• عدد المراجعات :
  • 564
  • 2/23/2011
  • تاريخ :

لن يعود الزمن إلى الوراء في الشرق الأوسط

لن يعود الزمن الي الوراء

لا يشكل الشباب دوماً مصدراً للعنف، فقد اختبر الغرب تضخماً ديمغرافياً- أي الفورة السكانية الشهيرة في عقود تلت الحرب العالمية الثانية- ومن المعروف أن هذا العامل يعزز النمو الاقتصادي، وبالطريقة نفسها، تضم الصين والهند نسبة كبيرة من العمال الشباب، ما يُضاف إلى قوة هذين البلدين الاقتصادية، لكن من دون النمو الاقتصادي، وفرص العمل، والعيش بكرامة، يمكن أن يثير عدد كبير من الشباب موجة من الاستياء العارم.

بدأ عام الثورات في شهر يناير، في بلد صغير لا يحتل أهمية كبرى إقليمياً، لكن سرعان ما انتشرت الاحتجاجات لتطول أكبر وأهم دولة في المنطقة، فأُطيح بالنظام الذي كان يبدو لا يُقهَر.

بدأ عام الثورات في شهر يناير، في بلد صغير لا يحتل أهمية كبرى إقليمياً، لكن سرعان ما انتشرت الاحتجاجات لتطول أكبر وأهم دولة في المنطقة، فأُطيح بالنظام الذي كان يبدو لا يُقهَر. ثم توسعت انعكاسات هذه الأحداث على نطاق شاسع، فامتلأت الأجواء بأحاديث عن الحرية والتحرر، ووصلت موجة الاحتجاجات الشعبية إلى كل مكان، في تحدٍّ صريح لنظام الاستبداديين والملوك الذين راقبوا الأحداث من قصورهم وانتابهم الخوف مما يحصل.

هكذا يمكن وصف الأحداث التي دارت في تونس ومصر، فقد ألهمت الثورات السلمية في هذين البلدين الشعوب في أنحاء الشرق الأوسط، ودفعتها إلى التحرك. تُذكّر هذه الأحداث بالانتفاضات الشعبية قبل 162 سنة، وهي بدأت في صقلية وفرنسا، وكانت ثورات عام 1848، كما سُمّيت، مشابهة جداً للمزاج السائد راهناً في الشرق الأوسط (وقد أسماها المؤرخون في تلك الحقبة بربيع الشعوب). كانت أسباب الثورة في تلك الفترة تتعلق، كما هي الحال الآن، بالركود الاقتصادي وارتفاع أسعار الغذاء، وكانت الأنظمة الملكية قديمة ومتحجرة، وكان الشباب في واجهة الحركة الثورية. أما تكنولوجيا المعلومات الجديدة (أي الصحف!)، فشكلت صلة الوصل بين الحشود.

هكذا يمكن وصف الأحداث التي دارت في تونس ومصر، فقد ألهمت الثورات السلمية في هذين البلدين الشعوب في أنحاء الشرق الأوسط، ودفعتها إلى التحرك.

لكن تلك الحكاية لم تؤدِ إلى نهاية سعيدة فعلاً، فقد وصل المحتجون إلى السلطة، لكن سرعان ما انقسموا وتقاتلوا في ما بينهم وأضعفوا أنفسهم، وبقي الجيش وفياً للنظام القديم وأقدم على قمع الاحتجاجات. انتظر الملوك عودة الأوضاع إلى نصابها، وخلال بضع سنوات، سرعان ما أعادت الأنظمة القديمة تأسيس نفسها، وفي هذا الإطار، كتب المؤرخ البريطاني أي.جي. بي. تايلور: 'بلغ التاريخ منعطفاً مفصلياً، ولكنه فشل في الانعطاف بالطريقة المناسبة'.

هل سيفشل التاريخ في الانعطاف أيضاً في الشرق الأوسط؟ وهل ستتلاشى الاحتجاجات القائمة في اليمن والبحرين والأردن وغيرها من الأماكن؟ وهل سننظر إلى عام 2011، خلال بضع سنوات، لندرك أن التغيير كان طفيفاً جداً؟ إنه أمر محتمل طبعاً، لكن يبرز سببان جوهريان يدفعان إلى التفكير بأن الاضطرابات التي تفشت في الشرق الأوسط، خلال الأسابيع الأخيرة، لن تختفي على الأرجح، فهي تشمل قوتين هائلتين من شأنهما تغيير العالم اليوم: الشباب والتكنولوجيا.

تُعتبر انتفاضة الشباب الهائلة إحدى الخصائص المحورية الكامنة في أزمة الشرق الأوسط. حوالي 60% من سكان المنطقة يقل سنهم عن 30 عاماً، ولدى ملايين الشباب طموحات يجب تلبيتها، لكن لا تملك الأنظمة القائمة راهناً القدرة الكافية لفعل ذلك. لقد تجاهلت الأنظمة مطالب المحتجّين واعتبرتها في الأصل تجسيداً للأصولية الإسلامية أو نتاجاً للتدخلات الغربية، لكن من الواضح أنها احتجاجات لها جذور محلية، وقد خضت الأوساط الغربية كونها أضعفت تحالفاتها القديمة. ما يريده المحتجون في المقام الأول هو معاملتهم كمواطنين بمعنى الكلمة، لا كخانعين. وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي عن شباب الشرق الأوسط، تبين أن أول ما يتمناه الشباب في تسعة بلدان كان العيش في بلد حر، علماً أن مطالب إيجاد فرص عمل والرغبة في العيش في مجتمعات عصرية يديرها نظام صالح كانت أيضاً على رأس أولويات الشباب.

تُعتبر انتفاضة الشباب الهائلة إحدى الخصائص المحورية الكامنة في أزمة الشرق الأوسط. حوالي 60% من سكان المنطقة يقل سنهم عن 30 عاماً، ولدى ملايين الشباب طموحات يجب تلبيتها، لكن لا تملك الأنظمة القائمة راهناً القدرة الكافية لفعل ذلك.

لا يشكل الشباب دوماً مصدراً للعنف، فقد اختبر الغرب تضخماً ديمغرافياً- أي الفورة السكانية الشهيرة في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية- ومن المعروف أن هذا العامل يعزز النمو الاقتصادي، وبالطريقة نفسها، تضم الصين والهند نسبة كبيرة من العمّال الشباب، ما يُضاف إلى القوة الاقتصادية لهذين البلدين. لكن من دون النمو الاقتصادي، وفرص العمل، والعيش بكرامة، يمكن أن يثير عدد كبير من الشباب– وتحديداً الفتيان- موجة من الاستياء العارم. هذا ما حصل في الشرق الأوسط حيث بلغ حجم الثورة الشبابية ذروته، وهي تُعتبر على الأرجح الأكبر في العالم اليوم. بين عامي 1970 و2007، وقعت 80% من الخلافات في بلدان تضم 60% من الشعب تحت سن الثلاثين، وحتى الأماكن التي أدت فيها الفورة السكانية إلى النمو لا تخلو من المشاكل، إذ تُعتبر حقبة أواخر الستينيات من أهم السنوات بالنسبة إلى الغرب، وهي الحقبة التي ترافقت مع ثورات شبابية واحتجاجات حاشدة.

لقد لاحظ جميع الصحافيين والسياسيين والخبراء مشكلات الشباب في الشرق الأوسط، لكن لم تبذل حكومات الأنظمة القائمة الكثير لمواجهة هذه المشكلات، وتبقى بطالة الشباب مرتفعة بنسبةٍ صادمة، وهي تصل إلى 25% تقريباً، ولا شك أن ازدهار قطاع النفط ساعد دول الخليج الفارسي على تحسين وضع شعوبها بطرقٍ عدة، لكن يعيش أكثر من نصف سكان الشرق الأوسط في أراضٍ لا تنتج النفط، وفضلاً عن ذلك، لقد ثبت أن النفط تحول إلى لعنة في البلدان الغنية، حيث يقتصر الاقتصاد على استخراج الطاقة الكربونية، وحيث تتولى الجيوش الأجنبية جميع المهمات، ولا تزال تلك الأنظمة تقدم لشعوبها صفقة واحدة أساسية: سنمولكم طالما تقبلون نظام حكمنا! قررت الكويت والبحرين، انطلاقاً من التطورات الأخيرة، منح جميع المواطنين زيادات في الرواتب هذه السنة (3 آلاف دولار في الكويت، و2700 دولار في البحرين).

تشير تلك التكاليف إلى أن الشرق الأوسط يضم أسلوبين من التحكم: قمع هائل أو رشوة هائلة، وقد يتبين أن أسلوب الرشوة المستعمل في دول الخليج الفارسي هو أكثر فاعلية- مع أن النظام في البحرين يواجه تحديات من نوع خاص، بما أن أقلية سنّية تحكم غالبية شيعية. غير أن المصاعب الأكبر التي تواجه الأسلوبين معاً تتمثل في شعبٍ يزداد وعيه وإدراكه واتصاله بالعالم. لا يمكن الاكتفاء باعتبار أن ما حصل في تونس ومصر حدث بسبب 'الفيسبوك'، لكن لا يمكن أن ننكر أن التكنولوجيا- قنوات التلفزة الفضائية، الحواسب الآلية، الهواتف الخليوية، الإنترنت- لعبت دوراً هائلاً في تثقيف شعوب المنطقة وتعزيز الاتصال في ما بينها. تساهم هذه التطورات في تقوية الأفراد وتمكينهم وإضعاف الدولة. في الأيام الغابرة، كانت تكنولوجيا المعلومات تفيد الحكام في السلطة لأنها كانت خدمة واحدة في مواجهة الحشود، لهذا السبب، حاول الثوريون الاستيلاء على إذاعات الراديو خلال الثلاثينيات، ليتمكنوا من بث المعلومات إلى الحشود. أما وسائل التكنولوجيا اليوم، فهي كثيرة جداً وتُقدَّم لأعداد هائلة، وهي عبارة عن شبكات يتصل عبرها الجميع، لكن لا يتحكم بها أحد. إنه أمر سلبي بالنسبة إلى كل من يحاول قمع نشر المعلومات.

لقد لاحظ جميع الصحافيين والسياسيين والخبراء مشكلات الشباب في الشرق الأوسط، لكن لم تبذل حكومات الأنظمة القائمة الكثير لمواجهة هذه المشكلات، وتبقى بطالة الشباب مرتفعة بنسبةٍ صادمة، وهي تصل إلى 25% تقريباً، ولا شك أن ازدهار قطاع النفط ساعد دول الخليج الفارسي على تحسين وضع شعوبها بطرقٍ عدة، لكن يعيش أكثر من نصف سكان الشرق الأوسط في أراضٍ لا تنتج النفط،

لا شك أن الدولة تستطيع الرد على ما يحصل، لقد نجحت الحكومة المصرية في منع المصريين من ولوج الإنترنت طوال خمسة أيام، لكن لنفكر بتكاليف خطوات مماثلة. هل يمكن أن تعمل المصارف إذا كانت خدمة الإنترنت معطلة؟ وهل يمكن أن تتوسع التجارة إذا كانت خدمة الهواتف الخليوية مقطوعة؟ لقد فتحت سورية المجال أمام الولوج إلى 'الفيسبوك' حديثاً، لكن تقضي مقاربتها الأساسية بإبقاء بلدها بمعزل عن العالم، وهو عائق كبير أمام النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلة البطالة عند فئة الشباب، وقد تضمن كوريا الشمالية استقرارها طالما تحافظ على جمود الوضع فيها (لكنه استقرار قصير الأمد في جميع الأحوال). بالنسبة إلى الأنظمة التي تحتاج أو تريد الاستجابة لطموحات شعبها، يصبح الانفتاح ضرورة اقتصادية وسياسية.

انطلاقاً من الشرط الأساسي للعصرنة، أي حاجة المجتمعات إلى تبني انفتاح أكبر لإحراز التقدم المنشود، سأسمح لنفسي بالتفاؤل بشأن تطور الثورات الشبابية، وسيكون من السهل الاستسلام لمشاعر خيبة الأمل إذا نظرنا إلى تاريخ الشرق الأوسط الحزين في الحقبة الأخيرة، لكن رائحة التغيير تفوح في المنطقة الآن. قال وارن بافيت في إحدى المرّات إنه حين يسمع من يقول له 'هذه المرّة، الوضع مختلف'، فهو يُسرع إلى الرهان على ذلك خشية أن يتعرض للخداع. غير أنني أشعر هذه المرة بأن الوضع مختلف فعلاً... لكني سأراهن على ذلك في مطلق الأحوال.

فريد زكريا

مصدر: العالم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)