• عدد المراجعات :
  • 589
  • 3/1/2011
  • تاريخ :

أوباما أمام مهمات متعددة ومعقدة في الشرق الأوسط

باراک أوباما الرئيس الامريکي

يجب أن تحدد إدارة أوباما رؤيتها عن منطقة الشرق الأوسط على المدى البعيد، بما في ذلك دعم شرق أوسط تقوم فيه حكومات تكون أكثر استجابة لحاجات مواطنيها وتتقلص فيه الصراعات الداخلية والصراعات بين الدول، علماً أن المنطقة أصبحت أكثر ارتباطاً ببقية دول العالم مما كانت عليه في بداية هذا القرن.

يجب أن تحدد إدارة أوباما رؤيتها عن منطقة الشرق الأوسط على المدى البعيد، بما في ذلك دعم شرق أوسط تقوم فيه حكومات تكون أكثر استجابة لحاجات مواطنيها وتتقلص فيه الصراعات الداخلية والصراعات بين الدول، علماً أن المنطقة أصبحت أكثر ارتباطاً ببقية دول العالم مما كانت عليه في بداية هذا القرن.

لقد فتحت الاحتجاجات المستمرة في الشرق الأوسط المجال أمام احتمالات جديدة لتحقيق تغيير فعلي وتطبيق إصلاحات ملموسة في أنحاء المنطقة، لكن يبدو أن الاحتجاجات لن تعالج التهديدات الأمنية التي تطرحها هذه المنطقة منذ فترة طويلة في أي وقت قريب. يبقى الإرهاب، والانتشار النووي، وفشل الدول، والاضطرابات الإقليمية مثل الصراع العربي الإسرائيلي، من أبرز التهديدات القائمة، وقد يصبح التعامل مع هذه المشاكل أكثر تعقيداً بعد فيما تشهد المنطقة تحولاً جذرياً في ميزان القوى.

ستضطر إدارة أوباما إلى تنفيذ مهمات متعددة للتعاطي مع الأحداث المتسارعة في بلدان عدة وإلى مساعدة هذه المجتمعات على حل مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية الهائلة، بالإضافة إلى الانتفاضات المستجدة، يجب أن تتابع الإدارة الأميركية مواجهة التحديات الكبرى الأخرى التي تعود إلى ما قبل وقوع الانتفاضات، مثل الصراع العربي الإسرائيلي، وبرنامج إيران النووي، وإعادة دمج العراق ضمن منطقة الشرق الأوسط، واستمرار التهديدات التي تطرحها الجماعات الإرهابية المتمركزة في المنطقة.

تشير الإطاحة بالقادة في مصر وتونس، في غضون أسابيع قليلة، إلى مدى هشاشة النظام القديم الذي كان يُعتبر 'راعي الاستقرار' الذي فرضه القادة الذين يفتقرون إلى الشرعية الشعبية. في الأسبوع الماضي، أشارت أعمال العنف القمعية التي حصلت في ليبيا والبحرين إلى ما يمكن أن يفعله القادة للبقاء في السلطة، وعلى الأرجح، سيستغرق هذا الصراع لتحقيق تغيير سياسي حقيقي سنوات طويلة قبل التوصل إلى نتائج ملموسة، وقد أبدت إدارة أوباما حتى الآن اعتدالاً مناسباً في ردود فعلها على ما يحصل، وتحديداً في مصر. غير أن ترقب الأحداث الحاصلة في الشرق الأوسط خلال الأشهر المقبلة سيهدر وقتاً إضافياً ثميناً من الأجندة الأمنية الوطنية الحافلة التي تُعنى بها إدارة أوباما.

تشير الإطاحة بالقادة في مصر وتونس، في غضون أسابيع قليلة، إلى مدى هشاشة النظام القديم الذي كان يُعتبر 'راعي الاستقرار' الذي فرضه القادة الذين يفتقرون إلى الشرعية الشعبية.

• فشل الدول ونشوء الحروب الأهلية:

أول تهديد فوري يجب أن تتحصن منه الولايات المتحدة هو انهيار أيٍّ من هذه الدول وانتشار الأعمال القمعية الوحشية والفوضى الداخلية، وحتى الحروب الأهلية. لقد قدّمت أحداث ليبيا في الأيام الأخيرة بعض المؤشرات على مدى بشاعة الوضع الذي يمكن أن تؤول إليه الأحوال. لا يستطيع الشرق الأوسط تحمل صراعات داخلية وحركات تمرد مطولة. لقد واجه العراق حرباً أهلية شرسة طوال سنوات من العقد الماضي، على الرغم من وجود عدد هائل من القوات العسكرية الأميركية، كما شهدت الجزائر صراعاً داخلياً خلال معظم فترة التسعينيات، وغرق لبنان في حرب أهلية طوال 15 سنة منذ عام 1975، وقد كلّف كل صراع من هذه الصراعات حياة ما يزيد على مئة ألف شخص.

في مصر، أدت الولايات المتحدة دوراً مهماً وراء الكواليس، فحثّت قوى الأمن على عدم إطلاق النار على المحتجين، كونها تملك ورقة ضغط مهمة نتيجة عقود من الروابط الوثيقة التي تربطها مع الأجهزة الأمنية في مصر. في أماكن مثل ليبيا، تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ أقل بكثير، لذا يتعين عليها التعاون مع دول أخرى مثل إيطاليا التي تتمتع بنفوذ أكبر في ذلك البلد، لكن عند التشجيع على إرساء الاستقرار، يجب ألا تقع الولايات المتحدة في فخ دعم القادة الاستبداديين الذين حكموا بلادهم من دون التمتع بأي دعم شعبي طوال عقود.

 

• استمرار تهديدات الجماعات الإرهابية:

تطرح الجماعات الإرهابية، مثل 'القاعدة في شبه الجزيرة العربية' وغيرها من الجماعات التي شنت اعتداءات على المنطقة، خطراً وشيكاً آخر. في السنة الماضية، اعتبر مستشار البيت الأبيض في مجال مكافحة الإرهاب، جون برينان، أن 'القاعدة في شبه الجزيرة العربية' تطرح خطراً أكبر من بقايا 'القاعدة' في باكستان، ما يعكس نتائج تقييم وكالة الاستخبارات المركزية في السنة الماضية. بشكلٍ عام، أظهرت الانتفاضات الشعبية تراجع أهمية 'القاعدة' بالنسبة إلى المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المنطقة. لكن قد تسعى الجماعات الإرهابية إلى استغلال الاضطرابات المتواصلة بهدف نشر الفوضى. في وقتٍ سابق من هذا الشهر، فرّ أحد كبار قادة 'حماس' من سجن مصري وعاد إلى قطاع غزة ليحظى هناك باستقبال البطل، وقد أشارت التقارير إلى هروب آخرين أيضاً. قد يؤدي انتشار موجة جديدة من الاعتداءات الإرهابية، في خضمّ الصراع لتطبيق الإصلاح السياسي، إلى إشعال الصراعات الداخلية أو شن صراع شامل في المنطقة مثل حرب عام 2006 بين إسرائيل و'حزب الله' في لبنان.

تزامناً مع تواصل الانتفاضات التاريخية التي تجتاح الشرق الأوسط، يجب أن تتابع إدارة أوباما إيجاد التوازن المناسب في مواقفها للتشجيع على الإصلاحات السياسية والاقتصادية البراغماتية في كل بلد. لقد تبين أن النظام القديم غير قابل للاستمرار، فقد فشل في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الساحقة في عدد من هذه البلدان. لكن مع تقدّم مسار الإصلاح في أماكن مثل تونس ومصر، يجب أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات فاعلة لصون مصالحها الأمنية في المنطقة. يعني ذلك متابعة التعاون مع الأجهزة الأمنية وجيوش المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب، تماماً كما تفعل عندما تشجّع تلك الأجهزة على الانسحاب من معترك السياسة وتعزيز الإشراف الديمقراطي المدني والمحاسبة، ستستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً لتتحقق على أرض الواقع، إذ سنشهد على الأرجح سنوات من الاضطرابات والتغييرات في الشرق الأوسط.

 

يجب أن تولي إدارة أوباما اهتماماً مستمراً لتحقيق أهدافها الكبرى فيما تواجه هذه التغيرات التاريخية في المنطقة، بما في ذلك حل الصراع العربي الإسرائيلي ومواجهة برنامج إيران النووي.

كذلك، يجب أن تولي إدارة أوباما اهتماماً مستمراً لتحقيق أهدافها الكبرى فيما تواجه هذه التغيرات التاريخية في المنطقة، بما في ذلك حل الصراع العربي الإسرائيلي ومواجهة برنامج إيران النووي. لقد اعتبرت إدارة أوباما حل إقامة الدولتين لمعالجة الصراع العربي الاسرائيلي مصلحة أمنية وطنية عليا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وقال مسؤولون في الإدارة إنهم سيأخذون بالاعتبار اقتراحات السلام الشاملة، مثل مبادرة السلام العربية، ضمن سياستهم. لكن يبدو أن الانتفاضات الحاصلة في الشرق الأوسط ستعقّد الجهود القصيرة الأمد لحل الصراع العربي الإسرائيلي. لكن على المدى الطويل، سيساهم حل الصراع في مساعدة دول المنطقة على تركيز انتباهها ومواردها على كيفية التعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتنامية التي دفعت المحتجين إلى التحرك.

 

عملت إدارة أوباما على عزل النظام الإيراني عبر استراتيجية دبلوماسية وعسكرية متعددة الجوانب. لكن يبرز تحدٍّ كبير في منطقة الخليج الفارسي التي تشهد احتجاجات أخرى في الفترة الأخيرة، وهو يتمثل باحتمال إضعاف بعض الدول مثل البحرين التي تُعتبر إحدى الركائز الأساسية لاحتواء إيران، وذلك بفعل أزمة الشرعية التي يواجهها حكام البلاد. قد يواجه صانعو السياسة الأميركية بدورهم بعض الأسئلة الصعبة المتعلقة بمدى فاعلية بيع أنظمة التسلح إلى بلدان تشهد فيها الحكومات اضطرابات كبرى.

 

تأتي جميع هذه المعطيات لتزيد تعقيد عام 2011 بالنسبة إلى إدارة أوباما في الشرق الأوسط، لذا سيصعب عليها تقديم أجوبة وافية عن المسائل المطروحة، ومن المتوقع أن تتنامى الشكوك في الأشهر المقبلة، لقد أدت الاضطرابات في الشرق الأوسط إلى الارتفاع الأخير في أسعار النفط العالمية، وقد يؤدي ارتفاع أسعار مصادر الطاقة إلى إضعاف مسار النهوض الاقتصادي، محلياً وخارجياً.

 

نظراً إلى المجازفة الكبرى المطروحة، يجب أن تحدد إدارة أوباما رؤيتها عن المنطقة على المدى البعيد، بما في ذلك دعم شرق أوسط تقوم فيه حكومات تكون أكثر استجابة لحاجات مواطنيها وتتقلص فيه الصراعات الداخلية والصراعات بين الدول، علماً أن المنطقة أصبحت أكثر ارتباطاً ببقية دول العالم مما كانت عليه في بداية هذا القرن. هذه هي الأهداف الجوهرية لعملية التغيير التي ستستغرق وقتاً طويلاً، لكن يجب تحقيقها من داخل المنطقة. يمكن أن تؤدي الولايات المتحدة دوراً رائداً في مساعدة هذه المنطقة المضطربة من العالم لمواجهة مشاكل ستدوم عقوداً عدة.

* باريان كاتاليس - أحد كبار المسؤولين في مركز التقدم الأميركي.

مصدر: العالم

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)