• عدد المراجعات :
  • 652
  • 3/1/2011
  • تاريخ :

اضطرابات ليبيا...و أزمة النفط العالمية

اضطرابات ليبيا

يحذر خبراء اقتصاديون من أن بقاء أسعار النفط فوق مستوى المئة دولار للبرميل الواحد لفترة مطولة سيؤدي إلى اقتطاع ربع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي أو نصفه، إذ يعني ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة تراجع الاستهلاك، صحيح أن احتمالات عودة الركود الاقتصادي التام لاتزال ضئيلة، لكن تزايد الضغوط على الاقتصاد الأميركي قد يؤدي إلى تأخير النهوض الاقتصادي المحدود الذي كان قيد التنفيذ.

يحذر خبراء اقتصاديون من أن بقاء أسعار النفط فوق مستوى المئة دولار للبرميل الواحد لفترة مطولة سيؤدي إلى اقتطاع ربع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي أو نصفه، إذ يعني ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة تراجع الاستهلاك،

هل سيكون سقوط نظام معمر القذافي مصدر الخلاص لروسيا والمملكة العربية السعودية وفنزويلا؟ حتى لو تمّت الإطاحة بـ'الأخ القائد' بالقوة، وعلى رغم الشكوك التي تحوم حول فترة خلوّ العرش المقبلة، فقد تؤدي أي حرب أهلية مطولة في ليبيا، من شأنها إفساد البنية التحتية النفطية في البلاد، إلى تراجع أسعار مصادر الطاقة إلى المستويات التي كانت عليها في عام 2008. بحسب رأي جوشوا شانيير الذي أشرف على المواقع النفطية، 'بغض النظر عمّا سيحصل في المرحلة المقبلة على مستوى الوضع السياسي المتدهور في ليبيا، فلا مفرّ من أن يعاني القطاع النفطي الليبي التابع لمنظمة الدول المصدرة للبترول، ما سيؤدي إلى قطع الإمدادات النفطية لفترة طويلة أو حتى التسبب بأضرار دائمة. لن تكون أيٌّ من النتائج المحتملة حميدة بالنسبة إلى أسعار النفط عموماً وإلى الصناعة النفطية في ليبيا، كونها تشكّل جوهر اقتصاد البلاد'.

حتى الآن، أدت الفوضى السائدة إلى تراجع مستوى الإنتاج إلى 400 ألف برميل يومياً بعد أن كان الإنتاج اليومي الطبيعي لليبيا يبلغ 1.6 مليون برميل. في غضون ذلك، تراجعت كمية الغاز الطبيعي التي تُشحَن إلى إيطاليا عبر خط أنابيب 'غرين ستريم' بنسبة 73%، لتتدنّى إلى 6.8 ملايين متر مكعب عن المستوى الطبيعي الذي كان يبلغ 25.5 مليون متر مكعب من الغاز الذي كان يعبر في العادة نحو الشمال عبر المتوسط.

لكن تكمن الأخبار السارة في إمكان التعويض عن قطع تلك الإمدادات النفطية الصادرة من ليبيا، لكن سيحصل ذلك مقابل ثمن معين. هذا الأسبوع، ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق المئة دولار للبرميل الواحد. إذا ما أضفنا إلى ذلك احتمال وقوع اضطرابات خطيرة في الجزائر تزامناً مع رفع حالة الطوارئ التي فُرضت على البلاد منذ فترة طويلة، عندها سيرتفع احتمال أن تحلّق الأسعار إلى ما فوق المعدل القياسي الذي سجل منذ ثلاث سنوات وبلغ حينها 142 دولاراً للبرميل. لكن حتى لو حصلت مرحلة انتقالية سلسة في الجزائر، يعتبر معظم المحللين المتشائمين أن الاضطرابات الهائلة في ليبيا ستُبقي الأسعار فوق عتبة المئة دولار للبرميل الواحد.

حتى الآن، أدت الفوضى السائدة إلى تراجع مستوى الإنتاج إلى 400 ألف برميل يومياً بعد أن كان الإنتاج اليومي الطبيعي لليبيا يبلغ 1.6 مليون برميل.

لا شك أن وضعاً مماثلاً سيؤثر في الاقتصاد العالمي والدول المستهلِكة للنفط، لكن ستستفيد بعض الدول من الاضطرابات الحاصلة في شمال إفريقيا، وأول المستفيدين هو المملكة العربية السعودية، على الرغم من موجة الاضطرابات التي تضرب الشرق الأوسط أيضاً، وتستطيع الخزانة السعودية بكل سهولة تحمل تكاليف الهبات التي أعلنها الملك عبدالله أخيراً، بقيمة 36 مليار دولار، للمواطنين السعوديين، بما في ذلك إعانات جديدة وإعفاءات من الديون، تزامناً مع ارتفاع أسعار النفط. كذلك، أُعدت الحملة الرامية إلى الاستثمار في أوساط الجماعات الشيعية في المحافظات الشرقية التي تنتج النفط لتحويل هذه الأقلية المقموعة والمهمشة تاريخياً إلى شركاء في الازدهار الحاصل في المملكة. غير أن خطة عبدالله هذه هي الخطوة الأولى فقط، ولتجنب الفوضى، يجب أن يتابع الملك والعائلة الحاكمة هذا النوع من الاستثمارات.

يفترض معظم الناس أن المملكة العربية السعودية ستستغلّ إمكاناتها الهائلة للتعويض عن نقص الإمدادات الناجم عن الاضطرابات في ليبيا، غير أن الحكومة السعودية التي تحتاج إلى إنفاق المزيد على البرامج الاجتماعية تملك حافزاً قوياً جداً لمنع أسعار النفط من التراجع بسرعة كبيرة. أضف إلى ذلك تزايد المطالب من الخزانة السعودية لتمويل جهود إرساء الاستقرار في أماكن أخرى من شبه الجزيرة العربية، بدءاً من اليمن الذي يتّكل على سخاء الرياض لمساعدته في تمويل جيشه بالمعدات اللازمة، كما أن المملكة العربية السعودية لا تملك دافعاً قوياً للإسراع إلى طمأنة مستهلكي النفط في العالم مع أنهم يواجهون ارتفاع أسعار مصادر الطاقة راهناً.

لكن تُعتبر روسيا الرابح الأكبر مما يحصل، فإذا استمرّ قطع إمدادات الغاز الطبيعي من شمال إفريقيا، فسيتعزز اعتماد أوروبا على روسيا باعتبارها مصدراً موثوقاً للوقود، كما أنّ احتمال انتشار الفوضى يهدد الاقتراحات القائمة منذ زمن بعيد بإنشاء خط أنابيب يعبر الصحراء لضخ الغاز من غرب إفريقيا شمالاً نحو المستهلكين في أوروبا، وكذلك، ستشهد شركات النفط الدولية- مثل 'بي.بي' (BP) و'إكسون موبيل' (Exxon Mobil) اللتين وقعتا اتفاقات مع شركة النفط الحكومية الروسية 'روزنيفت' (Rosneft) لتطوير حقول خارجية في المحيط القطبي الشمالي والبحر الأسود على التوالي- ارتفاعاً متزايداً في الأسعار، ما يبرر استثمارها هناك. على صعيد آخر، سيؤدي ارتفاع كمية النفط وصادرات الغاز، إلى جانب ارتفاع الأسعار، إلى ترميم حسابات روسيا التي تضررت كثيراً خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في عامي 2008 و2009، ما منح الكرملن شبكة أمان نقدية متجددة وقلّص عجز الموازنة وسمح بتوسيع الإنفاق في جميع الميادين، بدءاً من البنية التحتية ووصولاً إلى الأنظمة الدفاعية.

كذلك، يعني ارتفاع أسعار النفط زيادة الأموال التي سيتلقاها الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز لتمويل ثورته البوليفارية، وتحديداً نفقاته الاجتماعية على الطبقات الدنيا التي تشكّل أساس دعمه السياسي، فضلاً عن ذلك، ستساهم الاضطرابات التي يواجهها القذافي، إلى جانب انتشار الفوضى في الشرق الأوسط، في منح تشافيز بعض الطمأنة السياسية. كان للإضراب عن تسليم النفط من فنزويلا، عام 2002، ومحاولة الانقلاب أثراً سلبياً في أسعار النفط العالمية، وستتراجع محاولة التدخل في شؤون فنزويلا الداخلية الآن بسبب عدم الرغبة في اتّخاذ أي خطوة من شأنها زعزعة استقرار أي دولة كبرى منتجة للنفط.

صحيح أن حظوظ الرئيس قد تتأثر سلباً بفعل هذه التطورات على المدى القصير، لكن يكمن السؤال الرئيسي في ما إذا كانت هذه الأزمة النفطية ستكون العنصر الحاسم الذي سينهي الجدل بشأن بدائل مصادر الطاقة. بعد أن اعتاد المستهلكون الأميركيون الآن على دفع أكثر من 3 دولارات للغالون الواحد، فهل ستحث الجهات المعنية على تطوير مصادر طاقة بكلفة أعلى،

لكن في المقابل، توجد أطراف خاسرة مما يحصل، وعلى رأسها الرئيس الأميركي باراك أوباما، فقد يؤدي ارتفاع أسعار النفط بلا توقف إلى عودة الركود الاقتصادي على مستوى العالم، إذ يحذر الخبراء الاقتصاديون من أن بقاء أسعار النفط فوق مستوى المئة دولار للبرميل الواحد لفترة مطولة سيؤدي إلى اقتطاع ربع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي أو نصفه، إذ يعني ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة تراجع الاستهلاك. صحيح أن احتمالات عودة الركود الاقتصادي التام لاتزال ضئيلة، لكن تزايد الضغوط على الاقتصاد الأميركي قد يؤدي إلى تأخير النهوض الاقتصادي المحدود الذي كان قيد التنفيذ، ما يمنع توفير فرص عمل جديدة وترميم ثقة الناس، وهما عاملان رئيسان في إطار جهود الرئيس لضمان إعادة انتخابه في عام 2012.

صحيح أن حظوظ الرئيس قد تتأثر سلباً بفعل هذه التطورات على المدى القصير، لكن يكمن السؤال الرئيسي في ما إذا كانت هذه الأزمة النفطية ستكون العنصر الحاسم الذي سينهي الجدل بشأن بدائل مصادر الطاقة. بعد أن اعتاد المستهلكون الأميركيون الآن على دفع أكثر من 3 دولارات للغالون الواحد، فهل ستحث الجهات المعنية على تطوير مصادر طاقة بكلفة أعلى، لكن في أماكن قريبة في أميركا الشمالية؛ مثل مصانع رمال القطران والنفط الصخري وعمليات تحويل الغاز إلى سائل؟ طالما تشير التوقعات إلى استقرار أسعار النفط على المدى الطويل لتعود إلى معدل 40 دولاراً للبرميل، لا معنى لهذه المشاريع على المستوى الاقتصادي. لكن ماذا لو تبعت الفوضى في ليبيا اضطرابات خطيرة في الجزائر، أو فشلت استراتيجية التحفيز الاقتصادي التي وضعها الملك عبدالله في المملكة العربية السعودية؟ وماذا لو اندلعت ثورة جديدة في إيران؟ هل ستكون هذه الأحداث كافية لاستئناف الحديث عن تنويع مصادر الطاقة؟

بالتالي، قد يتحول الرابحون من اضطرابات الشرق الأوسط على المدى القصير إلى خاسرين على المدى الطويل، والعكس صحيح، في حال تبين أن أزمة النفط الجديدة ستشكل المحرك الرئيس للتغيرات الكبرى على مستوى استهلاك النفط عالمياً.

* نيكولاس غوفاسدف - (Nikolas Gvosdev - World Politics Review) - رئيس التحرير السابق لمجلة 'ناشيونال انترست' (National Interest)، ومعلق بارز على شؤون السياسة الخارجية في وسائل الإعلام المطبوعة والمتلفزة. يعمل راهناً في الكلية الحربية البحرية الأميركية.

مصدر: العالم

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)