• عدد المراجعات :
  • 1957
  • 1/3/2010
  • تاريخ :

الطوسي و عمله في إنقاذ الإسلام

الجزء الثاني

نصير الدين الطوسي

كان الطوسي ذا فكر منظم يعرف كيف يخطط ويدبر. وهو في ذلك آية من الآيات، وقد أدرك أن النصر العسكري على المغول ليس ممكناً أبداً، فقد انحل نظام العالم الإسلامي انحلالاً تاماً لم يعد معه أمل في تجميع قوة تهاجم المغول وتخرجهم من دياره، وكانت البلاد المحتلة أضعف من أن تفكر في ثورة ناجحة... على أن الغرب الإسلامي كان لا يزال سليماً، وكانت مصر هي القوة الوحيدة التي تتجه إليها الأنظار، وقد استطاعت مصر ان تذيق المغول مرارة الهزيمة وأن تردهم عنها.

وفكر نصير الدين طويلاً فأيقن أنه إذا تم للمغول النصر الفكري، بعد النصر العسكري كان في ذلك القضاء على الاسلام، وها هو يرى بأم عينه الكتب تباد والعلماء يقتلون، من ذا يبقى بعد ذلك؟.

لقد استغل حاجة هولاكو اليه، وحرضه على أن يكون في معسكره فلكي عالم بالنجوم، فعزم على كسب ثقته واحترامه فكان له ما أراد، وصار له من ذلك سبيل لإنقاذ اكبر عدد من الكتب وتجميعها، كما استطاع أن ينجي من القتل الكثيرين ممن كانوا سيقتلون.

ولما استتب الأمر لهولاكو خطا نصير الدين خطوته الأولى، وكانت هذه المرة خطوة جبارة فقد أقنع هولاكو بأن يتعهد إليه بالإشراف على الأوقاف الإسلامية والتصرف بمواردها بما يراه، فوافق هولاكو.. وتطلع نصير الدين فرأى أن المسلمين كانوا قد وصلوا في الانحلال الفكري إلى حد أصبح العلم عندهم قشوراً لا لباب فيها، وأنهم حصروا العلم في الفقه والحديث وحدهما، وحرموا ما عداها من سائر صنوف المعرفة التي حث عليها الدين العظيم، وانصرفوا عن العلوم العملية انصرافاً تاماً.. فأعلن افتتاح مدارس لكل من الفقه، والحديث، والطب، والفلسفة، وأنه سيتولى الإنفاق على طلاب هذه المدارس، وسيجعل لكل واحد من دارسي الفلسفة ثلاثة دراهم يومياً، ولكل واحد من دارسي الطب درهمين، وللفقه درهماً، وللحديث نصف درهم، فأقبل الناس على معاهد الفلسفة والطب، بعدما كانت من قبل تدرس سراً.

أحرز نصير الدين النصر الأول في معارك الإسلام، فالعلم لم ينقطع بعد اليوم، ولن يحيد المسلمون عن طلبه، ثم انصرف يخطط للمعركة الكبرى الكاسحة، فإذا كان إنشاء المدارس المتفرقة لن يلفت هولاكو إليها، ولن يدرك أهميتها، فإن إنشاء الجامعة الكبرى وحشد العلماء فيها وحشر الكتب في خزانتها،

أحرز نصير الدين النصر الأول في معارك الإسلام، فالعلم لم ينقطع بعد اليوم، ولن يحيد المسلمون عن طلبه، ثم انصرف يخطط للمعركة الكبرى الكاسحة، فإذا كان إنشاء المدارس المتفرقة لن يلفت هولاكو إليها، ولن يدرك أهميتها، فإن إنشاء الجامعة الكبرى وحشد العلماء فيها وحشر الكتب في خزانتها، سيكون حتماً منبهاً لهولاكو، فكيف العمل؟.

هنا تبدو براعة الطوسي، فهولاكو استبقاه لغاية معينة، فراح يقنع هولاكو بأنه من أجل استمراره في عمله والاستفادة من مواهبه لا بد من إنشاء مرصد كبير، فوافق هولاكو على إنشاء المرصد الكبير، وفوض لنصير الدين المباشرة بالعمل.

لقد كانت هذه الموافقة الحلم الأكبر الذي حققته الأيام لنصير الدين، وبعدها سيكون مستريحاً للمستقبل لا يشغله شيء إلا الإعداد الدقيق والتخطيط السليم الموصل إلى الغاية القصوى..

ضخم نصير الدين أمر المرصد لهولاكو و أقنعه أنه وحده أعجز من أن يرفع حجراً فوق حجر في ذاك البناء الشامخ، وانه لا بد له من مساعدين أكفاء يستند إليهم في مهمته الشاقة، وأنه لا مناص من أجل ذلك من أن يجمع عدداً من الناس المختارين، سواء في البلاد المحتلة أو في خارجها، فوافق هولاكو على ذلك...

وهنا هب نصير الدين إلى اختيار رسول حكيم هو فخر الدين لقمان بن عبد الله المراغي، وعهد إليه بالتطواف في البلاد الإسلامية، وتأمين العلماء النازحين ودعوتهم للعودة إلى بلادهم، ثم دعوة كل من يراه متفوقاً في علمه وعقله من غير النازحين.

مضى العمل منظماً دقيقاً وانصرف العلماء بإشراف الطوسي منفذين مخططاً مدروساً، فلم يمض كثير من الوقت حتى كانت المكتبات تغص بالكتب، وحتى كانت مكتبة مراغة بالذات تضم مجموعة قلّ أن اجتمع مثلها في مكتبة أخرى، وحتى كانت المدارس تقام في كل مكان، وحتى كانت الثقافة الإسلامية تعود حية سوية..

ثم يموت هولاكو، ولكن الإسلام الذي أراد له هولاكو الموت يظل صحيح البنية، متوهج الفكر، ثم يموت ابن هولاكو وخليفته (ابقاخان) والإسلام لا يزال بقيادة الطوسي صامداً، ويقاوم ويدعو ويهدي.

يقول العالم الأزهري الشيخ عبد المتعال الصعيدي: (لم يمت نصير الدين إلا بعد أن جدد ما بلي في دولة التتار من العلوم الإسلامية وأحيا ما مات من آمال المسلمين بها)، إلى أن يقول: (إن الانتصار على التتار لم يكن في الحقيقة بردهم عن الشام في موقعة (عين جالوت) وإنما كان بفتح قلوبهم إلى الإسلام وهدايتهم له)، وهذا ما حققه نصير الدين الطوسي.

ويأتي بعد ابقاخان، ابن هولاكو الاخر (تكودار) فإذا بالإسلام ينفذ إلى قلبه وعقله، وإذا به يعلن إسلامه وتسلم الدولة كلها بعد ذلك في عهد غازان.

وكان الطوسي قد مات سنة 672 هـ، مات قرير العين وهو يرى طلائع الظفر مقتحمة الدنيا بموكبها الرائع وبشائر النصر هازجة بأرفع صوت وأعلى نبرة.

مات الطوسي مودعاً الأمر إلى تلميذه وأقرب المقربين اليه قطب الدين أبو الثناء محمود بن مسعود الشيرازي، فنهض بالعبء على ما أراده نصير الدين.

فلم يجد (تكودار) الذي أصبح اسمه (أحمد تكودار) خيراً من الشيرازي خليفة الطوسي ليكون رسوله إلى العالم الإسلامي.

يقول العالم الأزهري الشيخ عبد المتعال الصعيدي: (لم يمت نصير الدين إلا بعد أن جدد ما بلي في دولة التتار من العلوم الإسلامية وأحيا ما مات من آمال المسلمين بها)، إلى أن يقول: (إن الانتصار على التتار لم يكن في الحقيقة بردهم عن الشام في موقعة (عين جالوت) وإنما كان بفتح قلوبهم إلى الإسلام وهدايتهم له)، وهذا ما حققه نصير الدين الطوسي.

وهكذا استطاع أن يهزم بالعقل والعلم الدولة الطاغية، وأن تنجح خططه في التمهيد لتحويل المغول من وثنيين إلى مسلمين.


الطوسي وعمله في إنقاذ الإسلام(1)

الطوسي عالم رياضي وفلكي وهندسي

علمية الشيخ الطوسي

قالوا في  نصير الدين الطوسي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)