• عدد المراجعات :
  • 1490
  • 10/13/2010
  • تاريخ :

كتاب « الفهرست » لمنتجب الدين وصورة التشيّع في الريّ

عبدالعظيم الحسني في الري

يعتبر الشيخ مُنتجَب الدين عليّ بن بابَوَيْه الرازيّ آخر عالِم من علماء أسرة بابويه في الريّ ولد الشيخ منتجب الدين سنة 504 هـ وتوفّي أواخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع الهجريّ. وقد أورد الرافعيّ ترجمة الشيخ منتجب الدين في كتابه « التدوين » (1)، لكنّه ادّعى أنّه عالم سنّيّ، بَيْد أنّ آثار ومؤلّفات هذا العالم الجليل ـ ومن بينها كتاب الفهرست ـ تدلّل ـ بما لا يترك مجالاً للشكّ ـ على أنّه عالم من علماء الشيعة، بل عَلَم فذّ من أعلامها الأفذاذ.

وقد جرى تأليف الكتاب المذكور في الريّ، وضمّ معلومات قيّمة عن أوضاع علماء الشيعة في القرنَين الخامس والسادس للهجرة.

وكان الشيخ منتجب الدين قد عزم ـ بناءً على طلب من أحد نقباء الريّ، وهو أبو القاسم يحيى بن شرف الدين ـ على تأليف كتاب في ذِكر أسماء علماء الشيعة ومؤلّفيهم، إذ لم يؤلّف أحد ـ بعد الشيخ الطوسيّ ـ كتاباً في هذا المضمون (2).وقد جرى تأليف الكتاب المذكور في الريّ، وضمّ معلومات قيّمة عن أوضاع علماء الشيعة في القرنَين الخامس والسادس للهجرة.

وقد بذلنا وسعنا في بيان ما أمكننا استخراجه فيما يتصل بأوضاع علماء الشيعة والفِكر الشيعيّ، اعتماداً على المعلومات المقتضبة التي أوردها الشيخ منتجب الدين في كتابه سالف الذكر:

1 ـ قال الرافعيّ في معرض حديثه عن الشيخ منتجب الدين: ابن بابويه، نُسب إلى التشيّع، وكان آباؤه على المذهب المذكور. ويرجع أصلهم إلى « قُم »، بَيْد أنّي اعتقد أنّ الشيخ بعيد عن التشيّع، لتنقيبه عن فضائل الصحابة، وإصراره على رواية مناقبهم، ومبالغته في تبجيل الخلفاء الراشدين (3).

وجميع الآثار والمؤلّفات التي خلّفها الشيخ منتجب الدين حاكية عن كونه من الشيعة الإماميّة، ومن علمائهم البارزين. ويبقى السؤال المهمّ هو: إن الرافعيّ تتلمذ على الشيخ منتجب الدين ـ حيث صرّح الرافعيّ بأنّه تتلمذ عليه سنة 585 هـ ـ فكيف أخفى الشيخ عقائده عن الرافعيّ حتّى عدّه بعيداً عن التشيّع ؟!

الأمر الذي لا نستبعده هو أنّ الشيخ منتجب الدين كان يستفيد من غطاء التقيّة، أو أنّه كان يُبدي قدراً من التسامح، وهو أمر ذكرنا أن شيعة الريّ كانوا يتّسمون به.

وذكر الشيخ منتجب الدين في كتابه أنّ أبا القاسم جعفر بن عليّ ـ وهو من آل جعفر ـ كان يعيش في « دهستان » ويعمل بالتقية في فتاواه، وهكذا فعل ابنُه من بعده (4).

2 ـ تُطالعنا في كتاب الفهرست أسماء لعلماء من الشيعة هي أسماء فارسية قديمة، وفي ذلك إشارة ـ إلى حدّ ما ـ إلى تحوّل أولئك العلماء إلى المذهب الشيعيّ من سائر المذاهب والأديان، على الرغم من أنّ المسلمين يختارون في بعض الأحيان تلك الأسماء في تسمية أبنائهم. ومن تلك الأسماء: زرين كم بن يزداد بن منوچهر، وأمير خسرو فيروز بن شاهور الديلميّ (5).

3 ـ والأمر الآخر الذي انعكس في كتاب الفهرست، هو أسماء بعض الكتب التي ألّفها علماء الشيعة، حيث إنّ تلك الكتب تحكي المشكلات الفكريّة للشيعة في ذلك العصر. ومن المواضيع التي تناولتها هذه الكتب موضوع الإمامة ـ ومن البديهيّ أن تكون الآثار المؤلّفة فيه أكثر ـ والفقه والعلوم القرآنيّة. ونلاحظ أنّ بعض الكتب قد أُلّف بالفارسيّة، وفي ذلك دلالة على وجود طلبة ناطقين بالفارسيّة يدرسون الفقه الشيعي والمعارف الإسلاميّة؛ كما نُلاحظ وجود كتب في أنساب العلويّين، وهو بنفسه دليل على كثرة وجود السادة في الريّ وما يجاورها من المناطق.

4 ـ من الأمور التي وردت في كتابَي « الفهرست » و « النَّقض » قضية المواجهة بين الإماميّة والإسماعيليّة؛ فقد عُرف الإسماعيليّة في ذلك العصر بلقب « الملاحدة »، وكان من أهم مراكزه « قلعة ألَمُوت »؛ وكان أهل السنّة يتّهمون الشيعة بالارتباط بالإسماعيليّة عقائديّاً، وكان الشيعة ـ في المقابل ـ يتنصّلون من هذه التهمة التي تستتبع تزايد الضغط عليهم من قِبل الحكم السلجوقيّ.

وقد سعى عبدالجليل الرازيّ في كتابه « النقض » جاهداً في نفي هذه التهمة، فأشار إلى الجهاد الذي أبداه الوزراء الشيعة وبعض أمرائهم في طبرستان في مقابلة الإسماعيلية ( الملاحدة ) (6)، ثمّ أورد أسماء طائفة من علماء الشيعة الذين قُتلوا على يد الملاحدة (7)، وتطرّق إلى ذِكر رسالة مختصرة ألّفها في الردّ على الملاحدة وفي إبطال شبهاتهم (8)، ثمّ نوّه الشيخ منتجب الدين بكتابَي الشيخ خليل بن ظفر بن خليل الأسديّ اللَّذين ألّفهما في الردّ على الإسماعيلية والقرامطة على التوالي (9)، وأشار إلى الشيخ ناصر الدين الحمدانيّ ( رئيس الشيعة في قزوين ) الذي ألّف كتاباً وصفه بأنه « مناظرة جَرَت بينه وبين الملاحدة ».

وقد تطرّق عبدالجليل الرازي أيضاً إلى ذكر الشيخ الحمدانيّ فذكر أنّه ذهب إلى اصفهان خلال الفتنة التي نشبت في قزوين، فالتقى بالسلطان محمّد، ثمّ ناظر الملاحدة فأبطل حُججهم وفنّد آراءهم، فلقّبه السلطان محمّد بلقب ناصر الدين (10).

5 ـ أمّا العلاقة بين الشيعة والزيديّة، فإنّ ما يُستنبَط من كتاب « النَّقض » هو غياب المواجهات الحادّة بين هاتين الطائفتَين في منطقة الريّ. وعلى الرغم من أنّ هاتين الطائفتين كانتا تتواجهان في مناظرات علميّة، إلاّ أنّهما كانتا تتحاشيان المواجهة العلنيّة بينهما. وقد أشار الشيخ منتجب الدين في كتابه إلى كتاب ألّفه الشيخ خليل الأسديّ بعنوان « جوابات الزيديّة » (11)، بينما أثنى الشيخ عبدالجليل في كتابه على زيديّة الريّ وعلمائهم ومدارسهم (12).

وذكر الشيخ منتجب الدين قصّة أحد أئمّة الزيديّة ـ واسمه السيّد الثائر بالله بن المهديّ الثائر بالله الحسنيّ ـ وكان قد خرج في جيلان، ثمّ أنّه استبصر بعد ذلك وأصبح إماميّاً (13). وذكر في موضع آخر قصّة الواثق بالله بن أحمد بن الحسين الحسينيّ الذي كان في بداية أمره زيديّاً ثمّ استبصر على يد عبدالجليل الرازي (14).

والأمر المسلّم هو أنّ طائفة من شيعة الريّ ومنطقة قصران كانوا من الزيديّة، وأنّ طائفة أكبر في الريّ وما حولها كانوا من الإماميّة.

6 ـ وردت في كتاب الفهرست للشيخ منتجب الدين إشارات إلى الجهود الثقافيّة التي بذلها الشيعة في الريّ خلال تلك الفترة، وأشار الشيخ عبدالجليل الرازي في كتابه إلى ذلك أيضاً، فنوّها ببعض الأفراد على أنّهم من أصحاب الوعظ والتذكير، وبآخرين على أنّهم من أصحاب المناظرات (15)، ويقصدان بهم الذين كانوا يخوضون المناظرات والمحاججات مع مخالفيهم في مجالس خاصّة تُعقد لهذا الشأن. وقد أشارا ـ على سبيل المثال ـ إلى أبي سعيد عبدالجليل بن عيسى الرازي فوصفاه بأنّه متكلّم له مقامات ومناظرات مع المخالفين (16)، كما أشارا إلى الشيخ زين الدين أبي الحسن عليّ بن محمّد الرازي على أنّه متكلّم وأنّه كان استاذاً لعلماء طائفة الشيعة عصره، وبأنّ له مناظرات مشهورة مع المخالفين (17)، ويستفاد من التقرير الذي أورده الشيخ عبدالجليل الرازي في هذا الشأنّ أنّ المدارس يومذاك كانت تضمّ موضعاً خاصّاً للمناظرة (18).

وقد ردّ الشيخ عبدالجليل الرازي على انتقاد صاحب كتاب الفضائح بأنّ الشيعة يحضرون مجالس مخالفيهم، مُعلّلاً ذلك بأنّ الشيعة يسعون من خلال حضور مجالس المخالفين إلى فهم الأفكار التي يحملها العلماء الذين توافدوا على الريّ من منطقة خراسان (19)، وهو أمر يوضّح اهتمام الشيعة بمعرفة آراء أهل السنّة.

7 ـ ومن النشاطات الثقافيّة لشيعة الريّ، المدائح التي كانوا ينشدونها في مجالسهم في حقّ أهل البيت عليهم السّلام. وقد ذكر الشيخ منتجب الدين في كتابه عدداً من شيعة الريّ لقّبهم بالمدّاحين، ممّن كانوا ينشدون أشعاراً في الثناء على أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وتعديد مناقبهم وفضائلهم (20)، فذكر السيّد تاج الدين أبا تراب، وقال عنه بأنّه أنشأ ألف بيت من الشعر في مدح أهل البيت (21)؛ وذكر الشيخ أبا الحسين عاصم العِجلي والشيخ زين الدين وقال بأنّهما كان يؤلّفان الأشعار في مدائح أهل البيت عليهم السّلام (22).

ويتبيّن من خلال ما ذكره الشيخ عبدالجليل في كتاب النقض أنّ منطقة الريّ شهدت في تلك الفترة منافسة شديدة بين المدّاحين الذين كانوا ينشدون الأشعار في مدح أهل البيت عليهم السّلام وبيان فضائلهم وبين مَن كانوا ينشدون الشعر في بيان فضائل الصحابة. وصرّح الشيخ عبدالجليل بأنّ ذِكر مناقب أهل البيت عليهم السّلام قد راج في جميع المدن الشيعيّة يومذاك (23).

ومن الشعراء الشيعة الذين اشتُهروا بمدح أهل البيت عليهم السّلام القَوامي الرازي الذي عاش في الري في القرن السادس الهجريّ، ويُعَدّ ديوانه نموذجاً من الأشعار التي قيلت في ذلك العصر في بيان مناقب أهل البيت عليهم السّلام (24).

8 ـ وقد اشتمل كتاب الفهرست للشيخ منتجب الدين على إشارات إلى الأوضاع التي كان عليها الشيعة في سائر البلاد يومذاك، على الرغم من كون هذه المعلومات والإشارات محدودة.

وأورد الشيخ منتجب الدين اسم الشيخ أبي طالب عليّ بن أحمد البزوفري الذي سكن منطقة الريّ (25) و « بزوفر » قرية تقع في منتصف الطريق بين واسط وبغداد.

وتطرّق الشيخ منتجب الدين إلى ذِكر علماء الشيعة في مدن حلب وزَنجان وخَوارزم وقاشان وورامين وساري (26).

وذكر رجالاً من الشيعة احتلّوا مناصب القضاء أو شغلوا بعض المناصب الإداريّة؛ فالشيخ كمال الدين أحمد الراوندي كان قاضي كاشان (27)، والشيخ محمّد بن حسين أصبح يشغل وظيفة المحتسب (28)، والشيخ فخر الدين محمّد بن علي الاستراباديّ أصبح قاضي الريّ (29).

ويُعدّ كتاب الفهرست للشيخ منتجب الدين أحد المصادر المعتمدة في التعرّف على الأسر الشيعيّة في الريّ ـ فضلاً عن آل بابويه ـ مثل: أسرة الكيسكي، وأسرة الحمدانيّ، وأسرة دعويدار، وأسرة الراوندي.. وغيرهم.

ومن الأسر التي ذكرها الشيخ منتجب الدين: عائلة الخُزاعي. وبنو خُزاعة من القبائل التي سكنت مكّة في الأزمنة الغابرة، شأنهم في ذلك شأن بني هاشم، ثمّ اشتهر أفراد هذه القبيلة بكونهم من الشيعة.

ومن علماء خُزاعة: الشيخ حسين بن علي بن محمّد بن أحمد الخزاعيّ المعروف بأبي الفتوح الرازيّ المفسّر الشهير للقرآن الكريم. ومن أجداد أبي الفتوح الرازي: الشيخ أحمد بن حسين بن أحمد الخزاعي الذي كان من تلامذة السيّد الرضيّ والسيّد المرتضى والشيخ الطوسيّ، وكانت له آثار في الحديث والفقه والأصول ذكرها الشيخ منتجب الدين في كتابه. وكان لجدّ أبي الفتوح: الشيخ محمد بن حسين الخزاعيّ مؤلّفات في فضائل الزهراء فاطمة عليها السّلام ومناقب أهل البيت عليهم السّلام. وكان لعمّه الشيخ عبدالرحمان بن أحمد بن حسين عدّة مؤلّفات.

المصدر:شبکة الامام الرضاعليه السلام

------------------------------------------------------

الهوامش:

1- التدوين في اخبار قزوين للرافعي،وقد اورد السيد العزيز الطاطبائي ترجمة مفصلة للشيخ منتجب الدين في مقدمة کتاب "الفهرست"

2- يحتمل ان الشيخ منتجب الدين لم يطلع علي کتاب فهرست ابن شهر اشوب الذي يعرف باسم معالم العلماء

3- التدوين للرافعي

4-5- 6- 7- الفهرست

8- النقض

9- الفهرست

10- النقض

11- الفهرست

12- النقض

13-14-15-16-17- الفهرست

18-19-النقض

20-21-22- الفهرست

23- النقض

24- مقدمة ديوان القوامي

25-26-27-28-29-الفهرست

 


العلويّون الذين قُتلوا في الريّ

علويّو الريّ خلال العصر السلجوقيّ

شيعة الريّ خلال العصر السلجوقيّ

شيعة الريّ وضغوط الغَزْنَويّين

أسرة آل بُوَيه في الريّ

انتشار التشيّع في الريّ في عصرِ آل بُوَيْه

 

 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)