• عدد المراجعات :
  • 1916
  • 11/8/2010
  • تاريخ :

العدل الإلهي ( 4 )

الورد

شبهات وحلول‏

1- كيف تتلاءم الفروق والإختلافات الموجودة في المخلوقات وخاصة البشر، مع العدل والحكمة الإلهية؟ ولماذا لم يخلق الله الحكيم العادل المخلوقات جميعا بصورة متساوية؟

والرد لهذه الشبهة: أن اختلاف المخلوقات في المعطيات الوجودية، أمر لازم لنظام الخلق، وخاضع لقوانين العلية والمعلولية الحاكمة على ذلك النظام، وإفتراض تساويها هو إفتراض ساذج، ولو تأملنا جيدا في ذلك لأدركنا أن هذا الإفتراض يعني ترك الخلق! ذلك لأنه لو كان أفراد البشر رجالا، أو نساء لما تحقق التوالد والتناسل أبدا، ولا نقرض النوع الإنساني، ولو كانت المخلوقات جميعا من نوع الإنسان لما وجدت شيئا للغذاء، أو ما يوفر لها سائر متطلباتها وحاجاتها، وكذلك لو كانت جميع الحيوانات والنباتات نوعا واحدا، وبلون واحد، ولها صفات وخصائص واحدة، لما وجدت كل هذه الفوائد والمعطيات التي لا تحصى، والمناظر الخلابة الجميلة، وظهور هذا النوع أو ذاك، من الظواهر، بهذا الشكل أو ذاك، وهذه الصفات أو تلك، خاضع للعوامل والظروف والشروط المتوفرة في مسيرة حركة المادة وتبدلها، وليس لأحد حق قبل خلقه على الخالق، يفرض عليه تعالى طريقة خلقه بأن يخلقه بهذه الصورة أو تلك، وفي هذا المكان أو ذاك، أو في هذا الزمان أو ذاك، ليكون هناك مجال للعدل والظلم.

2- إذا كانت الحكمة الإلهية مقتضية لحياة الإنسان في هذا العالم، إذن لماذا بعد ذلك يميته وينهي حياته؟

والرد لهذه الشبهة:

أولا: إن حياة الموجودات أو موتها في هذا العالم خاضع أيضا للقوانين التكوينية، والعلاقات العلية والمعلولية، وهي لازمة لنظام الخلق.

ثانياً: إذا لم تمت الموجودات الحية، فسوف لن تتوفر الأرضية لوجود الموجودات اللاحقة وبذلك يحرم القادمون والأجيال اللاحقة من نعمة الوجود والحياة.

ثالثاً: إذا إفترضنا إستمرارية الحياة للبشر جميعا فسوف لن يمضي زمان طويل إلا ونرى الأرض كلها قد امتلأت بالناس، وتضيق عليهم الأرض برحبها، ليتمنى كل واحد منهم الموت لما يشعر به من متاعب وألم وجوع.

رابعاً: إن الهدف الأصلي من خلق الإنسان، هو الوصول إلى السعادة الأبدية، وإذا لم ينتقل الناس من هذا العالم بالموت إلى الحياة الأخرى، فسوف لن يمكنهم الوصول لذلك الهدف النهائي.

3- إن وجود كل هذه المصائب والأمراض والكوارث الطبيعية (كالسيل والزلزلة) والمتاعب الإجتماعية (كالحروب وألوان الظلم المختلفة) كيف يتلاءم هذا كله مع العدل الإلهي؟

والجواب:

أولاً: إن الحوادث الطبيعية المؤلمة ملازمة لأفعال العوامل المادية وإنفعالاتها وتصادمها والتزاحم بينها، وبما أن خيرات هذه العوامل أكثر من شرورها، لذلك لا تكون مخالفة للحكمة. وكذلك ظهور المتاعب والمفاسد الإجتماعية مما تقتضيها إختيارية الإنسان، هذه الإختيارية التي تقتضيها الحكمة الإلهية. ولكن الملاحظ أن فوائد الحياة الإجتماعية وإيجابياتها أكثر من مفاسدها، ولو كانت المفاسد هي الأكثر لما بقي إنسان على وجه الأرض.

ثانيا: ان وجود هذه المتاعب والكوارث والمصائب، تدفع الإنسان  من جهة  إلى البحث عن معرفة أسرار الطبيعة والكشف عنها، وبذلك تظهر الثقافات والكشوفات والصناعات المختلفة ومن جهة أخرى، فإن خوض هذه المتاعب ومواجهتها وعلاجها، له دور كبير في تنمية الطاقات والإستعدادات ورشدها وتفجيرها، وفي تكامل الإنسان ورقية وتقدمه.

وأخيرا: فإن تحمل أية مصيبة أو ألم، والصبر عليه، إذا كان لتحمله ما يبرره من مبررات صحيحة ومشروعة، سوف يكون له الثواب الجزيل في العالم الأبدي، وسوف لا يذهب هدرا، بل يتم جبرانه بصورة أفضل.

4- كيف يتلاءم العذاب ألابدي للذنوب المحدودة والمؤقتة، التي يرتكبها المذنبون في هذا العالم، مع العدل الإلهي؟

الجواب:

 هناك علاقة علية بين الأعمال الحسنة والقبيحة وبين الثواب والعقاب الاخرويين، قد كشف عنها الوحي الإلهي، ونبه الناس عليها، وكما أننا نلاحظ في عالم الدنيا، أن هناك بعض الجرائم، تعقبها آثار سيئة تمتد إلى مدة طويلة، رغم قصر مدة الجريمة، فمثلا لو فقأ الإنسان عينه هو، أو عيون الآخرين فأعماها، فإن هذا الفعل يتم في مدة قصيرة جدا، ولكن نتيجته  وهي العمى  تمتد إلى نهاية العمر، وكذلك الذنوب الكبيرة لها آثارها الأخروية الأبدية، وإذا لم يوفر الإنسان في هذه الدنيا مستلزمات جبرانها، (كالتوبة مثلا) فإنه سوف يعيش آثارها السيئة وإلى الأبد فكما أن بقاء عمى الإنسان إلى نهاية العمر بجريمة لم تستغرق إلا لحظة واحدة لا ينافي العدل الإلهي، فكذلك الابتلاء بالعذاب الأبدي نتيجة لإرتكاب الذنوب الكبيرة لا ينافي العدل الإلهي، وذلك لأنه نتيجة الذنب الذي ارتكبه المذنب عن سابق وعي وإصرار.

*دروس في العقيدة الاسلامية ، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية. ط1، ص87-95

-------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- وهذا البرهان من مواضع استنتاج القضية العملية (ينبغي من القضية النظرية (يوجد)، وكذلك من مصاديق إثبات الضرورة بالقياس للمعلول عن طريق ضرورة العلة، وكذلك من مواضع اجراء البراهين اللمية في الإلهيات.


العدل الإلهي ( 3 )

العدل الإلهي ( 2 )

العدل الإلهي ( 1 )

العلاقة بين القضاء والقدر، وإختيار الإنسان

تفسير القَدَر والقضاء العينيين

التقدير هو الراسم للحياة عند المشركين

البداء في تقدير الموقوف لا المحتوم

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)