• عدد المراجعات :
  • 1022
  • 12/19/2010
  • تاريخ :

دليل النظام - دليل الامكان باسلوب آخر ( 3 )

الورد

دليل الإمكان

تقدّم أنّ الفئة الثانية من الأدلّة على وجود الله تعالى هي الأدلة الفلسفية الخالصة التي تتكون من مقدمات عقلية محضة، مثل دليل الإمكان، ودليل الصدّيقين، ونكتفي هنا بذكر دليل الإمكان.

 

دليل الإمكان‏

من الأدلة المعروفة لإثبات واجب الوجود دليل "الإمكان"، أو دليل "الإمكان والوجوب"، وهذا الدليل يثبت وجود الله بعنوان أنّه "واجب الوجود"، أي أنّ وجوده ثابت بالضرورة العقلية التي يستحيل معها فرض عدمه، وإذا كان كذلك فلا يكون محتاجا إلى علّة توجده، وهذا بخلاف "الممكن الوجود"، وهو الذي يكون محتاجا في وجوده إلى العلّة التي توجده.

 

أولاً: الصياغة المنطقية

الصياغة المنطقية لدليل الإمكان هي كالتالي:

الموجود إمّا بذاته، أو بغيره (ممكن الوجود).

وكل ما بالغير لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات.

إذن: واجب الوجود بالذات موجود.

 

ثانياً: مفهوم الإمكان‏

يمكن أن يتّضح معنى الوجوب والإمكان من خلال المثال التالي، وهو أن العدد "إثنان" مثلاً يجب أن يكون زوجاً (وهو الوجوب)، ويستحيل أن يكون فرداً (وهو الامتناع). أما "مطلق العدد" فيمكن أن يكون زوجاً كما لو فرضناه أربعة، ويمكن أن يكون فرداً كما لو فرضناه ثلاثة، (وهو الإمكان).

والسرّ في ذلك هو أنه عندما تكون العلاقة بين شيئين هي علاقة الإمكان فيمكن أن نفترض أحد الشيئين بدون الآخر، كما في "مطلق العدد" و"الزوجية" فإن العدد ثلاثة مثلاً هو عدد ولكنه ليس بزوج. أما عندما تكون العلاقة بين الشيئين هي علاقة الوجوب فلا يمكن أن نفترض أحد الشيئين بدون الآخر، فلا يمكن أن نفترض العدد إثنين بدون أن يكون زوجا. وما ذكرناه هو من باب التقريب وإلاّ ففي الوجوب لا يوجد شيئان في الحقيقة بل شي‏ء واحد، فعندما نقول "الطعام مالح" هنا يوجد شيئان: الطعام والملوحة. ولكن عندما نقول "الملح مالح" فهنا لا يوجد شيئان بل شي‏ء واحد؛ إذ الملوحة هي عين الملح.

وإذا التفتنا إلى قضية أن المثال يضرب ولا يقاس، فيمكن تشبيه القضية "الله واجب الوجود" بالقضية "الملح مالح" إذ لا يوجد هنا شيئان أحدهما منسوب إلى الآخر، بل إن وجوب الوجود هو عين الذات المقدسة، بخلاف قولنا "الإنسان ممكن الوجود" الذي يشبه قولنا "الطعام مالح" فهنا يوجد شيئان وأحدهما منسوب إلى الآخر.

وحيث إن الطعام لا يكون مالحاً بذاته بل إن الملوحة طارئة عليه يحق لنا أن نتساءل عن السبب والعلّة التي أوجبت الملوحة للطعام، كما يحق لنا أن نتساءل عن السبب والعلة التي أوجبت الوجود للإنسان.

وحيث إن الملح مالح بذاته وليست الملوحة طارئة عليه، فلا يحق لنا التساؤل عن السبب والعلة التي أوجبت الملوحة للملح، كما لا يحق لنا التساؤل عن السبب والعلة التي أوجبت الوجود للذات المقدسة الواجبة. بل يتضح أن مثل هذا السؤال لا معنى له حينئذ.

ومن هنا نعرف أن الممكن الوجود (كالإنسان) هو الذي تتساوى النسبة في ذاته إلى الوجود والعدم، وبالتالي لا يترجّح جانب وجوده على عدمه إلا بسبب تدخّل عامل خارجي، وما لم يتدخل عامل خارجي فلا يتحقّق وجود الإنسان. فالإنسان لا يملك "ضرورة الوجود" بدون تدخّل من الغير، وهذا هو معنى أنه موجود بالغير وليس بالذات.

 

ثالثاً: كيفية الإستدلال بالإمكان‏

ويمكن توضيح كيفية الإستدلال بالإمكان من خلال الخطوات التالية:

لا يشكّ الإنسان في وجوده ووجود كائنات أخرى من حوله.

هذه الموجودات بما فيها وجود الإنسان نفسه يدور أمرها بين أن تكون واجبة الوجود جميعا، أو ممكنة الوجود جميعا، أو أن بعضها واجب وبعضها الآخر ممكن.

على القول الأول (جميع الموجودات واجبة) والقول الثالث (بعض الموجودات واجبة) يثبت وجود الواجب . ولكن على القول الثاني (جميع الموجودات ممكنة) لا يثبت وجود الواجب، وهنا فقط نحتاج لإثبات وجود الواجب.

إذا كانت جميع الموجودات ممكنة فتكون جميعها معلولة ومحتاجة إلى علة موجِدة لها. وحيث إن الموجودات الممكنة معلولة فلا تكون واجبة بالذات؛ إذ الواجب بالذات يستحيل أن يكون له علة، فيكون وجوبها بالغير.

وهذا الغير إما واجب بالغير أيضا وإما واجب بالذات، فإن كان واجبا بالغير فإما أن تكون علته هو نفس الوجود الممكن بالذات فيلزم الدور المحال، وإما أن تكون علته الغير أيضا فلا تقف السلسلة إلى حد فيلزم التسلسل المحال.

وحيث إن الدور والتسلسل محال  كما تبين في الدرس السابق  فلا بد أن تنتهي سلسلة الوجوبات بالغير إلى الوجوب بالذات، وهو المطلوب.

وعليه، فكل ممكن متّصف بالوجود لا بدّ أن يستمدّ الوجود من قِبَل الواجب الوجود بالذات؛ لأن الممكن الوجود إما أن يستمد وجوده من العدم وهو باطل بالبداهة، وإما أن يستمد وجوده من ممكن آخر، وهو باطل أيضا لاستحالة التسلسل والدور، فينحصر الأمر في أن يكون الموجِد هو الواجب الوجود.

 

رابعاً: خصائص الإستدلال بالإمكان‏

1- يتكوّن دليل الإمكان من مقدمات عقلية محضة، بخلاف الأدلة السابقة التي تتألف في بعض مقدماتها من قضايا حسيّة تجريبية.

2- يبتني دليل الإمكان على إبطال الدور والتسلسل.

3- يبدأ دليل الإمكان من الممكن الوجود وليس من حقيقة الوجود الواجبة.


دليل النظام  -  دليل الامكان باسلوب آخر ( 2 )

دليل النظام - دليل الامكان باسلوب آخر ( 1 )

تامل في هذا الطائر تعرف الخالق

برهان حساب الاحتمالات في نشأة الحياة 

بُرهانُ حدوث المادة 

الهادفية آية تدخل الشعور في تطور النظم 

بُرهان النّظم ( 3 ) 

 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)