• عدد المراجعات :
  • 634
  • 3/6/2011
  • تاريخ :

لو كان القول بالإحباط مستلزماً للظلم

الورد

سؤال وجوابه

السؤال: لو كان القول بالإحباط مستلزماً للظلم، أو كان مستلزماً لخلف الوعد، فما هو المخلص فيما يدل على حبط العمل، في غير مورد من الآيات الّتي ورد فيها أنّ الكفر والارتداد، والشرك والإساءة إلى النبي وغيرها ممّا يحبط الحسنات. ما هو الجواب عن هذه الآيات؟ وما هو تفسيرها؟.

الجواب: إنّ القائلين ببطلان الإحباط يفسرون الآيات بأن الاستحقاق في مواردها كان مشروطاً بعدم لحوق العصيان بالطاعات، فاذا عصى الإنسان ولم يحقق الشرط، انكشف عدم الاستحقاق.

ويمكن أن يقال بأن الإستحقاق في بدء صدور الطاعات لم يكن مشروطاً بعدم لحوق العصيان، بل كان استقرار الإستحقاق في مستقبل الأيام، هو المشروط بعدم لحوق المعصية، فإذا فُقِدَ الشَرْطُ، فُقِدَ استقرارُ الاستحقاق واستمراره.

يقول الشيخ الطوسي في تفسير قوله سبحانه: "وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"(البقرة:217): "معناه أنّها صارت بمنزلة مالم يكن، لإيقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به، وليس المراد أنّهم استحقوا عليها الثواب ثم انحبطت، لأن الإحباطَ ـ عندنا ـ باطِلٌ على هذا الوجه"1.

ويقول الطَّبَرسي في تفسير قوله سبحانه: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"(المائدة:5): "وفي قوله: "فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"، هنا دلالة على أن حبوط الأعمال لا يترتب على ثبوت الثواب، فإن الكافر لا يكون له عمل قد ثبت عليه ثواب، وإنما يكون له عمل في الظاهر لولا كفره لكان يستحق الثواب عليه، فعبّر سبحانه عن هذا العمل بأنّه حبط، فهو حقيقة معناه"2.

ويقول في تفسير قوله سبحانه: "وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ"(المائدة:53).

"أي ضاعت أعمالهم الّتي عملوها لأنّهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به، وَبَطَلَ ما أظهروه من الإيمان، لأنّه لم يوافق باطنُهم ظاهرَهُم، فلم يستحقوا به الثواب"3.

وبما ذكره الطبرسي يظهر جواب سؤال آخر، وهو أنه إذا كان الاستحقاق مشروطاً بعدم صدور العصيان، فإذا صدر يكشف عن عدم الاستحقاق أبداً، فكيف يطلق عليه الإحباط، وما الإحباط إلا الإبطال والإسقاط، ولم يكن هناك شيء حتى يبطل أو يسقط؟

وذلك لأن نفس العمل في الظاهر سبب ومقتض، فالإبطال والإسقاط كما يصدقان مع وجود العلة التامة، فهكذا يصدقان مع وجود جزء العلة وسببها ومقتضيها، وهذا كمن ملك أرضاً صالحة للزراعة فأحدث فيها ما أفقدها هذه الصلاحية.

وبعبارة أُخرى: إنّ الموت على الكفر، وإن كان يبطل ثواب جميع الأعمال، لكن ليس هذا بالإحباط، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق، وفي الوعد بالثواب على القول بعدم الاستحقاق. وهكذا القول في المعاصي الّتي ورد أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط، بل يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطاً بعدم صدور تلك المعصية.

نعم، هذا التفسير إنما نحتاج إليه في جانب الإحباط، وأما في جانب التكفير فلا حاجة إليه، بل لنا أنْ نقول إنّ التوبة والأعمال المكفِّرة يذهبان العقاب المكتوب على المعاصي من دون حاجة إلى القول بكون الاستحقاق مشروطاً بالموافاة على الكفر، لجواز تفضّله سبحانه بالعفو.

هذا، ولا يصح القول بالإحباط والتكفير في كل المعاصي، بل يجب علينا تَتَبُّعُ النصوص، فكلّ معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات أو بعضها، نقول بالإحباط فيها على التفسير الّذي ذكرناه. وهكذا في جانب التكفير فلا يمكن لنا أن نقول إنّ كل حسنة تُذهب السيئة إلاّ بالنص.

إلى هنا تم بيان دليل النافين للإحباط على الوجه اللائق بكلامهم، والإجابة عليه.

الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني

-----------------------------------------------------

الهوامش:

1- التبيان، ج 2، ص 208، ولاحظ مجمع البيان، ج 1، ص 313.

2- مجمع البيان، ج 2، ص 163.

3- مجمع البيان، ج 2، ص 207.


من أدلة وجوب المعاد:المعاد مقتضى العدل الإلهي

ابليس و لحظة احتضار الانسان

حساب الأعمال فْي كلام اميرالمؤمنين

وصف بالإجمال لعذاب النَّار

المعاد الجسماني والروحاني

الشفاعة

الله سبحانه وتعالى و إحياء قتيل بني إسرائيل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)