليه ، ثمّ يقول : ما حاجة ابن أبي طالب وما الذي يشغل فكرك يا ابن العم ؟ وكانت هذه الكلمات الرحيمة هي التي شجعت أبن عم الرسول على أن يقول بصوت خفيضٍ وهو يغض بصره أمام رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله ، ثمّ يسكت ولا يقوى على الإفاضة أكثر مما قال ، فيجيبه الرسول وهو على ما عليه من بشر ورقَّةٍ لا متناهية مرحباً وأهلاً . ويسكت لحظة ليعود فيسأله حدباً مشفقاً وهل عندك شيء ؟ فيجيبه علي وهو لا يزال مغضٍ ببصره إلى الأرض ، لا يا رسول الله.

فيمسك الرسول لحظة ثمّ يتذكر أن علياً أصاب درعاً من مغانم بدر فيعود ليسأله أين درعك الذي أعطيتك إياه يوم كذا ؟ فيجيب علي وقد غلبه التأثر لما يلقى من بِرِّ النبي ورعايته وما يلمس من روح ابن عمه وصفائها وهو يعلم أنه جاء يخطب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة التي هي أعز مخلوقة عند رسول الله ، فيجيب : هي عندي يا رسول الله، فيقوم النبي صلوات الله عليه ثمّ يدخل على أبنته الغالية ليرى رأيها فيما يطلبه أبن عمه وأخوه ويقول لها متلطفاً رفيقاً باراً : يا عزيزة أبيها الغالية لقد ذكرك أبن عمك علي فما رأيك في هذا يا بنتاه ، والزهراء كانت تعرف ابن عمها علياً ، وتعرفه كما لا يعرفه غيرها من الناس.

فهو سيف أبيها ودرعه والفادي له بنفسه ، والبائت على فراشه ، وحامل لوائه ، هذا عدا أنها كانت تسمع دائماً مدحه والإعجاب فيه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكانت تشعر دائماً وأبداً أن أبن عمها علياً هو أقرب المسلمين للرسول وأحبهم إليه وهي الآن على ثقة من أن رسول الله (ص) راغب في هذا محبذ له ، وإلاّ فما كان ليسألها عن رأيها فيه ، فما أكثر ما خطبت الى أبيها قبل اليوم وكان يردهم دون أن يسألها عن رأيها في الخطاب ، وعلى هذا ولكونه جاء ليرى رأيها في علي بن أبي طالب ، عرفت الزهراء صلوات الله عليها رأي أبيها في علي وفي هذه الخطبة ، ولكنها مع هذا تسكت ولا تتمكن أن تجيب ، فما عساها أن ترد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحياؤها العذري يمنعها من التصريح بما تريد ، ورضاؤها بهذا الخاطب وقبولها لهذه الخطبة يمنعانها من الرفض فتطرق إلى الأرض ولا تجيب .

 والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كل هذا يتطلع إليها ويقرأ ما ينطبع على ملامحها من أحاسيس وأنفعالات ويشعر أنها راضية ، ويحس أنها مرتاحة مسرورة فيقوم وهو متهلل الوجه ، باسم الثغر ويقول : سكوت الباكر علامة رضاها ، فلا ترد عليه ولا تعترض ، فيبتسم ويخرج إلى أبن عمه ليخبره برضاء الزهراء ويقول له : أين الدرع يا علي ؟ فيذهب علي مسرعاً ويأتي بالدرع فيأمره النبي أن يبيعها ليجهز العروس بثمنها ، وقد أشتراها عثمان بأربع مائة وسبعين درهماً حملها علي صلوات الله عليه ووضعها أمام الرسول ، فتناولها بيده الكريمة ثمّ دفعها إلى بلال ليشتري ببعضها طيباً وعطراً ويدفع الباقي إلى أم سلمة لتشتري جهاز العروس ، ثمّ يجمع النبي صحابته وآله ويشهدهم أنه زوج ابنته فاطمة من أبن عمه علي بن أبي طالب على أربع مائة مثقال من الفضة على السُّنة القائمة والفريضة الواجبة ثمّ قدم للضيوف حلوى العرس الهاشمي النبوي وهو وعاء تمر .

على هذا النمط البسيط وعلى هذا النحو القدسي تمت خطبة الزهراء بنت رسول الله إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وتأخر الزفاف إلى الوقت الذي يتم فيه جهاز العروس ويهيأ بيت العريس.

نعم هكذا بكل بساطة تمت خطبة أعظم خطيبين ، فالزهراء عندما خطبت لابن عمها لم تكن تفكر في شيء مما يشغل أفكار غيرها من العرائس ، لم تكن تهتم بما يملك عريسها من مال وما يهيأ لها من أثاث ورياش ، لم تكن تحفل بالسفاسف من الأمور كأن تكون خطبتها رسمية عامة شاملة تعمر بالترف والبذخ ، لم تكن تحفل بكل هذه الأمور الدنيوية فهي أبنة رسول الله وابنة خديجة الكبرى .

أوليست أمها هي التي بذلت المال رخيصاً في سبيل العقيدة ؟ أوليست أمها هي التي استبدلت القصر الشامخ بالبيت المتواضع والترف الزاهي بشظف العيش ومره ؟

وها هي أبنتها فاطمة تُخطب إلى علي أمير المؤمنين بهذه الروعة اللامتناهية التي كونتها هذه البساطة في الخطبة ، فالإمام علي كان يخطب شخص الزهراء بنت رسول الله ، والزهراء صلوات الله عليها قبلت بالزواج حباً بعلي وبشخصه لا غير ، فلولا أن خاطبها كان غير علي بن أبي طالب لما رضيت أن تفارق أباها وبيته إلى أي زوج كان ، ولكنها كانت تعلم أنها بزواجها من علي بن أبي طالب تتقرب إلى أبيها وإلى رسالته أكثر منها قبل الزواج ،  وأنها إذا قرنت حياتها بحياة علي تمكنت أن تسند علياً بجهادها الإسلامي وأن تركز جهاد أبن عمها بمؤازرتها له ، ولذلك فقد تلقت عرض الزواج بكل ارتياح .

وإني لأعجب لما كتبته الدكتورة بنت الشاطيء في كتاب بنات النبي ، وما عللت فيه رضاء الزهراء بعلي بن أبي طالب وما بينته في أسلوب هو أقرب الى الخيال القصصي منه إلى الواقع .

فقد كان الاضطهاد والشرك والظلم قد خف وتلاشى في المدينة ، ولما علت كلمة الإِسلام اطمأنت الزهراء على أبيها وعلى راحته النفسية ثم أنها حينما كانت ترفض الزواج كانت ترفضه لكي لا تخرج من حياة أبيها ولكي لا تبعد عن رحابه وعرينه ، وزواجها بعلي كما كانت تعلم واثقة أنه سوف يقربها لأبيها ويدنيها إليه أكثر وأكثر ، وأنها لن تترك بيت أبيها بل ستكوِّن لأبيها بيتاً جديداً هو بيتها الذي يضمها وابن عمها علي بن أبي طالب. وفعلاً فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذه الآية الكريمة كلما مر على باب فاطمة وعلي : ( ... إنما يُريد الله ليذهبَ عنكم الرجٌسَ أَهل البيت ويُطهَّركم تطهيراً ) الآحزاب/33 ، صدق الله العظيم .

 وقد عرفت الزهراء كل هذا ولأجل هذا رضيت بابن عمها وآثرت بيته على البقاء في بيت أبيها ، ولا دخل لآي امرأة من نساء النبي في زواجها ودواعيه ، وإنما أعرضت عن الزواج لعدم وجود الكفء ، وأقدمت عليه بعد أن وثقت من كفاءة الزوج.

ولا أدري كيف سمحت الدكتورة بنت الشاطيء لنفسها أن تفسر قبول فاطمة للزواج بدخول عائشة في حياة النبي ، وتقلص مكانة البنت في قلب أبيها ، هذه البنت التي كانت كل شيء لآبيها في قلبه وحياته ، وقد جاء في الاستيعاب عن السيدة عائشة نفسها أنها سُئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله ؟ قالت : فاطمة فسُئلت : فمن الرجل ؟ قالت : زوجها ، وجاءت هذه الرواية أيضاً عن الترمذي : وفي الاستيعاب بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، وفي المستدرك بسنده عن جميع بن عمير وصعصعة ، وقد رواه الترمذي بسنده عن بريدة مثله ، وروي الحاكم في

المستدرك وصححه بسنده عن جميع بن عمير قال : دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي فقالت تسألينني عن رجل والله ما أعلم رجلاً كان أحب إلى رسول الله ( صلي الله عليه وآله وسلم ) من علي ، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول الله من امرأته فاطمة ؟ وقد كان رسول الله يكرر دائماً أن فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها وأن فاطمة شجنة مني ، يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواضحة.

---------------------------------------------

الهوامش:

1- السلى : جمعها أسلاء ، جلدة يكون ضمنها الولد في بطن أمه إذا أنقطع في البطن هلكت الأم والولد ، يقال : « انقطع السَّلى في البطن » أي ذهبت الحيلة وعظم الويل

مصدر: المرأة مع النبي « صلى الله عليه وآله » في حياته و شريعته

تأليف: الشهيدة بنت الهدى


المراة الاولي في حياة النبي

المراةالثانية في حياة النبي

المراة الثالثة في حياة النبي

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)