• عدد المراجعات :
  • 1304
  • 9/21/2010
  • تاريخ :

السنن الإلهية في المجتمع البشري

الورد

ننقل في هذا الباب بعض الآيات الّتي تنص على قوانين كلية وسنن إلهية سائدة على المجتمع البشري من غير فرق بين مجتمع وآخر وإنما المهم هو اختيار أحد جانبي تلك السنن.

1- قال سبحانه حاكياً عن شيخ الأنبياء نوح: ?فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ?(نوح:10-12).

فترى أنَّ نوحاً عليه السَّلام يجعل الاستغفار سبباً مؤثراً في نزول المطر وكثرة الأموال وجريان الأنهار، ووفرة الأولاد. وإنكار تأثير الاستغفار في هذه الكائنات أشبه بكلمات الملاحدة.وموقف الاستغفار هنا موقف العلة التامة أو المقتضي بالنسبة إليها والآية تهدف إلى أنَّ الرجوع إلى الله وإقامة دينه وأحكامه يسوق المجتمع إلى النظم والعدل والقسط وفي ظله تتركز القوى على بناء المجتمع على أساس صحيح، فتصرف القوى في العمران والزراعة وسائر مجالات المصالح الاقتصادية العامة، كما أنّ العمل على خلاف هذه السنّة، وهو رجوع المجتمع عن الله وعن الطهارة في القلب والعمل، ينتج خلاف ذلك.

فللمجتمع الخيار في التمسك بأهداب أي من السنتين، فالكل قضاء الله وتقديره.

2- قال سبحانه: ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ?(الأعراف:96).

3- قال سبحانه: ?إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ?(الرعد:11).

4- وقال سبحانه: ?ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ?(الأنفال:53).

والتقرير في مورد هذه الآيات الثلاث مثله في الآية السابقة عليها.

5- وقال سبحانه: ?وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ?(إبراهيم:7).

نرى أنَّ الآية تتكفل ببيان كلا طرفي السُّنة الإلهية إيجاباً وسلباً وتبين النتيجة المترتبة على كل واحد منهما.والكل قضاؤه وتقديره والخيار في سلوكهما للمجتمع.

6- وقال سبحانه: ?وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ?(الطلاق:2-3).

7- وقال سبحانه: ?يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ?(إبراهيم:27).

فالمجتمع المؤمن بالله وكتابه وسنة رسوله إيماناً راسخاً يثبته الله سبحانه في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كما أنَّ الظالم والعادل عن الله سبحانه يخذله الله سبحانه ولا يوفقه إلى شيء من مراتب معرفته وهدايته.ولأجل ذلك يرتب على تلك الآية قوله: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ?(إبراهيم:28-29).

8- وقال سبحانه: ?وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ?(الأنبياء:105).

فالصالحون لأجل اتصافهم بالصلاح في العقيدة والعمل، يغلبون الظالمين وتكون السيادة لهم، والذلة والخذلان لمخالفيهم.

9- وقال سبحانه: ?وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لاَ يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?(النور:55).

فالاستخلاف في الأرض نتيجة الإيمان بالله والعمل الصالح وإقامة دينه بتمام معنى الكلمة ويترتب عليه وراء الاستخلاف ما ذكره في الآية من التمكين وتبديل الخوف بالأمن.

10- وقال سبحانه: ?أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا?(محمد:10).

والآيات الواردة حول الأمر بالسير في الأرض والاعتبار بما جرى على الأُمم السالفة لأجل عتوهم وتكذيبهم رسل الله سبحانه، كثيرة في القرآن الكريم تبين سنته السائدة على الأُمم جمعاء.

11- وقال سبحانه: ?قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ?(آل عمران:137).

12- وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ?(الأنفال:29).

13- وقال سبحانه: ?مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلاَدِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ?(غافر:4-6).

فالآية من أثبت الآيات المبينة لسنته تعالى في الذين كفروا فلا يصلح للمؤمن أن يغره تقلبهم في البلاد وعليه أن ينظر في عاقبة أمرهم كقوم نوح والأحزاب من بعدهم، حتى يقف على أنَّ للباطل جولة وللحق دولة، وأن مردّ الكافرين إلى الهلاك والدمار.

14- وقال سبحانه: ?وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً * اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّءِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً?(فاطر:42-43).

وما ذكرنا من الآيات نبذة من السنن الإلهية السائدة على الفرد والمجتمع. وفي وسع الباحث أن يتفحص آيات الكتاب العزيز ويقف على سننه تعالى وقوانينه، ثم يرجع إلى تاريخ الأُمم وأحوالها فيصدِّق قوله سبحانه: ?فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً?(فاطر:43).

 

فقد خرجنا بهذه النتائج

1- إنَّ التقدير العينيّ عبارة عن الخصوصيات والمشخّصات الموجودة في وجود الشيء المكتسبة من علله. والقضاء ضرورة وجوده عند وجود علته التامة، والكل مُنْتَه إلى الله سبحانه إنتهاء الأسباب والمسبَّبات إلى مسببها الأوّل.

وإنَّ هذا التقدير والقضاء من شعب الخلقة فمقتضى التوحيد هو القول بأنَّّه لا مقدر ولا قاضي إلا الله سبحانه.

2- إنَّ الاعتقاد بهذا النوع من التقدير والقضاء لا ينتج مسألة الجبر، كما أنّ الاعتقاد بالتوحيد في الخالقية لا ينتجه.

3- إنَّ ما مضى من القضاء والقدر العينيَّين إذا كان راجعاً إلى خصوصيات وجود الشيء وضرورة وجوده الخارجي فَلْيُسَمَّ بالجزئي منهما.وإذا كان تقديره وقضاؤه على الإنسان والمجتمع بصورة تسنين قوانين كلية واسعة لا تتخلف في حق فرد دون فرد أو مجتمع دون مجتمع، فَلْيُسَمَّ بالتقدير والقضاء العينيَّين الكليَّين. وتصويب هذه السنن وإعطاء الاختيار إلى الإنسان المختار، نفس القول بحريته في معترك الحياة.

*الإلهيات، آية الله جعفر السبحاني، مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2، ص183-196


معطيات الإعتقاد بالقضاء والقدر

الحكمة من الافات والكوارث

التقدير مقدَّم على القضاء

الجبر والتفويض

 

 

 

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)