• عدد المراجعات :
  • 1156
  • 11/10/2010
  • تاريخ :

بُرهان النّظم ( 3 )

الورد

وفي الختام نركز على نقطتين

الأُولى: إِنَّ القرآن الكريم مليْ بلفظة "الآية" و"الآيات"، فعندما يسرد نُظُم الطبيعة وسُنَنَها، ويعرض عجائب العالم وغرائبه، يعقبه بقوله: ?إِنَّ في ذلِكَ لآية لِقَوْم يَتَفَكَّرُون? أَو (يذَّكَّرون) أَو (يَعْقِلُونَ) إلى غير ذلك من الكلمات الحاثة على التفكر والتدبر، وهذه الآيات تعرض برهان النَّظم بأوضح أشكاله على لسان الفطرة، بدلالة آيوية1. مشعرة بأَنَّ التفكر في هذه السنن اللاحبة والنظم المحيَّرة يكشف بوضوح عن أَنَّ جاعلها موجود، عالم قادر، بصير ومن المحال أَنْ تقوم المادة الصمّاء العمياء بذلك. ولأجل أَنْ يقف القارئ الكريم على بعض هذه الآيات نشير إلى ما ورد في سورة النحل في هذا المضمار:

1ـ قوله سبحانه: ?يُنـبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالاَْعْنَابَ وَ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ?(االنحل:11).

2ـ قوله سبحانه: ?وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الاَْرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْم يَذَّكَّرُونَ?(النحل:13).

3ـ قوله سبحانه: ?وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْم يَسْمَعُونَ?(النحل:65).

4ـ قوله سبحانه: ?وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَ الاَْعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْم يَعْقِلُونَ?(النحل:67).

5ـ قوله سبحانه: ?ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ?(النحل:69).

الثانية: إِنَّ برهان النَّظم وإِنْ كان يعتمد على مقدمات أَربع غير أَنَّ الثلاثة الأُول مما اتفق فيه جميع العقلاء إلاّ شذّاذ الآفاق من المثاليين المنكرين للحقائق الخارجية. وإِنما المهم هو التركيز على توضيح المقدمة الرابعة باستعانة من العلوم الطبيعية والفلكية وغيرها التي تعد روحاً وأَساساً لتلك المقدمة. وفي هذا المضمار نجد كلمات بديعة لخبراء العلم من المخترعين والمكتشفين: يقول "كلودم هزاوي" مصمم العقل الإِلكتروني: طلب مني قبل عدة سنوات القيام بتصميم آلة حاسبة كهربائية، تستطيع أَنْ تحل الفرضيات والمعادلات المعقدة ذات البعدين، واستفدت لهذا الغرض من مئات الأدوات واللوازم الالكتروميكانيكية، وكان نتاج عملي وسعيي هذا هو "العقل الالكتروني".

وبعد سنوات متمادية صرفتها لإنجاز هذا العمل، وتحمل شتّى المصاعب وأَنا أَسعى لصنع جهاز صغير، يصعب عليَّ أن أتقبل هذه الفكرة وهي أَنَّ الجهاز هذا، يمكن أَنْ يوجد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى مصمم.

إِنَّ عالمنا مملو بالأَجهزة المستقلة لذاتها والمتعلقة بغيرها في الوقت ذاته، وتعتبر كل واحدة منها أَعقد بكثير من العقل الإِلكتروني الذي صنعته، وإِذا استلزم أَنْ يكون للعقل الالكتروني هذا مصمم فكيف يمكننا إِذن أَنْ ننفي هذا القول بالنسبة إلى أجسامنا بما فيها من خواص حياتيّة وأعمال فيزيائية وتفاعلات كيميائية، فلا بد من وجود مصمّم حكيم خالق لهذا الكون والذي أنا جزء حقير منه2.

والعجب من الفرضية التي يعتمد عليها الماديون خلفاً عن سلف، ويقولون بأنّ الإِنفعالات اللامتناهية اللاشعورية انتهت صدفة إلى هذا النظام البديع.

يقول البروفسور "أَدوين كونكلين" في حق هذه النظرية: إِنَّ هذا الإِفتراض لا يختلف عن قولنا: "اِنَّ قاموساً لغوياً ضخماً أَنتجته المطبعة إِثْر انفجار فيها".

إِنَّ نظام الكون الدقيق يجعل العلماء يتنبأون بحركة السيارات والأَقمار الفلكية، والتعبير عن الظواهر الطبيعية بمعادلات رياضية.

إِنَّ وجود هذا النظام في الكون بدلا من الفوضى، لدليل واضح على أَنَّ هذه الحوادث تجري وفق قواعد وأسس معينة وأنّ هناك قوة عاقلة، مهيمنة عليه، ولا يستطيع كل من أوتي حظاً من العقل أَنْ يعتقد بأَنَّ هذه المادَّة الجامدة الفاقدة للحس والشعور "وفي إِثْر الصدفة العمياء" قد منحت نفسها النظام، وبقيت ولا تزال محافظة عليه3.

إِنَّ هناك مئات الكلمات حول تشييد برهان النَّظم وعرضها بشكل أَدبي، علمي، موافق لروح العصر، وقد اكتفينا بعرض هذا المقدار.

* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني. ج 1.ص33-42.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- الآيوية: منسوب إلى الآية، وهي دلالة خاصة إبتكرها القرآن الكريم وراء سائر الدلالات التي كشف عنها المنطقيون في أبحاثهم العلمية، والمراد من الدلالة الآيوية هو ما ركَّزنا عليه من أَنَّ التعمق في الأَثر والتدبر في خصوصياته، يهدينا إلى وجود المؤثر وخواصه، ففي تلك الدلالة، الآية ملموسة ومحسوسة، وإِنْ كان ذو الآية غير محسوس ولا ملموس.

2- العلم يدعو للإِيمان، ص 159.

3- المصدر السابق نفسه.


الدوافع الفطرية لمعرفة الله

الفطرة والعادة

أمثلة من نظام الخلق الدالة على وجود الله

معرفة الله في حياتنا

الطّرق إلى معرفة الله

برهان الإِمكان ( 1 )

ما هي جذور الدين في الفطرة الانسانية؟

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)