• عدد المراجعات :
  • 348
  • 4/23/2011
  • تاريخ :

أميركا تميل إلى استخدام العنف لحل مشاكلها

أميركا تميل إلى استخدام العنف

لفهم نية الإدارة الأميركية يتعين أن ينصب التركيز على نفوذ ثلاث شخصيات رئيسة: وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والسفيرة سوزان رايس، ومديرة مجلس الأمن الوطني لحقوق الإنسان سامنثا باور، إذ تشغل هؤلاء السيدات مناصب نافذة ويشعرن بعبء كبير وندم شديد لأن الولايات المتحدة فشلت، في عام 1994، في الرد بفاعلية على الإبادة الجماعية في رواندا، لذا قررن التصرف هذه المرة كما يجب.

من المألوف في السياسة الأميركية أن تصل إلى البيت الأبيض شاحنات محملة بالبذلات الرسمية وربطات العنق الأنيقة في يوم تنصيب أي رئيس أميركي، ولكن يترافق هذا الحدث أيضاً مع كم هائل من الآمال والتوقعات.

من المألوف في السياسة الأميركية أن تصل إلى البيت الأبيض شاحنات محملة بالبذلات الرسمية وربطات العنق الأنيقة في يوم تنصيب أي رئيس أميركي، ولكن يترافق هذا الحدث أيضاً مع كم هائل من الآمال والتوقعات.

 يفتح كل رئيس أميركي صفحة جديدة من التاريخ، كونه أقوى رجل في العالم. على الأقل، هذا ما يظنه الأميركيون أو ما يدعونه، وهكذا تنتهي حقبة قديمة ومشينة ومخيبة للآمال لتبدأ مرحلة جديدة ونظيفة وواعدة. لماذا يُقدِم أي رئيس جديد على إصدار أمر بإغلاق سجن خارجي أثار الحرج والجدل كونه يضم إرهابيين متهمين منذ سنوات من دون محاكمة! هكذا انتهى ملف معتقل غوانتنامو بكل بساطة!

 لأسباب كثيرة، ارتفع حجم الطموحات والتوقعات مع وصول باراك أوباما إلى المكتب البيضاوي، ولم يتأثر الأميركيون حصراً بهذا الحدث، وإلا كيف يمكن تفسير قرار لجنة جوائز 'نوبل' بتكريم الرئيس الجديد عبر تحويل جائزة 'نوبل للسلام' إلى جائزة للسلام الموعود، فالأمر أشبه بتحديد الفائز بأي بطولة رياضية منذ الأسبوع الأول على انطلاق المنافسة.

 إذا كان المزاج السياسي، قبل تنصيب رئيس جديد أو بعده مباشرةً، يركز على الوعود واستكشاف المزيد عن العائلة الحاكمة الجديدة، فلن يطول الأمر قبل أن تتلاشى المظاهر الاحتفالية بالعهد الجديد، وسرعان ما تعلو الاحتجاجات: الرئيس يتراجع عن وعوده ويخيب آمال الشعب، وهو لا يختلف عن غيره في نهاية المطاف!

 تنطبق كلمات الصحافي إتش. ل. منكين على الوضع القائم، فهو كتب: 'حين أشاهد رجلاً تصفق له الحشود، أشعر بالشفقة عليه دوماً، فكل ما يجب أن يفعله ليسمع صيحات الاستهجان هو أن يبقى في منصبه لفترة كافية'. لقد مضى على أوباما في الحكم الآن ما يكفي من الوقت ليتلقى صيحات الاستهجان والانتقادات اللاذعة.

 إلى جانب تمديد فترة الحرب في أفغانستان وتوسيع نطاقها، أدى الرئيس الحائز جائزة 'نوبل للسلام' دوراً رائداً في إطلاق حرب جديدة في ليبيا. يسعى المدافعون عن أوباما إلى التمييز بين هذه الإدارة الأميركية والإدارة التي سبقتها، فيشددون على 'نظافة' دوافعه، ففي حين ادعى جورج بوش الابن أن القوات الأميركية غزت العراق الغني بالنفط لإبعاد أسلحة الدمار الشامل عن الإرهابيين، فإن المدافعين عن أوباما يعتبرون أن إصرار الرئيس الراهن على تدخل الولايات المتحدة في ليبيا الغنية بالنفط يهدف إلى منع وقوع مذبحة أو إبادة جماعية. فضلاً عن ذلك، يتمتع الأميركيون هذه المرة بدعم الفرنسيين، ما يؤكد حُسن نيّتهم.

لأسباب كثيرة، ارتفع حجم الطموحات والتوقعات مع وصول باراك أوباما إلى المكتب البيضاوي، ولم يتأثر الأميركيون حصراً بهذا الحدث، وإلا كيف يمكن تفسير قرار لجنة جوائز 'نوبل' بتكريم الرئيس الجديد عبر تحويل جائزة 'نوبل للسلام' إلى جائزة للسلام الموعود، فالأمر أشبه بتحديد الفائز بأي بطولة رياضية منذ الأسبوع الأول على انطلاق المنافسة.

 

لا نفع من تفسير أسباب التدخل

إن تحديد هدف سياسي واحد أو طريقة تفكير معينة لتبرير مبادرة خارجية واسعة النطاق يعني الدخول في سوء تفاهم عقيم. في أي إدارة، تنجم القرارات عن إجماع الأطراف المعنية، ولا يعني وجود إجماع بين مستشاري الرئيس الحصول على موافقة جميع المسؤولين (عل سبيل المثال، دعمت أوساط ليندون جونسون الداخلية تصعيد الصراع في جنوب فيتنام عام 1965، وضغط جورج بوش الابن من أجل تغيير النظام في بغداد).

 تحديد الدوافع مسألة شائكة، وفي هذا الإطار، ذكر بول وولفويتز في الشأن العراقي أن مسألة أسلحة الدمار الشامل لم تكد تقدم بُعداً منطقياً لتبرير الحرب، لكن في الواقع، برز خليط من الدوافع لإصدار القرار بالغزو، وبالنسبة إلى بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية، برز احتمال التخلص من مصدر محتمل للمتاعب، مع الحرص على تقديم درس صارم إلى مثيري المشاكل الآخرين، لكن بالنسبة إلى الآخرين، اقتنع البعض بوعود إعادة فرض الهيمنة الأميركية على الدول الغنية بالنفط في العالم، لكن كان البعض الآخر (منهم وولفويتز نفسه) لايزالون مقتنعين بوجود نزعة نحو تغيير الوضع في المنطقة وإرساء الديمقراطية والسلام فيها، وبالتالي التخلص من جميع مصادر الإرهاب بشكل نهائي.

 على الهامش، شملت تلك المعادلة على الأرجح توسيع صلاحيات الرئاسة على حساب الكونغرس، وتدعيم أمن إسرائيل، وإنهاء ما لم يكمله الرئيس السابق، ووسط هذا الخليط من المعطيات، يمكن أن يختار صانعو السياسة ما يشاؤونه.

 في وجه الظروف المتغيرة، ذهب البعض إلى حد المطالبة بحق مراجعة خياراتهم، فمن يستطيع التشكيك بأن الرئيس بوش الذي واجه إخفاقات كبرى- تبين أنه لا وجود لأي أسلحة دمار شامل في العراق- أقنع نفسه فعلاً بأن الهدف الحقيقي من غزو العراق كان يقضي بتحرير الشعب العراقي من القمع الوحشي؟ في نهاية المطاف، ألم تُسمَّ الحملة العسكرية منذ اليوم الأول 'عملية تحرير العراق'؟

تحديد الدوافع مسألة شائكة، وفي هذا الإطار، ذكر بول وولفويتز في الشأن العراقي أن مسألة أسلحة الدمار الشامل لم تكد تقدم بُعداً منطقياً لتبرير الحرب، لكن في الواقع، برز خليط من الدوافع لإصدار القرار بالغزو،

 بالتالي، حتى لو انشغل الصحافيون والمؤرخون بمحاولة تفسير أسباب حصول الأحداث، فستكون مساعيهم بلا جدوى، ومهما كانوا عبقريين ويملكون مصادر معلومات وافية، فإن أجوبتهم ستبقى توقعات جزئية وغامضة، ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك.

 بدل التحري عن الأسباب، يجب التركيز على الطريقة التي وقعت فيها تلك الأحداث، ففي هذا المجال، نجد نقطة مشتركة بين باراك أوباما وجورج بوش الابن (ولا ننسى بيل كلينتون، وجورج بوش الأب، ورونالد ريغان، وجيمي كارتر). لم تتغير طريقة تعامل واشنطن مع العالم الإسلامي منذ أكثر من ثلاثة عقود: إنها مقاربة استعمال القوة التي تتبناها الولايات المتحدة! بكل بساطة، تركّز مقاربة واشنطن بشكل أساسي على شن الحروب والتورط فيها.

 قد لا يوافق الرؤساء على ما نحاول تحقيقه في الشرق الأوسط الكبير (آخر ما يريده أوباما هو اقتباس عبارات من أجندة الحرية التي وضعها بوش مثلاً). لكن خلال العقود الماضية، وافق جميع الرؤساء على الوسائل المعتمدة: بغض النظر عما نريد تنفيذه، ربما يحمل الجيش مفتاح تحقيقه. نتيجةً لذلك، ها نحن اليوم أمام المشهد الاستعراضي المذهل الذي يُظهر أوباما وهو يتبنى ويتوسع في تنفيذ مبدأ 'الحرب العالمية على الإرهاب' الذي وضعه بوش، مع أنه شكك في السابق بتلك العبارة واعتبرها غير مناسبة في قضية معتقل غوانتنامو كونها تجسد خطاباً خاطئاً على المستوى السياسي.

 طريقة التعاطي الرئيسة هي استعمال القوة!

لفهم نية هذه الإدارة يتعين أن ينصب التركيز على نفوذ ثلاث شخصيات رئيسة: وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والسفيرة سوزان رايس، ومديرة مجلس الأمن الوطني لحقوق الإنسان سامنثا باور، إذ تشغل هؤلاء السيدات مناصب نافذة ويشعرن بعبء كبير وندم شديد لأن الولايات المتحدة فشلت، في عام 1994، في الرد بفاعلية على الإبادة الجماعية في رواندا، لذا قررن التصرف كما يجب هذه المرة. إنها شؤون داخلية، وهي تبقى عرضة للتخمينات، لكن ما يمكن التأكيد عليه هو الآتي: من خلال اعتبار الشرق الأوسط منطقة هشة لا مفرّ من ضربها عسكرياً، أُدرج الرئيس الراهن على لائحة طويلة بأسماء أسلافه المحاربين. لكن تكمن النقطة الرئيسة في أن أوباما ومعاونيه (وأي شخصية في منصب نافذ)- تماماً مثل أسلافهم- لا يأخذون عناء تقييم نسبة نجاح مقاربة استعمال القوة، على الرغم من فيض الأدلة التي تثبت فشل تلك المقاربة.

 بالتالي، حتى لو انشغل الصحافيون والمؤرخون بمحاولة تفسير أسباب حصول الأحداث، فستكون مساعيهم بلا جدوى، ومهما كانوا عبقريين ويملكون مصادر معلومات وافية، فإن أجوبتهم ستبقى توقعات جزئية وغامضة، ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك.

 تشكل سلسلة المغامرات العسكرية المطبقة، حين سن جيمي كارتر ما سُمّي بـ'عقيدة كارتر'، عام 1980، قصة مثيرة للاهتمام، ولكنها ليست قصة ممتعة بأي شكل. لقد انتهت جهود رونالد ريغان الرامية إلى إرساء السلام في لبنان، عام 1983، بكارثة دموية، وأدى الانتصار الباهت في 'عملية عاصفة الصحراء'، عام 1991، حين طُردت قوات صدام حسين من الكويت، إلى نتائج هامشية وتعقيدات هائلة، ولم تنجح مقاربة بيل كلينتون بقصف القنابل والصواريخ خلال التسعينيات في حل المشاكل أو إخفائها. لقد أدت التداعيات العكسية الناجمة عن أول تدخل عسكري في أفغانستان ضد السوفيات إلى تهيئة الظروف المؤاتية لأحداث 11 سبتمبر وشن حرب جديدة في أفغانستان تشارف اليوم على سنتها العاشرة من دون تحديد مهلة واضحة لإنهاء الصراع على المدى المنظور. أما بالنسبة إلى الحرب التي شنها جورج بوش على العراق، فمن الأفضل ألا نستفيض بالكلام عنها منعاً للفضيحة. والآن، ها نحن نخوض حرباً في ليبيا.

 لا مفر من طرح السؤال الآتي: هل بدأنا نحقق الفوز؟ إذا كان الجواب بالسلب، فما الذي يجبرنا على مواصلة عملية تكثر فيها الخسائر وتقل فيها المكاسب؟

 لقد وجد باراك أوباما توءمه السياسي في شخص سامنثا باور، فجعل من تصميمها على تقليص مظاهر الشر في العالم قضيته الخاصة. أو أنه مجرد سياسي له حساباته الخاصة ويتحدث بلغة المثاليين تزامناً مع سعيه إلى تحقيق أهداف أقل شأناً مما يَعِد به، وفي مطلق الأحوال، لا أهمية كبرى لذلك، بل الأهم هو تحديد كيفية مسار الأحداث، لا أسبابها. بغض النظر عن دوافع أوباما، لقد اختار هذا الرئيس الأداة الخاطئة لتحقيق أهدافه عبر الالتزام بنزعة أميركية قائمة أصلاً تقضي باستعمال القوة في الشرق الأوسط الكبير، فمن خلال اتباع هذه المقاربة، هو يحكم على نفسه وعلى بلده بالبقاء في الوضع الجنوني الذي ورثه من أسلافه، فالفشل ضرب من الخيال بالنسبة إلى الأميركيين، لكنه ضرب من الشجاعة أيضاً، فقد أطلق أوباما وعوداً كثيرة ويستحق شعبه ما هو أفضل مما يحصل الآن.

* أندرو باسفيتش - الأم جونز-أستاذ في التاريخ والعلاقات الدولية، وأحدث مؤلفاته 'قواعد واشنطن: مسار الولايات المتحدة نحو حرب دائمة'

مصدر: العالم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)