• عدد المراجعات :
  • 1221
  • 12/8/2010
  • تاريخ :

حاجة المجتمع إلى المعرفة (1)

الورد

كل انسان عاقل إذا جال ببصره فيما يحيطه من أرض وسماء يقف على أن الكون لم يخلق عبثاً، بل له غاية وهدف تتفاعل كل أجزائه في سبيله.

وليس معنى كونه ذا غاية أن الفاعل قام بإيجاده لسد حاجته كما هو المتعارف في أفعال غيره سبحانه، بل المراد أن الفعل ليس فعلاً عبثياً فاقداً للغاية، الّتي ترجع إلى غيره، فكون الفاعل ذا غرض يفارق كون الفعل ذا غاية، والمنفي عن ساحته سبحانه هو الأول دون الثاني.

إن النظام السائد على العالم، والإنسجام الموجود بين أجزائه يعرب عن أن الهدف من إيجاده هو استقرار الحياة في كوكبنا هذا. وهذه الغاية إن لم تكن هي الوحيدة فهي على الأقل، إحدى الغايات فكأن سير النجوم والكواكب والشمس والقمر، ونزول الأمطار والثلوج، وحركة الرياح والسحب، وجزر البحار ومدّها واخضرار المزارع وتفتح الازهار وو.. ممّا لا يعدّ ولا يحصى من الآثار الطبيعية، كلها لاجل تكوّن الحياة واستقرارها وتهيئة الأرضية الصالحه لتكامل الموجودات الحية.

وتتضح حاجة الإنسان إلى المعرفة بالوقوف على أُمور:

 

الأمر الأول: الهداية التكوينية

إن الموجودات الحية تصل إلى الغايات الّتي خلقت لها، في ظلّ الهداية التكوينية والغرائز المودعة في ذواتها، ولا تحتاج في بلوغها ذلك الكمال إلى عامل خارج عن ذواتها، سوى الإنسان.

إن الإنسان، وإن كان مجهزاً بغرائز ذاتية، إلا أنها غير وافية في إبلاغه الغاية الّتي خلق لها، ولا تعالج إلا القليل من حاجاته الضرورية. ولاجل ذلك ضمّ خالق الإنسان إلى تلك الغرائز، مصباحاً يضي له السبيل في مسيرة الحياة، وفي بحاجاته الّتي تقصر الغرائز عن إيفائها، وهو العقل.

ومع ذلك كله فإن العقل والغرائز غير كافيين أيضا في إبلاغ الإنسان إلى السعادة المتوخاة، بل يحتاج معهما إلى عامل ثالث يعينه في بلوغ تلك الغاية.

ووجه ذلك أن العقل الإنساني غير مصون عن الخطأ والزلل والإشتباه، وذلك لأن عمل العقل إختياري، فإنه يرى أمامه طرقاً متعددة وخطوطاً متفاوته، عليه أن يسلك إحداها ويتجنب بقيّتها، وكثيراً ما يركب الخاطئ منها ويحيد عن الصائب.

 

الأمر الثاني: قصور العلم الإنساني في مجال المعارف الإلهية

إذا كان العقل والغرائز غير وافيين بحّل عامة مشاكل الإنسان، فالعلم الإنساني أيضاً غير كاف فيه، وذلك أن الإنسان رغم التقدم الّذي أحرزه في العلوم الطبيعية، لا يزال في بدايات سلّم هذا العلم، وما أحرزه ضئيل جداً أمام أسرار الكون العظيم. ورغم أن الإنسان تمكّن من معرفة قسم من المعادلات والقوانين الّتي تسير عليها الظواهر الطبيعية والقوى الكونية، إلاّ أنّه لا يعلم أي شيء هي، وما حقيقتها وماهيتها 1.

وممّا يوضح قصور العلم البشري في العلوم الالهية، أن هناك الملايين من البشر يقطنون بلدان جنوب شرق آسيا على مستوى راق في الصناعات والعلوم الطبيعية، إلى حد أوقعوا العالم في إسارة استهلاك مصنوعاتهم، ومع ذلك فهم في الدرجة السفلى في المعارف الالهية. فجلّهم إن لم يكن كلّهم عبّاد الأصنام والأوثان، وأسراء الأحجار والاخشاب.

وقد بلغ الحد في بلاد اليابان أن جعلوا لكل حادثة ربّاً، حتى أن هناك رباً باسم "رب الزواج"، يتوسل إليه البنات الذين تأخروا في الزواج، ليؤمن لهم الأزواج المناسبين.

وببابك بلاد الهند الشاسعة، وما يعتقده مئات الملايين من أهلها من قداسة وتأله في "البقر". وليست بعيدة عنّا أيام أصاب الجوع تلك البلاد، وأصدر المجلس العام إجازة بذبح قسم من الأبقار لسدّ الجوع ورفع الموت عن أبناء الشعب، فقد ثارت ثائرة الجماهير إلى الحدّ الّذي أجبر الحكومة على إلغاء القانون. فرضوا أنه يموت الإنسان بجوعه، ويعيش البقر بأطيب عيشه، يأكل محاصيلهم ويتلف ممتلكاتهم.

فإذا كان هذا هو حال المعارف الإلهية في عصر الفضاء والذرة، وبعد ما جاءت الرسل تترى لهداية البشر، فما هو حالها في غابر القرون والأزمان؟!. بل بأي صورة ياترى كان وضعنا الان لولا الهداية الإلهية عن طريق الرسل؟!.

نعم، هناك نوابغ في التاريخ عرفوا الحق وتعرفوا عليه عن طريق التفكير والتعقل، كسقراط وأفلاطون وأرسطو. ولكنهم أُناس استثنائيون، لا يعدون معياراً في البحث، ولا ميزاناً في نفي لزوم البعثة،. وكونهم عارفين بالتوحيد، لا يكون دليلاً على مقدرة الآخرين عليه. على أنه من المحتمل جداً أن يكون وقوفهم على هذه المعارف في ظل ما وصل اليهم من التعاليم السماوية عن طريق رسله سبحانه وأنبيائه.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.

---------------------------------------

الهوامش:

1- وقف مرة اينشتاين العالم الكبير، عند درج صغير أسفل مكتبته، وقال: "إنّ نسبة ما أعلم إلى ما لا أعلم كنسبة هذا الدرج إلى مكتبتي". ولو أنصف لقال: أقلّ من هذه النسبة، لما ذكرناه من جهل الإنسان حقائق القوى الّتي يكتشف معادلاتها. لاحظ مجلة رسالة الإسلام، الصادرة عن دار التقريب بالقاهرة، العدد الأول، السنة الرابعة، ص 24، تحت مقالة بعنوان ما نعلم وما لا نعلم للدكتور أحمد أمين.


النبي والنبوة

المسلمون ووحي القرآن (3) 

المسلمون ووحي القرآن (2)

المسلمون ووحي القرآن (1) 

النبوه العامة - الفرق بين المعجزة والكرامة (4) 

اللطف الإلهي (2)

الظاهرة العامّة للنبوّة 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)