• عدد المراجعات :
  • 1860
  • 10/12/2010
  • تاريخ :

الدوافع الفطرية لمعرفة الله

الورد

إنّ علم "معرفة الله" هو من أعظم العلوم شرفاً وأكثرها قيمة، بل إن التكامل الحقيقي للإنسان لا يتيسر من دون المعرفة الإلهية؛ لأن الكمال الحقيقي للإنسان يتحقق في ظل القرب لله تعالى، ومن البديهي أنّه لا يمكن القرب إلى الله تعالى من دون معرفته،

 

الدوافع الفطرية

قد يتساءل البعض عن الدافع الذي يدعو للبحث عن وجود الله تعالى، وإذا أدركنا مدى التأثير الإيجابي الذي يتركه الإيمان بالله على حياة الإنسان وسلوكه، والفرق الكبير بينه وبين سلوك الذين لا يؤمنون بالله، لم يعد لهذا التساؤل من مبرّر، ومع ذلك فإنّ الدوافع الفطرية في الإنسان تدعو بوضوح للبحث عن الدين،وتتجلّى هذه الدوافع بعدّة أشكال، وهي:

 

الدافع الأوّل: غريزة حب الاستطلاع

من الخصائص النفسية للإنسان، وجود الدافع الفطري والغريزي لديه لمعرفة الحقائق، والإطلاع على الواقعيات، وهو المعبّر عنه "بحبّ الاستطلاع" الذي يدفع الإنسان إلى التفكير والتأمل وطرح التساؤلات في محاولة البحث عن الحقائق بما فيها الدين الحقّ.

ومن هذه التساؤلات: هل هناك وجود لموجود غير محسوس وغير ماديّ (الغيب)؟ وإذا كان له وجود فهل هناك علاقة بين عالم الغيب والعالم المادي المحسوس؟ وإذا كانت هناك علاقة، فهل هناك موجود غير محسوس خالق للعالم المادي؟ هل ينحصر وجود الإنسان بهذا البدن المادي؟ وهل تتحدّد حياته بهذه الحياة الدنيوية؟ أم هناك حياة أخرى؟ وإذا كانت هناك حياة أخرى، فهل هناك علاقة وارتباط بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة؟ وإذا وجدت العلاقة، فما هي الظواهر الدنيوية التي لها تأثير في الأمور الأخروية؟ وما هو السبيل لمعرفة النظام الأكمل للحياة؛ النظام الذي يكفل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة؟ وما هي طبيعة هذا النظام؟.

إذن فغريزة حبّ الاستطلاع تمثّل الدافع الأوّل الذي يدفع الإنسان للبحث عن إجابات لهذه الأسئلة وغيرها من  المسائل الدينية، ومعرفة الدين الحق.

الدافع الثاني: غريزة البحث عن المنفعة والأمن من الضرر

ممّا يشدّد من رغبة الإنسان في معرفة الحقائق، أن إرضاء الحاجات الطبيعية وإشباع الدوافع الفطرية لديه لا يتحقّق إلا من خلال الإلمام ببعض المعارف الخاصة التي تجلب له النفع وتدفع عنه الضرر. فإذا أمكن للمعارف الدينية خاصة أن تساعد الإنسان على إشباع حاجاته، وتوفير المنافع التي ينشدها، والأمن المضار والأخطار التي تتهدّده، فسيكون الدين من المجالات التي ينشدها الإنسان بفطرته، وبذلك تكون غريزة البحث عن المنفعة والأمن من الضرر والخطر دافعا آخر للبحث عن الدين.

ومن هنا نحتاج إلى إثبات أهميّة البحث عن الدين ولو بنحو الإشارة، وبيان كيف أن المسائل الدينية تحظى بأهمية خاصة على مستوى حياة الإنسان ومصيره الأخروي، وأن البحث عن أي موضوع آخر لا يملك القيمة والأهمية التي يملكها البحث عن المواضيع الدينية.

وعلى ضوء ذلك نقول: حين يعلم شخص ما بوجود أفراد على امتداد التاريخ ادّعوا بأنهم مبعوثون من قِبل خالق الكون لهداية البشر لما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد بذلوا أقصى جهودهم في سبيل إبلاغ رسالاتهم، وهداية البشرية، وتحمّلوا كل ألوان المتاعب والتحدّيات، بل ضحّوا بأرواحهم في سبيل هذا الهدف، فإن هذا الشخص وبتأثير من الدافع الفطري فيه الذي يدعوه لجلب المنفعة ودفع الضرر، يتحرّك للبحث عن الدين ليرى مدى صحة دعوى الأنبياء، وهل يمتلكون الأدلة المنطقية الكافية على صحّة دعاواهم، وخاصّة حين يعلم بأنّ دعوتهم ورسالتهم تتضمّن البشرى بالسعادة والنعمة الخالدة، والإنذار بالشقاء والعذاب الأبدي، أي أن الإيمان بدعوتهم يتضمّن المنافع المحتملة اللانهائية، وأن عصيانهم تتعقّبه الأضرار والأخطار المحتملة اللانهائية، فلا يبقى أي مبرّر لمثل هذا الشخص في عدم الاهتمام بالدين، وفي اتّخاذ موقف اللامبالاة والتغافل عن محاولة البحث عن الدين.

ولهذا اعتبر القرآن الكريم أمثال هؤلاء الغافلين غير المبالين أضلّ من الأنعام ?أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ‏ُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ?(الأعراف:179)، وفي آية أخرى يقول ?إِنّ‏َ شَرَّ الدَّوَابّ‏ِ عِندَ اللّهِ الصُّمّ‏ُ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ?(الأنفال:22).

 

شبهة وجوابها

قد يدعي البعض بأن الدافع للبحث عن شي‏ء ما إنما يكون محرّكاً وفاعلاً فيما إذا كان إحتمال الوصول إلى نتيجة قوياً وعالياً، أما وإن احتمال الوصول إلى نتيجة في البحث عن الدين ضعيف جداً فلا يكون مثل هذا الاحتمال محركاً ولا يعبأ به أو يلتفت إليه، وعليه فمن الأفضل بذل الجهد في البحث عن مسائل تكون درجة الاحتمال فيها قوية ومؤثرة كما هو الحال في المسائل العلمية المعتمدة على التجربة.

 

والجواب: يقع من جهتين:

الجهة الأولى: إن الأمل في معالجة المسائل الدينية وإحتمالها ليس ضعيفاً كما توهم، بل إن الأمل فيها ليس بأقل من المسائل التجريبية، خاصة وأن بعض المسائل العلمية التجريبية تحتاج إلى سنوات من الجهود المضنية والأمل فيها ضعيف جداً، ومع ذلك تبذل الجهود دون تردد ولا ملل، وهذا يفتح الباب للجهة الثانية من الجواب.

الجهة الثانية: إن الدافع والمحرك للبحث لا يعتمد فقط على درجة الإحتمال قوة وضعفاً فقط، بل لا بد من مراعاة درجة المحتمل أيضاً، وذلك لأن المحتمل يزود الإحتمال بقوة الدفع والتحريك باتجاه البحث، وهذا ما تجده في كثير من المسائل والقضايا، فلو احتملت قوياً 80% مثلاً أنك أضعت مبلغاً بسيطاً من المال لا يعتدّ به أثناء سيرك ليلاً، فإنك لن تبحث عنه، وما ذلك إلا لضعف المحتمل مع أن الإحتمال كان قوياً وكبيراً، بخلاف ما لو احتملت 20% أنك فقدت مبلغاً كبيراً من المال أثناء سيرك ليلاً، ففي مثل هذه الحال ستجد في نفسك دافعاً قوياً للبحث عنه وستبدأ بالبحث مباشرة، وما ذلك إلا لأن المحتمل كان قوياً وكبيراً مهما كانت درجة الإحتمال ضعيفة وبسيطة.

والمحصل: إن لكلٍ من الإحتمال والمحتمل دوره في التحريك والدفع نحو البحث، وقصر النظر على قيمة الإحتمال مخالف للعقل والعقلاء.

وبما أن المنفعة المحتملة المترتبة على البحث عن الدين لا حدّ لها وهي كبيرة وقوية جداً بحيث تكفي لدفع الإنسان وتحريكه للبحث عنها فيجب على العامل في مثل هذه الحال أن يبحث عن مسائل الدين ويبذل الجهد في سبيل تحصيلها لأهميتها التي تفوق بدرجات قيمة المحتمل في أي مسألة علمية تجريبية. هذا كله لو سلمنا أن درجة الاحتمال ضعيفة، فكيف لو كان هذا الاحتمال قوياً.

 

الدافع الثالث: فطرية الشعور الديني نفسه‏

إن بعض علماء النفس  واستناداً إلى شواهد التاريخ وعلم الآثار يقرّون بأن لعبادة الله والتديّن دافعاً فطرياً مستقلاً في الإنسان مصدره الشعور الديني، ويعتبرون حسّ التديّن هذا بعداً رابعاً للروح الإنسانية بالإضافة إلى حب الاستطلاع، والشعور بالخير، والشعور بالجمال. ومن هنا يرون أن التديّن وعبادة الله ظاهرة ثابتة  بشكل من الأشكال  في كل الأجيال البشرية على إمتداد التاريخ، وهذا الثبات الدائم لهذه الظاهرة دليل على فطريتها.

ولكن لا يلزم من القول بشمولية الدافع الفطري أن يوجد دائماً بشكل حي ويقظ في الأفراد، بحيث يدفع الإنسان شعوريّاً لأهدافه المنشودة، بل من الممكن أن يختفي هذا الشعور الفطري في أعماق الفرد نتيجة لعوامل المحيط والتربية غير السليمة، كما قد تنحرف الميول والغرائز عن مسارها الطبيعي للسبب نفسه. وعلى ضوء ذلك فإن للبحث عن الدين دافعه الفطري المستقل ولا نحتاج لإثبات ضرورته إلى دليل.

الدافع الرابع: لزوم شكر المنعم‏

وهذا الدافع هو من الدوافع العقلية الفطرية، وهو أنّ النعم التي تواكب الحياة الإنسانية والتي لا يسع أحد إنكارها هي من الكثرة بحيث لا تبلغ حدّ الإحصاء، ومن جانب آخر فإن العقل الفطري يحكم بلزوم شكر المنعم على نعمه ?هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُُ?(الرحمن:60)، ولا يتحقق شكر المنعم الحقيقي وهو الله تعالى إلا بمعرفته، ولا تتحقق المعرفة إلا بالبحث عنه والإستدلال على وجوده تعالى.


الفطرة والعادة

أمثلة من نظام الخلق الدالة على وجود الله

الطّرق إلى معرفة الله

ما هي جذور الدين في الفطرة الانسانية؟

برهان الإِمكان ( 1 )

بُرهان النّظم ( 1 )

التوحيد الذاتي

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)