• عدد المراجعات :
  • 502
  • 2/26/2011
  • تاريخ :

المعاد و التقية

الورد

التقية

إنَّ أحَدَ التعاليم القرآنيّة هو أن يكتم الاِنسانُ المسلمُ عقيدتَه إذا تعرَّضَ في نفسه، أو عِرضِه أو مالِه لِخطرٍ لو أظهرها، ويُسمّى هذا العَمل في لسانِ الشَرع والمصطلَح الشرعيّ بالتقيّة.

 إنّ جوازَ "التَقيَّة" لا يحظى بالدَّليل النقليّ فحسب، بل إنّ العقلَ يحكم أيضاً بصحّته ولزومه، ويَشهَد بذلك في شرائط حسّاسةٍ، وخطيرةٍ، لاَنّ حفظ النَّفس، والمالِ، والعِرض، واجبٌ، ولازمٌ من جهة، وإظهارَ العقيدة والعمل وفقَ تلك العقيدة وظيفةٌ دينيّةٌ من جانبٍ آخر، ولكن إذا جرَّ إظهارُ العقيدةِ إلى الخطر على النّفس والمال، والعرض، وتعارضت هاتان الوظيفتان عَمليّاً، حكم العقلُ السليمُ بأن يُقدِّم الاِنسانُ الوظيفةَ الاَهمّ على المهمّ.

 

إنَّ أحَدَ التعاليم القرآنيّة هو أن يكتم الاِنسانُ المسلمُ عقيدتَه إذا تعرَّضَ في نفسه، أو عِرضِه أو مالِه لِخطرٍ لو أظهرها، ويُسمّى هذا العَمل في لسانِ الشَرع والمصطلَح الشرعيّ بالتقيّة.

 

والتقية  في الحقيقة  سلاحُ الضُّعفاء في مقابل الاَقوياء القُساة، ومن الجَليّ أنّه إذا لم يكن خطرٌ ولا تهديدٌ لم يكتم الاِنسانُ عقيدَتَه، كما لم يَعَمل على خلافِ معتقَده.

 ينصُّ القرآنُ الكريمُ في شأن عَمّارِ بن ياسر على عدم البأس عمّن يَقعُ في أيدي الكفار، ويُظهرُ كلمة الكفر على لِسانِه للخلاص والنجاة، وقلبُه عامرٌ بالاِيمان مشحونٌ بالاِعتقاد الصِحيح:"مَن كَفَرَ باللهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنٌّ بِالاِِيمانِ"(النحل:106).

وَيقولُ في آية أُخرى:"لاَّ يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافرِينَ أَوليَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ وَمَن يَفْعَل ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُم تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وإلى اللهِ المَصِيرُ"(آل عمران:28).

 إنّ المفَسّرِين المسلمين يَتّفقون  عند ذِكرِ وتفسيرِ هاتين الآيَتين  على أنّ أصل "التَقيّة" أصلٌ مشروع.

ومن طالَعَ  ولو على عَجَل  ما جاء في التفسير والفقه الاِسلاميّ في هذا المجال عَرفَ بوضوحٍ أن أصلَ "التقيّة" من الاَُصول الاِسلاميّة، ولا يمكن تجاهلُ الآيتين المذكورَتين أعلاه، ولا عَمَل مؤمنِ آل فرعَون في كتمان إيمانِه1. وإنكار "التقيّة" بالمرَّة.

والجَدير بالذّكر أنّ آياتِ "التقيّة" وإن وَرَدَت في مجال التَقيّة من الكافر إلاّ أنّ الملاكَ (وهو حِفظ نفسِ المسلم ومالهِ وعرضهِ في الظروف الحسّاسة والخطيرة) لا يختصُّ بالكفار، فَلَو استوجَبَ إظهار الشخص لعقيدته، أو العَمَل وفقها عندَ المسلمين، خوفَ ذلك الشخص على نفسهِ أو مالهِ أو عرضهِ أي احتَملَ بقوة تعرّضها للخَطَر من جانبِ المسلمين، جرى في المقام حكمُ "التقيّة" أي جاز له التقيّة من المسلمين كما جاز له التقيّة من الكفار، وذلِكَ لوحدة العلّة والمِلاك، وتحقّق الاَمر الموجب للتقيّة.

وهذا هو ما صَرَّحَ الآخرون به أيضاً فهذا هو الفخر الرازي يقول: انّ الحالةَ بَين المسلمين إذا شاكَلتْ الحالةَ بَين المسلمِين والمشركين حَلَّتْ التقيّةُ محاماةً على النفسِ.

 وقال: التقيّةُ جائزةٌ لصونِ النَّفسِ، وهل هي جائزةٌ لصونِ المال؟ يُحتَمل أنْ يُحْكَمَ فيها بالجواز لقولهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "حُرْمَةُ مالِ المُسْلِمِ كَحُرمةِ دَمِهِ" ولقولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن قُتِلَ دُون مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"2.

 وقال أبو هريرة: حَفِظْتُ مِن رسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم وِعائَين، أمّا أحَدُهما فَبَثَثْتُهُ في النّاس، وأمّا الآخرَ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لقُطِعَ هذا البَلعُوم3.

إنّ تاريخَ الخُلَفاء الاَُمويّين والعَباسييّن زاخرٌ بالظلمِ والعَسْفِ، والحيْفِ والجَور.

ففي تلكَ الاَيّام لم تكنِ الشيعةُ وحدَهم هُمُ المطرودُون، والمحجور عليهم بسببِ إظهار عقائِدِهم، بل سَلَكَ أغلَبُ محدّثيِ أهلِ السُّنّة في عَصرِ المأمون أيضاً مَسْلَكَ التقيّة في محنة "خَلْقِ القرآنِ" وَلم يخالف المأمونَ في خَلْق القرآنِ وحُدُوثهِ بعدَ صُدُور المرسُوم الخليفي العامّ، سوى شخصٍ واحدٍ، وقصَّتُهُ معروفةٌ في التاريخ وعامّة المحدّثين تظاهروا بالوفاق تقيّةً4.

 

التقية واجبة في بعض الحالات فقط

إنّ التقيّة  حسبَ منطِقِ الشِيعَة  واجبة في ظروف خاصَة، إلاّ أنّها مُحرَّمةٌ في بعضِ الشروطِ أيضاً، ولا يجوز للاِنسانِ في مثل هذهِ الشُروط أنْ يَستخدمَ التقيّة بحجّة أنّه قد يتعرّض نفسُه، أو مالهُ أو عرضُه للخطر.

 فَقَد يَتَصوَّرُ بعضٌ أنّ الشِيعة يوجبونَ التَقيّة دائماً وفي جميع الحالات والظروف والاَوضاع، والحال أنّ هذا تصوّرٌ خاطِىٌَ، فإنّ سيرةَ أئمّة أهلِ البيت: لم تكنْ هكذا، لاَنّهم، وبغية رعايةِ المصالحِ والمفاسِدِ كانوا يَسلكون في كلّ زمانٍ موقفاً خاصّاً، وأُسلوباً مناسباً ولهذا نجدُهم كانُوا تارةً يتّخذون مَسلَك التقيّة اُسلوباً، وتارة أُخرى كانوا يُضحُّون بأنفسِهم وأموالِهم في سبيلِ إظهارِ عَقيدتهم.

ومما لا شك فيه أنّ أئمَّةَ الشّيعَة استشهدوا بالسَيف أو السُّمّ على أيدي الاَعدْاء في حين أنّهم لو كانُوا يُصانِعُونَ حُكّام عصورهم ويجاروُنهم، لمَنحهمْ أُولئِك الحكّام أعلى المناصب، وأسمَى المَراتب في حكوماتِهم ولكنهم كانُوا يَعلموُن أنّ التقيّة قبال أُولئك الحُكّام (كيزيد بن معاوية مثلاً) كان يؤدّي إلى زوال الدّين، وهلاك المذهب.

وفي مِثل هذهِ الشُروط أمام القادة الدينيّين المسلِمين نوعان من الوظيفة:

أن يسلكوا مَسلَك التقيّة في ظروف خاصَّة، وأنْ يحملوا حياتهم على أكفّهِمْ ويَستَقْبلوا الموتَ في ظروفٍ أُخرى، أي إذا وَجَدوا أساس الدِين في خطرٍ جدّيٍ.

وفي الخاتمة نذكّرُ بأنّ التقيّةَ أمرٌ شخصيٌ ويَرتبط بوضعِ الفرد، أو الاَفراد الضعفاء العاجزين في مقابل العدوّ الغاشِم. فإنّ مثل هؤلاءِ إذا لم يَعْمَلوا بالتقيّة فَقَدوا حياتهم مِن دون أن يترتب أثرٌ مفيدٌ على مقتَلِهِمْ.

ولكن لا تجوز التقيّة مطلقاً في بيان معارف الدين وتعليم أحكام الاِسلام مثل أن يكتُبَ عالمٌ شيعيٌ كتاباً على أساس التقيّة، ويذكرَ فيه عقائدَ فاسدة، وأحكاماً منحرفة على أنّها عقائدُ الشيعة وأحكامُهم.

ولهذا فإننّا نرى علماءَ الشيعة أظهروا في أشدّ الظروف والاَحوال، عقائِدَهُمُ الحقَّة، ولم يحدُثْ طيلةَ التاريخ الشيعيّ ولا مرة واحدةً أن أقدَمَ علماءُ الشيعة على تأليف رسالةٍ أو كتابٍ على خلافِ عقائدِ مذهبهِم، بحجّة التقيّة، وبعبارة أُخرى: أن يقولوا شيئاً في الظاهر، ويقولُوا في الباطن شيئاً آخر، ولو أن أحَداً فَعَلَ مِثلَ هذا العملِ وسَلَكَ مثلَ هذا المسلَكَ أُخرِجَ من مجموعةِ الشيعةِ الاِماميَّة.

وهنا نوصي الّذين يصعُب عليهم هضمُ مسألة التقيّة، وتقبُّل هذه الظاهرة، أوخَضَعُوا لِتأثير دعايات أعداءِ التشيُّع السيّئة، بأنْ يطالِعوا  ولو مرّةً تاريخَ الشيعة في ظلّ الحُكُومات أُموِيّةً، وعبّاسيّةً، وفي عصر الخلفاء العثمانيّين في الاناضول والشامات، لِيَعلَموا بَهاضةَ ما قَدَّمهُ هذا الفَريقُ من الثَمن للدّفاع عن العَقيدة وبِسَبب اتّباع أهلِ البَيت:، وجَسامةَ ما قدّموه من تضحياتٍ، وقرابين، وعظمةَ ما تحمّلوه من مصائبَ مرّة، حتى أنّهم ربّما هَجَرُوا بيوتهم ومنازلهم ولجأوا إلى الجبال.

 لقد كانَ الشيعة على هذه الحال مع ما كانوا عليه من التقيّة، فكيف إذا لم يُراعُوا هذا الاَصل..ترى هل كانَ يبقى من التَشيُّع اليومَ إذا لم يَتّقوا، أثرٌ أو خَبَرٌ؟

وأساساً لابُدَّ مِن الاِنتباه إلى نقطةٍ مهمّةٍ وهي أنّه إذا استوجَبَت التقيّة لَوماً فإنّ هذا اللومَ يجب أن يُوجَّهَ إلى من تَسبَّبَها، لاَنّ هؤلاء بَدَل إجراء العَدل ومراعاة الرأفةِ الاِسلاميّة أوجَدوا أصعَب ظروف الكَبت السياسي والمذهبي ضِدّ أتباع أهل البيت النبويّ، لا أن يُلامَ مَن لَجَأ إلى التقيّة اضطراراً وحفاظاً على نُفُوسهم وأموالِهِم وأَعراضِهِمْ.

 والَعَجَبُ العجاب في المقام هو أن يتوجَّه البعضُ باللَّوم والنقد إلى العاملين بالتقيّة المظلومين ووصفهم بالنفاقِ بدل توجيه ذلك إلى مسبّبي التقيّة، أي الظالمين، هذا مضافاً إلى أنَّ "النفاق" يختلف عن "التقيّة" كاختلافِ المتناقضين، والبَونُ بينهما شاسع وبعيدٌ بُعدَ السَّماءِ عن الاَرض.

فالمنافِقُ، يُبْطِنُ الكُفْرَ في قَلبهِ ويُظهِرُ الاِيمانَ لِغَرض التجسس على عورات المسلمين أو الوصول الى منافع لا يستحِقها، في حين يكونُ قلبُ المسلم في حال التقيّة مفعماً بالاِيمان، وإنما يُظهرُ خلاف ما يعتقد لعلّة الخوف من الاَذى، والاضطهاد.

*العقيدة الاسلامية،آية الله جعفر السبحاني

--------------------------------------------------------------------------------

1- لاحظ غافر:28.

2- تفسير الرازي: 8:13.

3- محاسن التأويل: 4:82.

4- تاريخ الطبري: 7:195 ـ 206. 


عقيدتنا في البعث والمعاد

ابليس و لحظة احتضار الانسان

حساب الأعمال فْي كلام اميرالمؤمنين

وصف بالإجمال لعذاب النَّار

المعاد الجسماني والروحاني

الشفاعة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)