• عدد المراجعات :
  • 1988
  • 11/16/2010
  • تاريخ :

القضاء والقدر في الكتاب والسنة   (2)

الورد

ب- تفسير القضاء

 إنّ "القضاء" كما أسلفنا يعني الحَتمَ والجَزمَ بوجود الشيء، ومن المُسلَّم أنّ حتمية وجود أيّ شيء وتحقّقه على أساس العليّة والمعلولية رهن تحقّق علّته التامّة، وحيث إنّ سلسلة العلل والمعلولات (وبالأحرى النظام العِلّي) تنتهي إلى الله تعالى، لهذا فإنّ حتمية تحقّق أيّ شيءٍ يستند في الحقيقة إلى قدرةِ الله ومشيئته سبحانه.

وهذا هو قضاءُ الله في مقامِ الفعل والخَلق.

وعلمُ اللهِ الاَزَليّ في مجال هذه الحتميّة يكون قضاءَ الله الذاتيّ.

كلُّ ما سَلَف يرتبط بقضاءِ الله وقَدَره التكوينيين، فعليّاً كان أم ذاتياً، وقد يكونُ "القضاء والقدر" مرتبطين بعالم التشريع ومجاله، بمعنى أنّ أصلَ التشريع، والتكليف الاِلَهيّ يكون قضاءَ الله، وكذا تكون كيفيته وخصوصيّته كالوجوب، والحرمة، وغير ذلك تقديراً تشريعياً لله تعالى.

وقد ذكّر الاِمامُ أمير المؤمنين عليُ بن أبي طالب عليه السلام في جواب من سَأَل عن حقيقة القضاء بهذه المرحلة من "القضاء والقدر" إذ قال:"الاََمرُ بالطاعَة، والنَّهْيُ عَنِ المعصِيَةِ، والتَمْكِينُ مِن فِعْلِ الْحَسَنَةِ، وتركُ المَعْصِيَة، والمعُونَةُ على القُرْبةِ إلَيْه، والخِذْلانُ لِمَنْ عصاهُ، والوَعْدُ والوَعِيْدُ، والتَرْغِيْب والتَرْهِيْبُ كُلُّ ذلكَ قضاءُ الله في أفعالنا وقَدَرُهُ لاَعمالنا"4.

هذا ولعل اقتصار الاِمامِ أمير المؤمنين عليه السلام في الاِجابةِ على سؤال السائل على شرحِ "القضاء والقَدَر" التشريعيين، كان رعايةً لحال السائل، أوالحاضرين في ذلك المجلس، لاَنّه كان يُستنبطُ مِنَ القضاء والقدر التكوينيين وشمولهما لاَفعال الاِنسان في ذلك اليوم الجَبْرُ وسلبُ الاختيار.

ولهذا ختم الاِمام عليه السلام كلامه المذكور بقوله: "أمّا غير ذلك فلا تَظُنَّهُ فَإِنَّ الظّنَّ لَهُ مُحْبِطٌ لِلاََعمال".

والمقصود هو أنَّ قيمةَ الاَعمال تنبُعُ من كونِ الاِنسانِ مختاراً يأتي بأفعاله بإِختيارٍوإرادةٍ منه، ومع فَرضِ الجَبْرِ لا تبقى للاََفعالِ أيَّةُ قيمةٍ.

والحاصلُ أنّ "القَضاء والقدر" قَد يكونان في مجال التكوين، وقد يكونان في مجال التشريع.

ولكلٍّ من القِسْمَيْن مرحلتان:

1- الذاتي (= العِلمي).

2- الفِعلي.

 

لاتنافي بين القضاء والقدر والاختيار

إنّ "القَضاء والقَدَر" في مجال أفعال الاِنسان لا ينافيان اختياره، وما يوصف به من حرّية الاِرادة قط، لاَنَّ التقديرَ الاِلَهيَّ في مجال الاِنسان هو فاعليّتُهُ الخاصّة وهو كونه فاعلاً مختاراً مريداً، وأن يكون فعلُهُ وتركُهُ لاَيّ عَمَلٍ تحت إختياره وبإرادته.

إنّ القضاء الاِلَهي في مجال فعلِ الاِنسان هو حتميَّتُهُ وتحقُّقهُ القطعيُّ بعد إختيار الاِنسان له بإرادته.

وبعبارةٍ أُخرى إنّ خلْقَةَ الاِنْسان مجبولةٌ على الاِختيار، ومزيجةٌ بحرّية الاِرادة ومقدّرة بذلك، وإنّ القضاءَ الاِلَهيَّ ليس إلاّ هذا، وهو أنَّ الاِنسان متى ما أوْجَدَ أسباب وقوعِ فِعْلٍ مّا تمَّ التنفيذ الاِلَهيّ من هذا الطريق.

إنّ بعض الاََشخاص يَعتَبر كونَه عاصياً، ظاهرة ناشئةً من التقدير الاِلَهيّ، ويتصوَّر أنّه لا يقدر على اختيار طريق آخر غير ما يسلكهُ، في حين يَرفُضُ العقلُ والوحيُ هذا التصوّرَ لاَنّ العقلَ يقضي بأنَّ الاِنسانَ هو الّذي يختار بنفسِهِ مصيرَه وهو كذلك في نظر الشرع أيضاً، أي إنّه حَسْب نظرِ الوَحْيِ يقْدِر انْ يكون إنساناً شاكِراً صالحاً، أو كافراً طالِحاً.

?إنّا هَدَيْناهُ السَّبْيلَ إمّا شاكِراً وإمّا كَفُوراً?(الاِنسان:3)

وفي عصر الرّسالة كان ثمّت فريق من الوثنيّين يتصوّرون أنّ ضلالَهم ناشىٌَ من المَشيئة الاِلَهية. وكانوا يقولون: لَوْ لَمْ يُرِدِ اللهُ أن نكَون مشركين لما كنا مشركين.

إنّ القرآن الكريم يروي منطِقَهم وتصوُّرَهم هذا بقوله: ?سَيَقولُ الّذين أشرَكُوا لو شاءَ الله ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شيءٍ...?(الاَنعام:148).

ثم يقول في معرض الردّ عليهم: ?...كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا...?(الاَنعام:148).

وفي الختام نُذَكّر بأنّ سُنَنَ الله الكليّة في عالم الخلق والتي تؤدّي إلى سعادةِ الاِنسانِ تارةً، وإلى شقائه وخُسرانهِ تارة أُخرى، هي من مظاهر "القضاء والقَدَر" الاِلَهيّين، وأنّ البشر هو الّذي يختار أحد هذين بنفسه.


القضاء والقدر في الكتاب والسنة   (1)

العدل الإلهي ( 4 )

العدل الإلهي ( 3 )

العدل الإلهي ( 2 )

العدل الإلهي ( 1 )

العلاقة بين القضاء والقدر، وإختيار الإنسان

 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)